القبس تعتبر تصريحات السلطان بشأن «الفوائد الربوية» استفزازا سيضرب النظام المالي
زاوية الكتابكتب فبراير 16, 2012, 11:58 م 884 مشاهدات 0
القبس
لمصلحة منْ ضربُ النظام المالي؟
يبدو ان النائب المحترم خالد السلطان مستعجل جداً في فتح معركة «أسلمة الدستور»، على النحو الذي يراه هو وزملاء له من تيارات إسلامية عدة في البرلمان. فلم ينتظر السلطان الانتهاء من إجراءات افتتاح الفصل التشريعي الرابع عشر لمجلس الأمة، بل عمد خلال الجلسة (أمس الأول) إلى اطلاق مواقف واضحة وصريحة أبدى فيها النية للانقضاض على ما اسماه «الفوائد الربوية»، معتبراً إياها «أخطر المعاصي»، كما دعا إلى إلغائها وتسريع منع تلك الفوائد، وتحويل التمويل في المصارف والشركات ليكون وفقاً للمعاملات الشرعية الإسلامية.
هذه التصريحات استنفرت محللين في مجالات مصرفية ومالية واقتصادية وتجارية، واستدعتهم للتوقف عندها، لاعتقادهم بأن مثل هذه الآراء تعكس نهج أكثرية المجلس الجديد، لا رأي نائب بعينه، وبأنها إذا تُرجمت واقعاً، ستجعل الاقتصاد الوطني، أيضاً، إحدى ضحايا نتائج الانتخابات، ومن هنا كانت لهم ملاحظات عدة عليها:
1 – ان استعجال السلطان، ومن يؤيده في المجلس، يعتبر محاولة لضرب أحد أهم أركان النظام المصرفي والمالي الذي قامت عليه الكويت منذ اكثر من ستين سنة، وحققت من خلاله نجاحات لا يستهان بها.
2 – ان السلطان يستخدم ما قد يصطلح على تسميته «دكتاتورية الأغلبية»، فهو يضرب عرض الحائط بخيار ارتضته شريحة واسعة من الكويتيين، إذ إن نحو نصف المعاملات المالية الآن تجري وفق النظام التجاري التقليدي الذي يسود العالم، مقابل النصف الآخر وفق المعاملات الإسلامية. لذا، فإن فرض رؤى السلطان، وزملاء له، على الآخرين يعتبر تعدياً على حق الاختيار، ففي الكويت بنوك وشركات إسلامية يختارها كويتيون ومقيمون في تعاملاتهم، وهم في ذلك احرار، مقابل حرية يفترض ألاّ تنتقص في اختيار غيرهم النظام المالي التقليدي.
3 - يجدر بالنائب السلطان ألاَّ يغفل ان كل الدول الاسلامية المتقدمة تسمح بالخيارين معاً، وابرزها المملكة العربية السعودية وتركيا وماليزيا وايران واندونيسيا ومصر ودول الخليج، ناهيك عن عشرات البلدان الاسلامية الاخرى.
4 - ان الجدل الذي يثيره السلطان حالياً سبق ان حسمته فتاوى عدة. وتتعين الاشارة في هذا الصدد إلى فتاوى ازهرية، إلاّ إذا كان السلطان لا يعترف بالأزهر الشريف، ونحن نربأ به عن ذلك.
5 - قد لا يدرك السلطان ان الامر ليس بالبساطة التي يعتقدها، وليس بجرة قلم تجري أمور بهذه الأهمية، كما يحلو للبعض ويتمنى، فعدد من المنتجات المالية الاسلامية ما زال في طور التجربة، رغم مرور عقود على قيام أول تجربة مالية إسلامية رائدة، ومن الكويت تحديداً.
وعلى سبيل المثال، لا الحصر، تعترف المصارف الاسلامية نفسها بأن تحديات هائلة تواجهها في كيفية ادارة السيولة، وكيفية ادارة المخاطر، وهي تكابد يومياً على هذه الصعد، وغيرها من التحديات المماثلة.
لذا، فإن التسرُّع الذي يقوده السلطان قد يفضي إلى نتائج عكسية، او إلى مطبات لا تحمد عقباها.
مثال آخر، حتى اليوم لم تستطع الكويت تنظيم كيفية اصدار الصكوك، مما يضطر شركات ومؤسسات كويتية إلى اللجوء للخارج في هكذا نوع من الإصدارات. ومفاد القول، ترك الأمر للتنافس المشروع وعدم فرض أي اتجاه بالقوة.
6 - تفخر الكويت أن فيها مصارف إسلامية ناجحة تعتبر بين الأفضل على مستوى المنطقة والعالم. كما تفخر بمؤسسات إسلامية محلية باتت تتمتع بشهرة عالمية. لكن النائب السلطان يغفل الرغبة السامية بتحويل الكويت إلى مركز مالي. فهذا المشروع، الذي أطلقه سمو الأمير، يطمح إلى مزيد من الانفتاح على العالم، لا سيما في الخدمات المالية والمصرفية. وبما أن الكويت ليست جزيرة نائية، فعليها، تماشياً مع تنفيذ هذا المشروع، أن تستقطب مختلف أنواع الخدمات في بيئة تنافسية، يتاح فيها تكافؤ الفرص أمام الجميع، من دون احتكار لطرف، وبلا سيطرة لجهة على أخرى.
7 – ان النهج الذي يسعى إلى تحقيقه السلطان سيضرب أيضاً كل تعاملات الكويت المالية مع العالم، لا سيما تعاملات الهيئة العامة للاستثمار والتأمينات الاجتماعية والصادرات النفطية، فهل كان يرمي بطرحه هذا إلى قلب المعادلة التي قامت عليها الكويت مالياً منذ عقود وعقود؟ وما هي بدائله غير نشر الفوضى في هذا المجال؟
8 - ليس من باب الحكم على النوايا إذا قلنا إن دعوات «أسلمة القوانين» المالية والاقتصادية ترمي إلى ضرب جهات سياسية يتعارض معها السلطان في الرؤية.. وهنا قد تصاب الديموقراطية الكويتية بمقتل.. ولا نعتقد أنه يريد ذلك، إلا إذا كان يريد خوض مغامرة يصل مداها إلى مؤسسات أخرى في محاولة استحواذية غير حميدة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.. آملين ألا يكون هذا الطرح نتيجة لتوجهات وأفكار مكبوتة صعد بها من الأعماق إلى السطح.
القبس
تعليقات