القانون وحده يُحمى سياج المجتمع من الاختراق او التمزق، براى حسن على كرم

زاوية الكتاب

كتب 596 مشاهدات 0



الوطن

قانون تجريم الكراهية

حسن علي كرم

 

هل قانون «الوحدة الوطنية» وقانون «تجريم التحريض على الكراهية» او غيرهما من القوانين المانعة للفتنة وشق صفوف المجتمع كافية حتى نطمئن ان مجتمعنا قد تحسن من الانشقاقات والفتن الطائفية وتحقير الآخر؟!
لا أعتقد ان بالقانون وحده يُحمى سياج المجتمع من الاختراق او التمزق. فالاختراق والتشكيك بالآخر بات ثقافة وعادة وعرفا مجتمعيا للأسف، فنحن كمجتمع منافقون في الكثير من سلوكياتنا مع الآخر. هذا الآخر الذي اعنيه ليس غريبا وافدا مثلا او غريبا صادفته في الخارج. وانما هذا الآخر هو مواطن مثلي يتساوى في الحقوق والواجبات القدر نفسه الذي اتساوى فيه، اي نحن مواطنون منصهرون في بوتقة المجتمع الوطني الواحد وان اختلفت شرائحنا او مناطقنا او عقائدنا، ولكن عندما نتلاقى نتحاشى الحديث الصادر من القلب خوفا من المظنة او التأويل السيئ..!!
هذه الثقافة آخذة في الترسخ والانتشار على نحو افقي ورأسي، فانت عندما تفاجئ بابنتك او ابنك الذي في المرحلة الابتدائية او الروضة يسألك ان كنت سنيا او شيعيا او من اي قبيلة او من اي بطن او فخذ من القبيلة، اذن فنحن كمجتمع امام كارثة اجتماعية وقنبلة انشطارية تمزق المجتمع الى جزئيات واجزاء يصعب جمعها وتجبيرها واعادتها الى طبيعتها الاولى فمن اوصى او لقن هذا الطفل الصغير البريء والذي لم يتجاوز بعد المرحلة التعليمية التمهيدية او الروضة اختلاف العقائد واختلاف المذاهب والاختلاف القبائلي والافخاذ والبطون؟!
لاريب اننا مجتمع مريض، بل مجتمع يرقد في الانعاش ولم يبق الا الاعلان قريبا وفاة هذا المجتمع اذا لم نسعفه وسريعا بوسائل الانقاذ الضرورية وبطرد الدماء الفاسدة والمتخثرة بدماء نقية وطازجة خالية من كل الملوثات والميكروبات الطائفية والقبلية والمذهبية والمناطقية والطبقية والعنصرية.
طبعا هذا لن يحصل لا بجرة قلم ولا بقرار فوقي او قانون هياموني، وانما يحدث بجهد مجتمعي وبإيمان ان الوطن للجميع، وان المواطنين سواسية امام القانون وان حرية العقيدة والاعتقاد حق مكفول للجميع وهذه ليست بدعة او ابتكارا جديدا وانما نصوص موجودة ومثبتة وواردة في الدستور الكويتي، وما على دوائر المجتمع التعليمية والتوعوية والتثقيفية والسياسية والا تفعيل هذه النصوص بما يكفل للوطن امنه وللمجتمع عافيته.
ان اختلافات العقيدة واختلافات الرأي والرؤى ليست معضلة قاتلة، فكل مجتمعات الدنيا البشرية وجدت على الخلاف والاختلاف، ولكن وفقا لحسابات ومعايير لا تنحرف خارجا عن السلوك الاجتماعي والمدني، ولا تنحرف عن التقاليد والاعراف التي ورثوها منه!!
ان علة مجتمعنا ان امراض الكراهية ليست من طبائع هذا المجتمع لكنها دخيلة تسللت الى مفاصل المجتمع من خلال طرق ووسائل وسلوكيات بعضها ظاهر وبعضها مدسوس، بعضها فرضه تقاطع المصالح وبعضها فرضته الحروب والثورات والتغيرات التي طرأت على المنطقة خلال العقود الأخيرة، وكان للاعلام المرتزق والاعلام الموجه والاعلام الحزبي والاعلام المشتراة بالبترو دولار، وايضا التعليم الهزيل والمناهج المنحازة وغيرها وغيرها كل ذلك خلق عندنا جيل الكراهية وجيل العنف والتشرذم والغاء الآخر..!!
ايجاد قانون «تجريم الكراهية» وقانون «الوحدة الوطنية» مطلب جيد وقد تأخر صدورهما ولكن وجودهما من غير تغيير للمناهج الدراسية وايجاد الاعلام الواعي وتفعيل المجتمع المدني وقبول الرأي والرأي الآخر لا يمكن ان يحقق هذا القانون اذا صدر هدفه في غياب الوسائل الاخرى.. فالكراهية يا سادة يا محترمون صارت ثقافة يومية نلمسها في عيون الآخرين، في السوق، في المدرسة في الفريج في الشارع في الوزارات والدوائر الحكومية في المخافر في المؤسسات السياسية، في تصريحات وتعليقات النخب السياسية.. وفي.. وفي.. الخ..!!
«لا يغير الله ما يقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، فالتغيير المطلوب تغيير ثقافي وتغيير توعوي والتمسك بالمجتمع المدني، و«ان ما لله لله وما لقيصر لقيصر»، فالقانون لا يفتش في قلوب الناس والقانون لا يفرض الحب.

حسن علي كرم

تعليقات

اكتب تعليقك