عن ضعف هيبة الدولة- يكتب الطراح
زاوية الكتابأرجع سببه لتحالف السلطة مع شبكات الفساد وليس بسبب نمو المعارضة
كتب مارس 28, 2012, 11:57 م 1270 مشاهدات 0
الكل يتكلم حالياً عن تراجع هيبة الدولة في العالم العربي في ظل ما يشهده من تحولات وتغيرات، حيث أصبح الناس يخرجون في مسيرات واعتصامات، فيتعطل العمل ويتوقف الإنتاج ويجري احتلال مؤسسات واقتحامها! الوضع يشبه الفوضى، ويؤدي إلى مزيد من إضعاف الدولة في هذه البلدان. هيبة القانون هي المصدر الذي تستمد منه الدولة قوتها، لذلك فالاعتداء على القانون يعد أكبر خطر على مستقبل الدولة. فهل تراجعت هيبة الدولة في العالم العربي بسب الحراك الحالي أم جراء عدم قيامها بالدور المنوط بها أصلاً؟
عندما نتحدث عن هيبة الدولة فنحن نلامس قضية مهمة تشمل سلوك الدولة نفسها، وهنا نستحضر غياب الدولة بما يترتب عنه من انتشار للفساد، والذي أحياناً ما تدعمه الدولة بدعمه تحقيقاً لمصالح ذوي النفوذ. فكيف نطالب بهيبة الدولة وهي تمارس دوراً غير محايد؟ في كثير من البلدان العربية وضعت الدولة نفسها في الطرف المعادي لمصالح الناس، ووقفت مع ذوي النفوذ. الدولة العربية فقدت هيبتها في الغالب، لأنها تحولت إلى أداة بيد أهل النفوذ ومصالحهم الكبيرة.
إن هيبة الدولة لا تتراجع بسبب الدور المعارض لبعض مواطنيها، بل غالباً ما تكون هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن ضياع هيبتها. ورغم قدرتها على الإمساك بزمام الأمور، فإن كثيراً من المؤشرات في بلادنا العربية تشير إلى ضعف الدولة بسبب تحالفها مع شبكات النفوذ، مما يشكل دافعاً لفئات أخرى نحو السلوك الانتقامي. وهنا تكمن أزمة بعض المجتمعات العربية حيث المواطن لا يشعر بقوة الانتماء للدولة لعدم تمتعها بالحياد. التحولات الجارية في المنطقة العربية لا تزال غامضة من حيث توجهاتها نحو انسلاخ الدولة من دورها التقليدي ومحاولتها بناء مجال سياسي حديث قائم على فكرة المواطنة. ولعل ما حدث في تونس والمغرب ومصر من تحولات سياسية يواجه مصاعب كثيرة، لأن شبكة العلاقات الاجتماعية التقليدية هي الفاعل الحاسم في مصير هذه التحولات.
بعض الحكومات العربية ما زالت ترى هيبة الدولة في فضائها الأمني وليس في خلق قاعدة جديدة للعلاقات الاجتماعية تجعل المواطن يدرك دوره في بناء الدولة الحديثة.
وبالنسبة للتنظيمات والحركات السياسية العربية، فلا أعتقد أن أكثرها قادر على النهوض بدوره في الدفع نحو مفهوم المواطنة كأساس لقيام الدولة الحديثة. ويبدو أن العثرة التي تواجهنا ثقافية في طبيعتها، لذلك ينبغي أن تتوجه المحاولات نحو إعادة تقييم الثقافة السائدة والتي تفرز نمط العلاقة بين الدولة والفرد. إن المواطنة مفهوم من المفاهيم الحديثة التي ارتبطت بالدولة في أوروبا، حيث استطاعت هذه الأخيرة -عبر تبنيها للديمقراطية- تحقيق فكرة الانتماء للدولة ذات الحدود الجغرافية ضمن أطر ثقافية تعزز دور المواطن في مؤسسات السلطة.
إن التحول في طبيعة نظم الحكم، أياً كان توجهها السياسي، لن يكون يسيراً أو نهاية المطاف، لأن المواجهة إنما هي مع ثقافة الاستبداد المرتكزة على مفهوم الرعية وليس المواطنة. والمهمة ليست سهلة في مسار التحولات العربية الحالية، كما أن العامل الحاسم في كيفية فهمنا للثقافة الديمقراطية ومدى إيماننا بها، يمثل الركيزة الأسياسية في بناء الدولة الحديثة، وهو أمر غامض على ما يبدو، حيث تكمن الإشكالية في ثقافة راسخة انتقلت من جيل إلى آخر عبر وسائل التعليم والتربية الاجتماعية.
تعليقات