الديين يشيد بنضج المقترح الأخير بقانون لإنشاء الأحزاب السياسية

زاوية الكتاب

كتب 966 مشاهدات 0



عالم اليوم

الهيئات السياسية !
كتب أحمد الديين

مع أنّه سبق أن تمّ تقديم أكثر من اقتراح بقانون في شأن إنشاء الأحزاب السياسية إلى مجالس الأمة المتعاقبة منذ العام 2004، إلا أنّ الاقتراح الأخير بقانون بإنشاء الهيئات السياسية، الذي تقدّم به النواب فيصل اليحيى ومسلم البراك والدكتور فيصل المسلم وعبدالرحمن العنجري والدكتور جمعان الحربش، قد يكون أنضج هذه الاقتراحات من حيث الصياغة ومقاربة الواقع، بالإضافة إلى توافر ظروف مناسبة لإقرار هذا الاقتراح بقانون في مجلس الأمة، بعد أن تبنّاه جزء مهم من الغالبية النيابية.
وبداية، أود أن أشير إلى أنّ معدّ الاقتراح بقانون قد تفضّل واستشارني شخصيا في مراجعة المسودة، كما أقدّر له تقبّله بعض ما قدمته من ملاحظات وما اقترحته من حذف أو إضافة أو تعديل... وحسنا فعل مقدمو الاقتراح بقانون عندما تبنّوا في اقتراحهم تسمية “الهيئات السياسية” بدلا من الجمعيات السياسية، فالهيئات تعني الأحزاب، من دون أن تثير الحساسيات المعهودة تجاه مصطلح “الأحزاب”، وجاءت هذه التسمية متوافقة مع اللفظ الوارد في النصّ الأصلي للمادة 43 من الدستور، الذي تمّ حذفه بعد مساومات وضغوط من المغفور له الشيخ سعد العبدالله السالم ممثل الأسرة في لجنة الدستور بالمجلس التأسيسي في العام 1962، وهذا ما تناولته المذكرة التفسيرية للدستور بقولها “تقرر هذه المادة حرية تكوين الجمعيات والنقابات، دون النص على الهيئات التي تشمل في مدلولها العام بصفة خاصة الأحزاب السياسية، وذلك حتى لا يتضمّن النص الدستوري الإلزام بإباحة إنشاء هذه الأحزاب، كما أنّ عدم إيراد هذا الإلزام في صلب المادة ليس معناه تقرير حظر دستوري يقيّد المستقبل لأجل غير مسمى ويمنع المشرّع من السماح بتكوين أحزاب إذا رأى محلا لذلك”.
وبالتأكيد فقد أحسن مقدمو الاقتراح بقانون صنعا عندما استثنوا في البند الرابع من المادة الرابعة من اقتراحهم قيام الهيئات “على أساس طائفي أو فئوي أو جغرافي، أو على أساس التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو العرق أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو المذهب”، وهذا ما يتوافق مع ما يقرره الدستور في المادة 43 حول حرية تكوين “الهيئات” قبل حذفها من نص المادة، والجمعيات والنقابات على أسس وطنية، بمعنى ألا تتكون الهيئات والجمعيات والنقابات على أسس طائفية أو فئوية أو دينية أو ما شابه ذلك من فروق، أما الأساس الطبقي الاجتماعي لتكوين الهيئات السياسية، فهو أساس معترف به في مختلف بلدان العالم، إذ إنّ الانقسام الطبقي في المجتمعات الإنسانية انقسام مشروع، بل إنّ الأحزاب والهيئات السياسية بالأساس إنما تعبّر عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المختلفة لطبقات المجتمع المختلفة، ولهذا نجد في بريطانيا على سبيل المثال حزبا للعمال، وهناك في بلدان أوروبية أخرى أحزاب عمالية غير حزب العمال البريطاني وأحزاب أخرى فلاحية، فيما تحاول الأحزاب البرجوازية طمس مضمونها الطبقي الاستغلالي والادعاء الكاذب بأنّها أحزاب غير طبقية تمثّل مصالح الشعب بأسره!
وكذلك فقد جاء تحديد النصاب العددي المطلوب لتأسيس أي هيئة سياسية بخمسين شخصامحققا هدف الجدّيّة ومتناسبا مع أوضاع مجتمع كالمجتمع الكويتي لا يزال حديث عهد بتجربة تنظيم الحياة الحزبية وإشهارها، حيث ابتعد الاقتراح بقانون عن المغالاة غير المبررة في رفع عدد المؤسسين، مثلما كانت بعض الاقتراحات المماثلة السابقة.
وقد تكون هنا وهناك ملاحظات حول الاقتراح بقانون في شأن إنشاء الهيئات السياسية، إلا أنّ هذه الملاحظات يجب ألا تنسينا أنّ إقرار مثل الاقتراح سيمثّل خطوة تاريخية مستحقة على صعيد التطور الديمقراطي وتنظيم الحياة السياسية وإصلاحها بعد انقضاء نصف قرن على بداية العهد الدستوري... وفي ظني فإنّ إقرار هذا الاقتراح بقانون لن يكون بالأمر الهيّن، وهذا ما يتطلّب تعبئة الرأي الشعبي لدعمه والتصدي لمحاولات عرقلته.

تعليقات

اكتب تعليقك