اليونانيون الغاضبون يعرفون أن مصيرهم في أيدي الأجانب .. بقلم توني باربر

الاقتصاد الآن

2080 مشاهدات 0


 المشاغبون يحرقون العلم الألماني في احتجاجات الشوارع. ويغير أحدهم لافتة بنك اليونان المركزي، لتصبح ''بنك برلين''.

والأمر الأكثر بعثاً على الصدمة هو نشر صحيفة يونانية يمينية صورة للمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، وهي ترتدي لباساً رسمياً نازياً، وكتبت تحتها عنوانا يقول: ''مذكرة تجعلك حراً''، إشارة إلى مذكرة طالب فيها دائنو اليونان الأجانب بمزيد من التقشف.

والمشاعر المعادية للألمان ليست أمراً غير عادي في اليونان في هذه الأوقات القلقة. فالبلد العالق بين تجنب دمار اقتصادي والخروج من منطقة اليورو، يواجه انهياراً محتملاً لصورته الذاتية باعتباره بلدا ذا مكان آمن في عائلة البلدان الأوروبية.

إن لوم ألمانيا يتسبب في تحريك مشاعر عميقة من المعاناة التي تحملها اليونانيون خلال الاحتلال النازي لبلادهم في الفترة 1941 – 1944.

ولا يتحرك العداء تجاه ألمانيا في كل مستويات المجتمع اليوناني. غير أن قرعاً ثابتاً لطبول الامتعاض من السياسات الألمانية الخاصة بأزمة الديون في منطقة اليورو، ومن وجهات النظر الألمانية المعروفة عن اليونان، يزداد ارتفاعاً أسبوعاً تلو آخر، مثلما يظهر من خلال المقابلات التلفزيونية والصحافة. وبينما تتكثف حالة الطوارئ الاقتصادية، فإن صداها يتردد في نقاشات عاصفة بين الطبقات السياسية اليونانية.

ولدى كل من الجناح اليساري في حزب باسوك الاشتراكي والجناح اليميني في حزب الديمقراطية الجديدة المحافظ، عنصر ''وطني'' مصمم ذاتياً، تعتبر فيه السيادة الوطنية شارة الفخر. وتجد الشعبوية المعادية لألمانيا صورة مقابلة لها في الانطباع السائد بين الجمهور الألماني بأن اليونانيين كسالى، ولا يُعتمد عليهم، ومسؤولون عن ويلاتهم.

في كل هذه الجوانب نجد أن التكاليف الاقتصادية والتوترات السياسية لأزمة الديون توجد حالة مؤكدة من ''إعادة التعصب الوطني'' وسط الرأي العام عبر أوروبا. وهناك عدم ارتياح لا تخطئه عين، يرافق الإقرار بأن الهيمنة الاقتصادية الألمانية تخول ألمانيا ممارسة الدور الرئيسي في التعامل مع الحالة الطارئة.

وهذا واضح، مثلا، في حملة انتخابات الرئاسة الفرنسية. فقد قدمت ميركل دعمها للرئيس نيكولا ساركوزي، ممثلاً ليمين الوسط، بعد أن فقدت فرنسا تصنيفها الائتماني المرتفع الذي لا تزال ألمانيا تتمتع به. ويتطلع اليسار الفرنسي، حال فوزه في الانتخابات، إلى تعظيم استقلاليته في صنع السياسة الاقتصادية. ويعمل ذلك على تحييد الفكرة الخاصة بالتساوي الفرنسي الألماني، الذي هو مكون رئيسي في التكامل الأوروبي لما بعد عام 1945، وإن كان ذلك مجرد ضرب من الخيال، على الأقل في جانبه الاقتصادي.

أما علاقة اليونان مع ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، فهي مختلفة إلى حد ما. فقد اعتمد التعافي الاقتصادي والسلام الاجتماعي في اليونان، بعد الحرب الأهلية في الفترة 1946 – 1949، بدرجة ليست يسيرة على العلاقات الجيدة مع ألمانيا الغربية السابقة، واقتصادها المزدهر. فقد وجد مئات الآلاف من المهاجرين اليونانيين عملاً في المدن الألمانية، بينما توجه السياح الألمان بأعداد كبيرة إلى الشواطئ اليونانية. وتم بلوغ نقطة الذروة عام 2004، حين قاد المدرب الألماني، أوتو هاغل، اليونان إلى الفوز ببطولة أوروبا لكرة القدم. ومجدته وسائل الإعلام اليونانية بوصفه بـ ''الملك أوتو''، إشارة إلى الأمير البافاري الذي نصّبته القوى الأوروبية أول ملك لليونان بعد الاستقلال عام 1832.

لكن لم تكن كل الأمور تسير على نحو سلس، إذ ألقت السلطات اليونانية عام 1957 القبض على ماكسميليان ميرتن، الحاكم العسكري السابق لمدينة سالونيك، أيام الحرب. وتمت محاكمته بتهم ارتكاب جرائم حرب وحكم عليه بالسجن 25 عاماً، ثم جرى إطلاق سراحه دون ضجة. ولم يظهر إلا حين فُتحت الملفات عام 1999 وتبين أن الحكومة اليونانية أطلقت سراحه مقابل اتفاقية للتعاون الاقتصادي مع ألمانيا الغربية.

وكما يشير هذا الفصل من العلاقات، فإن بلداً صغيراً كاليونان عليه في الغالب أن يقبل بمقايضات في العلاقات مع بلدٍ أكبر كألمانيا. والاحتجاجات اليونانية ضد ألمانيا في الوقت الراهن صرخة غضب من بلد يعرف أنه اقترف كثيراً من الأخطاء بحيث أصبح مصيره، إلى حدٍ كبير، في أيدي الأجانب.

 

 

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك