أمر الوحدة الوطنية بيد الشعب لا بيد الحكومة أو الساسة أو النواب، برأى ذعار الرشيدي
زاوية الكتابكتب فبراير 26, 2012, 12:18 ص 413 مشاهدات 0
الأنباء
شهداء القرين.. وحافة الفتنة
مع كامل احترامي وثقتي بكل من ينادي بالوحدة الوطنية عبر المناداة بإقامة مهرجان وطني لهذه الغاية، أو سن قانون يجرم المساس بالوحدة الوطنية، أو حتى يدعو إلى التقارب الإنساني بين فئات المجتمع عبر تفعيل دور اﻹعلام الرسمي في هذا الجانب، قبل هذا كله لابد أن نقتنع أولا أن الاختلاف شكل انساني قائم منذ بدء الخليقة، وعليه قامت الأمم وليس العكس، لا توجد امة على وجه الأرض ومنذ فجر التاريخ كان أفرادها شكلا واحدا ولونا واحدا وعقلا واحدا يدينون بدين واحد، فاﻷمم تكونت من عجينة الاختلاف ومن مكونات بشرية مختلفة متعددة، وجميع محاولات صهر مجتمع واحد في بوتقة التشابه قسرا فشلت وأبرز تلك المحاولات الفاشلة محاولات الثورة الفاشية التي انتهت بتفكك الدولة السوفييتية وعودة الأصل إلى جذور الاختلاف، لا يمكن عمليا أن تجعل الناس شكلا واحدا وعلى ملة واحدة فالاختلاف سنة بشرية خالصة.
ورمي هذه الحقيقة وراء ظهورنا ومحاولة تناسيها أو إغفالها أو إهمالها عند سن قانون يدعو للوحدة الوطنية أو يجرم المساس بها سيتسبب بكارثة، أولا لابد لقانون كهذا أن يأخذ شكلا من أشكال تقييد حرية الرأي وهو ما سيتنافى بطبيعة الحال مع مواد الدستور، كما انه من شأن قانون كهذا أيضا تقييد أو تحييد مبدأ التعددية التي يكفلها الدستور أيضا، والأهم أنه سيتم تشكيله برؤية أغلبية ينتمون إلى طائفة واحدة حسب ظني، وهو ما يعني ظلم بقية الطوائف الأخرى من مكونات المجتمع.
أمر الوحدة الوطنية بيد الشعب لا بيد الحكومة أو الساسة أو النواب، فإما يستطيع الشعب أن يحتوي خلافاته واختلافاته أو لا يستطيع، إذا كان مجتمعا واعيا مؤمنا بالتعددية، فسيتمكن آليا من استيعاب خلافات واختلافات أفراده وفق مبدأ التعايش الإنساني الطبيعي، أما إذا كان المجتمع هشا بعقلية متخلفة فإن أي صيحة خلاف ستتحول إلى رياح عاتية تعصف به، وتوقفه على حافة الفتنة.
الفرق هنا بل المحك هو إما أن نكون مجتمعا متحضرا أو لا نكون، إما أن نكون مجتمعا مؤمنا بوجود الاختلاف كأمر طبيعي ولا نرفض الآخرين لمجرد اختلافهم عنا في الملة أو العرق أو الفئة، أو أن نكون كافرين بالتعددية ومتخلفين حتى النخاع نهاجم الآخر بل ونقصيه وربما نلغيه تماما.
الأمر لا يعود إلى الساسة بل إلى أفراد المجتمع، السلطة طبعا تتحمل جزءا من توجيه أفراد مجتمعها طوال السنوات الماضية، ولهذا مبحث آخر.
توضيح الواضح: ملحمة شهداء القرين هي أعظم درس في الموت دون تراب الوطن، بعيدا عن تنظيرات التقارب التي يطلقها علينا بعض منظري الوحدة الوطنية، شهداء القرين قدموا أرواحهم ورووا الأرض بدمائهم، لم يسأل أحدا منهم عن فصيلة دم الآخر الطائفية أو القبلية أو الفئوية قبل أن تسيل دماؤهم الطاهرة لتروي ذاكرتنا بأعظم درس إنساني على الإطلاق.
تعليقات