أسعار النفط ترتفع متجاهلة الحديث عن ضعف الطلب .. بقلم جاي تشازان

الاقتصاد الآن

620 مشاهدات 0


 حتى قبل أن تهدد إيران بإيقاف إمداد أربعة بلدان أوروبية بالنفط الخام، كانت النظرة المستقبلية لإمدادات النفط العالمية تبدو كئيبة بشكل مؤكد. ذلك أن المخاطر التي تتهدد الإنتاج، والتي كانت في وقت من الأوقات مقصورة على منطقة الشرق الأوسط، بدأت تمتد الآن إلى إفريقيا، في حين تسجل المخزونات مستويات منخفضة وتثور شكوك حول إمكانية تعويض أي نقص.

وبحسب تقرير لدويتشه بانك: ''لم يكن هناك مثل هذا التهديد الخطير لإمدادات النفط منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي إلى أوائل ثمانينياته''.

لكن هذه المخاوف تقابلها شكوك لها القدر نفسه من الثقل حول الطلب، إذ خفضت كل من منظمة أوبك ووكالة الطاقة الدولية توقعاتهما لنمو الطلب على النفط في 2012، استنادا إلى مخاوف بشأن الاقتصاد العالمي الضعيف وتحديداً بسبب أزمة الديون في منطقة اليورو.

غير أن أسعار النفط تحكي قصة مختلفة. فقد ظلت عالية بصورة عنيدة، رغم تجدد خطر حدوث ركود في أوروبا، موحية بأن هناك شحا في السوق يتناقض مع النظرة غير الوردية التي تصر عليها وكالة الطاقة الدولية. وقفز سعر خام برنت سبعة دولارات للبرميل هذا الشهر، إلى أكثر من 118 دولاراً للبرميل، وارتفع خلال الأسبوع الماضي إلى أعلى من ذك حتى، عندما سجل 119.99 دولار للبرميل. وكان ذلك أكبر ارتفاع في يوم تداول واحد منذ الصيف الماضي، رغم أنه عاد لينخفض في وقت لاحق إلى ما دون 119 دولاراً للبرميل.

وبحسب سيث كلاينمان، محلل السلع في بنك سيتي: ''لا توجد أية إشارة في السوق الفعلية على أننا نغص بتخمة من النفط الخام''. وأضاف: ''هناك بعض الكميات الزائدة عن الحاجة عبر النظام بأكمله: المخزونات منخفضة حقاً، وهناك طاقة احتياطية منخفضة ومخاطر على الإمدادات. مثلا، جنوب السودان''.

وتنعكس حالة السوق الفعلية في شكل المنحنى النفطي – فرق السعر بين عقود التسليم الفوري وعقود التسليم ذات المواعيد الأطول. ويظهر المنحنى حالياً ميلاً نزولياً يعرف في الصناعة بـ ''الاتجاه العكسي'' حيث يتم تداول عقود التسليم الفوري بسعر أعلى كثيراً من العقود الآجلة.

ويقول مايك ويتنر، محلل النفط في بنك سوسيته جنرال: ''إن ما يدفع شكل المنحنى هو أساسيات الأجل القريب. إنه يقول لك إن هناك ندرة في السوق''.

وهذه الندرة على الأغلب نتيجة مشاكل في جانب الإمدادات. فقد قام جنوب السودان، المتورط في خلاف مع السودان حول إيرادات الترانزيت، بوقف الإنتاج، حارماً السوق من نحو 300 ألف برميل في اليوم. كذلك تشكل الإضرابات التي يشهدها اليمن مبعث قلق، لأنها أوقف الإنتاج في أكبر حقل للنفط في البلد، هو حقل مسيلة. أيضا توقفت الصادرات السورية جراء العقوبات الدولية وما زالت الصادرات الليبية بعيدة عن مستوياتها قبل الحرب، رغم أنها تتعافى بصورة أسرع كثيراً مما توقعه أي شخص.

ويقدر بنك باركليز كابيتال أن المشاكل في السودان واليمن وسوريا يمكن أن تخفض مجتمعة الإنتاج بأكثر من مليون برميل في اليوم – أكثر من 1 في المائة من الإمدادات العالمية.

