الجوعان للنواب: اعتذاركم أو حتى ندمكم لا ينفع

زاوية الكتاب

كتب 563 مشاهدات 0


اجماع المشرعين اعضاء مجلس الامة غير عادي على موضوع غير عادي ايضا، فقد تسابق المشرعون الى التصويت على التعديلات التي ادخلت على قانون العمل في القطاع الاهلي لعام ،1964 فيما يتعلق بتشغيل النساء وحمايتهن!؟ وقد غاب عن اذهان المشرعين ان ما تسابقوا عليه وصوتوا عليه هو موجود في احكام قانون العمل في القطاع الاهلي لعام 1964 في مادتيه 23 و،24 ولم تضف التعديلات الجديدة اي امتيازات اضافية للمرأة، رغم تشدق البعض بالخوف عليها وحمايتها!! بل اتت بتعديلات اخرى تمثل نقلة خطرة في مفهوم التفتيش وسلطاته. وأتساءل هنا كما يتساءل الكثيرون: اين كان هؤلاء المشرعون من حماية المرأة طيلة الاربعين ونيف من السنين، والكثيرون منهم تقلدوا مناصب وزارية وتنفيذية رفيعة؟! أليست امرأة الستينات التي شرع القانون لها، ومن اجلها، هي هي امرأة القرن الواحد والعشرين، الذي حاول مقدمو التعديلات اللف والدوران عليه وحوله؟ أوليس هذا القانون الذي استند الى المعايير والاتفاقيات الدولية هو هو الذي تفنن فيه مشرعو مجلس الامة بإخراجه بقالب آخر وبوجه مشوه يحرم على المرأة الخروج من منزلها من الساعة الثامنة مساء حتى وان كانت في حالة ولادة او نقل مريض الى المستشفى او حمل رضيع يصرخ من ارتفاع حرارته او عروس تنتظر ليلة زفافها؟ وما الجديد المميز الذي ادخل على القانون حتى يتسابق الجميع الى اقراره من دون ان يطلب اي نائب، نعم اي نائب التريث لدراسته ومناقشته اولا مع نفسه، ثم مع الاطراف المعنية والمرأة خاصة، لقد تسارع المشرعون من دون ان يضعوا في الاعتبار المعايير المطلوبة لسن اي تشريع، من اهمها الهدف من سن اي تشريع او تعديل تشريعي، ومدى تحقيقه للمصلحة العامة والمستفيدين من تطبيقه، ثم التأني في دراسته والتدقيق والتمحيص اللازمين، ومراجعة اصحاب الشأن والاعلان عنه وليس المباغتة والتسرع، وكأن مجلس الامة اصبح ساحة للمباغتة والتنافس غير المشروع. ان التعديلات التي اجمع عليها المشرعون لا يكفيها من البعض الاعتذار والندم، ولا تغني لمن تقدم بها عن المساءلة والتنديد، فمن قدم التعديلات استعان بالمرأة كناخبة ومسؤولة عن حملاته الانتخابية، والتي كان العمل فيها يستغرق ليس 'سويعات' فقط بل اياما وليالي لا يعرف ليلها من نهارها، تركت فيه 'الناخبة' وامرأته البيت والأسرة طيلة اربعين يوما، تفرغن فقط لحشد الاصوات لهم واقامة الندوات والتجمعات، علما بأن من هؤلاء من تولى قيادة عدة وزارات تلعب المرأة فيها دورا كبيرا ومهما. اين هم كل هذه السنوات، وما هو القصد من تقديمها واقرارها الآن، وما التعديلات الجوهرية التي اتت بها هذه التعديلات وتصب في مصلحة المرأة والمجتمع!؟ فلو تفحصنا كلا من النص الاصلي والمعدل للمادتين 23 و24 فلا جديد يذكر، اللهم سوى تبديل كلمة بأخرى تحمل المعنى نفسه، فمثلا: تنص المادة 24 من النص الاصلي على ان 'يحظر تشغيل النساء ليلا.. الخ'. وفي النص المعدل: 'يحظر تشغيل المرأة'. فما الفرق بين كلمة 'النساء' وكلمة 'المرأة'، ولماذا استبدلت 'النساء' ب 'المرأة'. أليست كلمة 'النساء' التي اتى بها النص الاصلي اقوى صياغة ومدلولا من كلمة 'المرأة'. لقد خصص الله سبحانه وتعالى النساء بسورة كاملة ومستفيضة بالمعاني الجليلة في القرآن الكريم، فما هو التجديد والتغيير الذي اراده هؤلاء المشرعون؟! كما ان النص المعدل في المادة 24 والذي 'يحظر تشغيلها في الاعمال الضارة بالأخلاق، والتي تقوم على استغلال انوثتها' يجعلني اقف كثيرا امامه اولا من حيث صياغته، ومن ثم مضمونه. فالأعمال الضارة بالأخلاق ايها السادة النواب لا تقتصر على المرأة فقط، ولا ترتكبها المرأة وحدها، ولا يردعها نص في ظاهره الرحمة وباطنه!.. ما لم تكن هناك خلق نبيلة في الرجل اولا قبل المرأة، وقيم مجتمعية راقية يحافظ عليها المجتمع بكامله، وبمفهوم المخالفة يعني ان الاعمال الضارة بالأخلاق يمكن ان يقوم بها الرجل ويعفى من العقوبة. كما ان المادة 23 المعدلة لم تأت بجديد سوى انها شرحت بمفهوم 'المشرعين' معنى 'ليلا' التي وردت في النص الاصلي، ففي النص المعدل شرح 'المشرعون' كلمة 'ليلا' اي انها 'الفترة التي تمتد ما بين الساعة الثامنة مساء والسابعة صباحا'، ولا ادري كيف حدد هؤلاء المشرعون هذه الفترة بهذا التوقيت فقط، وهل فترة الليل تبدأ اعتبارا من الساعة الثامنة مساء ام بعد صلاة المغرب مثلا، وهو المفهوم المتعارف عليه، اي ان فترة الليل تبدأ من بعد صلاة المغرب، وهي قبل الثامنة بكثير. كما ان الاستثناءات الكثيرة الواردة في النص المعدل تفرغ النص من غرضه، وهذا هو الواقع. ان ما يوجب التوقف عنده كثيرا هو ادخال 'صفة الضبطية القضائية' و'الاستعانة بأفراد القوة العامة'. وهي الصفة ذاتها والدور الذي تقوم بما يسمى ب 'هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر' المعمول بها في بعض الدول. ايها السادة النواب، ان اقرار الحقوق السياسية للمرأة قد فتح لكم آفاقا جديدة تستثمرون فيها عقولكم وضمائركم لمصلحة الوطن وتطوره لا بتقييد طاقاته وحرياته وابداعاته، من هذا المنطلق ندعوكم ايها النواب.. كفى عبثا بالمرأة. كوثر الجوعان
القبس

تعليقات

اكتب تعليقك