النيباري ينتقد التحيُّز الفئوي والطائفي في مجلس الأمة

زاوية الكتاب

كتب 1202 مشاهدات 0


 

القبس

يجب أن نساند الحق من أجل المصلحة العامة
التحيُّز الفئوي والطائفي في مجلس الأمة
كتب عبدالله محمد النيباري :

آفة السياسة هي التحيّز ضد ما يفترضه المبدأ ومناصرة الحق ومراعاة الأصول. وقد يكون التحيّز لهوى أو لمصلحة سياسية أو مادية أو لطبقة أو فئة اجتماعية أو طائفية أو سياسية أو أيديولوجية.
وأبرز التحيزات وأشنعها هو ما حدث بالأمس في اجتماع المؤتمر السياسي السنوي لمنظمة الإيباك (لجنة العلاقات العامة الإسرائيلية الأميركية) في نيويورك، حيث حشد اللوبي الصهيوني زعماء السياسة الأميركية، من أعضاء الكونغرس والمرشحين للرئاسة، وعلى رأسهم الرئيس الحالي «ما غيره» ذو الجذور الإسلامية باراك أوباما، الذي سبق أن وقف في جامعة القاهرة لينثر الوعود على العرب والمسلمين، بأنه سيتبع سياسة عادلة في علاقة السياسة الأميركية بهم وبقضاياهم، وعلى رأسها قضية فلسطين ومعاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي.

الولاء لإسرائيل ويهود أميركا
حضر الزعماء الأميركان ليؤدوا الولاء لإسرائيل وليهود أميركا، وحرصت المنظمة على حضور المرشحين لمنصب الرئاسة، لكي يؤدوا طقوس الولاء لإسرائيل والتعهّد لها بتوافر كل ما يلزم من أسلحة متطورة للحفاظ على تفوقها العسكري على العرب.. وهذا ما تم.
فقد تعهّد الرئيس أوباما بتوفير ما يلزم للمحافظة على أمن إسرائيل، وأنه سيلبي طلبها في استخدام جميع الوسائل، لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، وهو هاجس إسرئيل وذريعتها لتطويع الساسة الأميركان لدعم سياستها.
ولكي لا يزعج إسرائيل ومناصريها، لم يتطرق أوباما، ولا بكلمة، عن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ومعاناة الشعب الفلسطيني على مدى 45 عاماً، بل 64 عاماً، وتناسى وعوده التي أطلقها في جامعة القاهرة.
هكذا، كان تحيّز الرئيس أوباما ووزرائه وزعماء مجلس الشيوخ والكونغرس الأميركي، وفي أوقات الانتخابات تكون الفرص أوسع للحصول على المزيد من التأييد والضمانات لأمنها وتفوّقها العسكري على العرب.
والتحيز للمصلحة، أياً كانت طبيعتها، ليس مقصوراً على دول الغرب، فها نحن نشاهد التحيّز الروسي والصيني لمناصرة نظام الأسد في سوريا، رغم المجازر التي يرتكبها ضد ثورة الشعب السوري السلمية المطالب، بالإصلاح وتغيير نظام الاستبداد والفساد.
والساحة العربية تعجّ بأنواع التحيز في المواقف وعدم الاكتراث بمناصرة الحق والمبدأ ومصالح الشعوب.
على المستوى المحلي في السياسة الكويتية، كانت مواقف الشعب الكويتي تاريخياً دوما مع الحق، ومناصرة الشعوب في مطالبها، سواء كانت التحرر من استعمار خارجي، أو ظلم سلطات حاكمة.

وباء التحيّز
وأخيراً، انتقل إلينا وباء التحيز، كما شاهدناه ينعكس في مداولات مجلس الأمة الحالي، الذي استبشرنا بنجاح تكتل كتل سياسية كانت معارضة، وأصبحت تملك أغلبية في المجلس.
أول مظاهر التحيز بدا وكأنه أمر إجرائي بسيط، يتعلق بكلمة رئيس السن في جلسة الافتتاح السيد خالد السلطان، الذي تجاوز الأصول التي يُفترض أنها بروتوكولية، حسب الأصول، لكنه عرض فيها برنامج تجمّعه السلفي السياسي، بينما لا تجيز اللائحة الداخلية إبداء الرأي الشخصي من منصة الرئاسة، ومن يرغب في ذلك، فعليه أن ينزل إلى مقاعد النواب.
وكذلك، ما أثاره الأخ عبداللطيف الدعيج حول التغيير أو التلاعب في أداء القَسَم الذي حددته بالكلمات المادة 91 من الدستور، واعتراض الأخ أحمد السعدون على غير ذلك عام 2000، لكن المعارضة التي أصبحت أغلبية تغاضت عن تلك التجاوزات، ولم تر فيها ما يوجب التصحيح، لأنها صادرة من ربعنا على طريقة «أنا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد أرشد».

الوضع السوري
إذا كان البعض يقول ما عليه، تلك فقط أمور إجرائية، نأتي لتحيز أعظم، وهو ما دار في جلسة الخميس الماضي، الأول من مارس، عند مناقشة الوضع في سوريا، هنا بدا التحيز الطائفي من دون الاكتراث بالمبادئ وضرورة مناصرة حقوق الشعوب والوقوف ضد الظلم والقهر والاستبداد والفساد.
عدد من النواب لم ير في ما يفعله الأسد الشبل ما يوجب الإدانة، واصطفّوا مع نظام الأسد وحلفائه (إيران وروسيا والصين وحزب الله وفلول البعث)، مرددين ذرائع لا يقبلها المنطق ولا يسندها واقع شلالات الدماء المهدورة، من القول إن هنالك مخططاً أميركياً إسرائيلياً تتعرض له المنطقة، أو ترديد الحجج السمجة والسخيفة التي يدّعيها نظام بشار الأسد ويرددها أزلامه وأبواقه بأن نظامهم يواجه عصابات مسلحة من القاعدة وغيرها، وهي المسؤولة عن القتل، وأن قوى الأمن والجيش تدخلت اضطراراً لحفظ الأمن وحياة الناس.
هل يُعقل يا بو حسين ما حدث في حمص من قصف بالدبابات والصواريخ، والدخول على الناس في منازلهم والقبض عليهم ونحرهم نحراً كما الخراف؟ هل يُعقل كل ما تنقله الصحافة العالمية ومراسلوها الأبطال الذين قُتل منهم من قُتل وأُصيب من أُصيب من المراسلين الذين سعوا لنقل الوقائع وتحمّلوا كل ذلك؟
هل يُعقل ما يفعله بشار الأسد وأقرباؤه والطغمة الحاكمة على مدى سنة كاملة من القتل والتنكيل الذي زاد عدد القتلى على 7500 إنسان، حسب تقرير لجنة حقوق الإنسان؟
هل يعقل أنكم لم تروا من الأدلة على كل ذلك إلا تقرير رئيس لجنة المراقبة العربية، التي لم تبق إلا أياما معدودة وكانت تحركاتها محدودة؟
كل ذلك لم يقنعكم بقول كلمة حق، وإذ لم يكن ذلك ممكناً، فكان التزام السكوت أفضل.
إلا أنها بلوى التحيّز، ومرض الاصطفاف الفئوي الطائفي وليس غير، لا يؤسفنا أن يأتي ذلك من المتاجرين والمتلاعبين، ولكن يؤلمنا أن يأتي من أشخاص لهم مصداقية وينطلقون من حسن النوايا، كما نعتقد.
الظلم ظلم، ويجب أن يدان من أين جاء، والقياس لا يجوز أن يكون انتقائيا، بل يجب أن يكون وفق مسطرة واحدة.

أحداث البحرين
وللحق نقول إنه لو كان الموضوع أحداث البحرين وما يعانيه المطالبون بالإصلاح في مواجهة السلطة الحاكمة، لانقلبت الآية وتم تبادل الأدوار، ولرأينا أن المطالبين بالإصلاح للشعب السوري يقفون ضد مطالب الإصلاح في البحرين بإثارة ذرائع حول التدخّل العفوي الخارجي واليد الإيرانية والمؤامرة على البحرين لإلحاقها في دائرة النفوذ الإيراني فقط، لأن المطالبين بالإصلاح هم من الطائفة الشيعية، على الرغم من أن تلك المطالب تقف وراءها سبع جمعيات بحرينية، سنّة وشيعة.
وطبعاً لرأينا أن من كان يقف ضد الثورة الشعبية في سوريا يقف مناصراً للحراك الشعبي المطالب بالإصلاح في البحرين، ومدافعا عنه بالحماس نفسه، الذي عبّر عنه مناصرو ثورة الشعب السوري.
الحق حق، والمبدأ مبدأ، والقياس يجب أن يكون بمسطرة واحدة، عندما ننظر لقضايا الشعوب لا يجوز أن نفتش عن بعض المثالب في مواقف وتصرفات المطالبين بالحقوق، إذ لا توجد ثورة أو حركة تخلو من ذلك، بل يجب أن يكون الحكم على مسار الحركة وأهدافها في مواجهة ظلم خصومها. المبدأ الذي ينبغي التمسك به هو مناصرة حقوق الشعوب ضد الظلم والاستبداد والفساد، سواء كان ذلك في الشرق العربي أو المغرب العربي، وسواء كان في البلاد العربية الفقيرة أو غير الغنية أو في بلاد النفط.
المسطرة واحدة والمعيار واحد والمبدأ واحد، والحق أحق أن يتبع أينما كان، وغير ذلك تحيز انتقائي، أياً كانت أسبابه ودوافعه.

بقلم عبد الله النيباري

 

 

تعليقات

اكتب تعليقك