ويتضاعف ذلك الآن بالحظر الأوروبي الوشيك على استيراد النفط الإيراني، الأمر الذي يحرم الاتحاد الأوروبي من كمية تصل إلى 600 ألف برميل من النفط الخام في اليوم. وستجد إيران جهات بديلة لشراء بعض تلك الكمية، لكن ليس كلها. ويتوقع معظم المحللين أن يتعين على إيران سحب كمية كبيرة من نفطها من السوق ووضعه في مستودع عائم في الخليج، الأمر الذي يشكل مزيداً من الضغط على الإمدادات العالمية.

وتستطيع أوبك، وبخاصة المملكة العربية السعودية التدخل لتعويض النقص. فلدى المملكة طاقة إنتاج احتياطية كبيرة – حاجز أمان الطوارئ من الإنتاج الفائض الذي تحتفظ به في احتياطياتها لأغراض منها التغلب على انقطاع الإمدادات العالمية كما حدث في ليبيا في العام الماضي.

ولكن مع ضخ المملكة العربية السعودية بأعلى مستوى في 30 عاماً، فإن طاقة أوبك الاحتياطية ''تقترب من مستويات متدنية خطيرة''، كما يقول بنك جولدمان ساكس. وهذا يحدث ''تماما في الوقت الذي بدأ فيه النمو الاقتصادي العالمي يتعزز''. ''وهذا يترك سوق النفط العالمية عرضة بصورة متزايدة لارتفاع حاد في الأسعار في عام 2012''، كما يقول البنك في مذكرة بحثية.

وتأتي حالات توقف الإمدادات وطاقة الإنتاج الاحتياطية المنخفضة في وقت تراجعت فيه المخزونات إلى مستويات قياسية. وكان معظم المحللين يتوقعون أن تعمل قوة الإنتاج السعودي وتعافي الإنتاج الليبي على زيادة مخزونات النفط العالمية، لكن حدث العكس. ففي نهاية كانون الثاني (يناير) كانت المخزونات الإجمالية من النفط الخام والمنتجات المكررة في نادي البلدان الغنية الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عند أدنى مستوياتها منذ عام 2008. وقالت وكالة الطاقة الدولية إن مخزونات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وصلت في كانون الأول (ديسمبر) إلى ما دون المتوسط التاريخي للشهر السادس على التوالي.

واستمرت تلك التوجهات في هذا العام. وقالت وكالة الطاقة الدولية إن الأرقام الأولية لشهر كانون الثاني (يناير) أظهرت زيادة قدرها 11.4 مليون برميل في المخزونات، لكنها أقل كثيراً من متوسط الزيادة في خمسة أعوام، البالغ 43.2 مليون برميل. وكانت الأرقام لافتة للنظر بشكل خاص، إذا أخذنا في الحسبان طقس الشتاء الأكثر دفئاً من المعتاد في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، كما قال جولدمان ساكس.

ومما يدعم الأسعار أيضاً الطلب القوي في الصين وفي بلدان الاتحاد السوفياتي السابق. وكانت روسيا تحطم الأرقام القياسية، دافعة إنتاجها من النفط إلى أعلى مستوياته بعد الحقبة السوفياتية – في كانون الثاني (يناير) ازداد الانتاج إلى 10.7 مليون برميل في اليوم، وهو أعلى بنسبة 1.5 في المائة عن العام السابق. لكن رغم ذلك انخفضت الصادرات من الاتحاد السوفياتي السابق – إلى حد كبير نظراً لزيادة استهلاك النفط في البلد.

في ضوء كل هذه الضغوط، ومع تعالي أصوات الطبول الجيوسياسية وصدور بيانات اقتصادية أكثر إيجابية، من المتوقع أن تتعزز أساسيات السوق، كما يقول المحللون. ووفقا لبنك باركليز كابيتال: ''المسار الأقل مقاومة للأسعار ما زال يتجه إلى الارتفاع''.

 

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك