لماذا لا يزال الاقتصاد العالمي متعثرا؟ بقلم صمويل بريتان
الاقتصاد الآنفبراير 13, 2012, 2:59 م 689 مشاهدات 0
ثمة أمر غير سليم بشأن الاقتصاد العالمي، أو على الأقل في البلدان المتقدمة الأقدم. ويبدو أن الولايات المتحدة تبلي بلاءً حسناً بشكل معتدل في الوقت الحالي، لكن حتى الآن ما زال الإنتاج في كافة الأحوال أدنى بكثير من اتجاهه قبل الأزمة. وتقبع الاقتصادات الأوروبية خلفها على مسافة بعيدة، الأمر الذي يكشف شيئاً ما عن حزم حوافز الإدارة الأمريكية، مقارنة بالسياسات المالية على منهج سادو التي تقودها ألمانيا.
حدد اللورد كينز رؤية لتاريخ العالم كان فيها ميل لأن يكون الشروع في الادخار متقدما على الاستثمارات المتصورة. وأقدَمَ حتى على صياغة ''قانون نفسي'' فحواه أن ''التغيرات في معدلات الاستهلاك (على الرغم من أنها بكميات أقل) تسير بشكل عام في اتجاه التغيرات في معدل الدخل''. وكانت النتيجة فجوة محتملة في اقتصاد العالم بمعدلات بطالة عالية غير ضرورية. وأسهمت وسائل منفعية مختلفة في سد الفجوة. وإلى بضعة عقود زمنية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بدا أن الاستهلاك يرتفع بالتوازي مع الدخل، أي على النقيض مما قاله كينز. لكن خلال السنوات القليلة الماضية تغير كل ذلك، ويبدو أن القانون النفسي المناقض لكينز برز مجدداً وفتح فجوة بين الإنتاج المحتمل والإنتاج الفعلي. فما الذي حدث؟ الجواب البديهي هو أن ظهور الصين مجدداً، حيث يقال إن نسبة كبيرة مذهلة من الدخل القومي المتنامي سريعاً يتم ادخارها – أكثر مما يمكن استثماره محلياً. وبطبيعة الحال، فإن ''الصين'' كلمة تختصر مجموعة من البلدان عالية الادخار.
والسؤال المهم المطروح هو كيف يتعامل العالم مع مدخراته المفرطة المحتملة. الجواب الأول المناسب، هو أنه يتعامل معها بواسطة ما يظهر فرصا استثمارية كافية لاستيعابها. لكن مثل هذه الفرص لا تبرز إلى حيز الوجود سريعاً. أما المنهج الثاني فهو ذلك الذي يؤخذ كأمر مسلم به من جانب الاقتصاديين الكلاسيكيين قبل كينز. وهو جعل أسعار الفائدة المنخفضة للغاية تتحمل الضغوط بتحفيز الاستثمار وتثبيط الادخار. وكانت هناك في وقت ما حجة رائعة بين الاقتصاديين النظريين حول ما إذا كانت هذه ستكون كافية. وما لم يتوقعه أي من الجانبين هو أن تكون هناك ثورة من قبل الشعب ضد أسعار الفائدة بالغة الانخفاض – وليس المصرفيين فحسب – بحثاً عن العوائد، ثورة عملت على إدامة الإقراض المريب من كافة الأنواع، الأمر الذي أدى إلى الانفجار الحتمي.
ويتمحور المنهج الثالث في تكملة أسعار الفائدة المنخفضة بمزيد من إجراءات البنك المركزي المباشرة. ولهذه الإجراءات أسماء غريبة وعجيبة، مثل التسهيل الكمي. إن المسؤولين الألمان محقون في الإشارة إلى أن هذه الإجراءات ترتقي إلى كونها تمويلاًً نقدياً من جانب الحكومات. لكنها أفضل من لا شيء على الإطلاق. يتمثل المنهج الرابع في إدراك أنه إذا كان القطاع الخاص ينفق القليل للغاية، فإن ذلك بمثابة فرصة للحافز المالي: المزيد من الإنفاق العام، أو تخفيضات ضريبية مؤقتة، ناهيك عن القول إن تلك أسلحة خطيرة يمكن أن تنفجر في الأجل الطويل – الأجل الطويل الذي نكون ''جميعنا خلاله أمواتاً''.
الحل الخامس الليبرالي – التدخلي، هو اتخاذ إجراء دولي ضد البلدان التي تدخر الكثير للغاية. ويحاول بعض المعلقين توليد ''شرط العملة النادرة'' مجدداً، الذي يتضمنه اتفاق بريتون وودز لعام 1944، الذي لم يستخدم على الإطلاق. ونأمل جميعنا أن يصر المواطنون الصينيون في نهاية المطاف على التمتع بنسبة أعلى من ازدهار بلادهم المؤسس حديثاً. لكن فكرة العقوبات الدولية لجعلهم يفعلون ذلك لا يمكن الأخذ بها. المنهج السادس والمشاكس هو حمائية الباب الخلفي. ويعتبر انفجار باراك أوباما ضد ''إسناد المهام إلى مصادر خارجية''، وغضب ديفيد كاميرون بشأن مبيعات الطائرات العسكرية إلى الهند، من هذه الطبيعة. وهل يتعين أن أضيف أن هذه الوسائل المنفعية على المستوى العالمي تعرف بحق بعبارة ''إفقار الجار''؟
يعتمد الرد السابع، وهو ذو صلة وثيقة بما هو معروف بعبارة ''كتلة المظاهر الخادعة للعمالة''. فربما تحاول الحكومات وأصحاب العمل المشاركة في العمل المتوافر بوسائل مثل التخفيضات الإلزامية في وقت العمل والتقاعد المبكر، وما إلى ذلك. ومن المرجح أن يكون تأثيرها الصافي تقليل المشتريات وعدم القيام بشيء للقضاء على مشكلة الركود عالي المستوى.
المنهج الثامن هو مهاجمة ما يطلق عليه ''عدم المساواة''. والحجة هنا ببساطة هي أن الفقراء وأفراد الطبقة الوسطى ينفقون أكثر من دخولهم. وفي الواقع العملي كذلك، فإن أي منهج متشدد يمكن أن يثبط الاستثمار والاستهلاك.
الحل التاسع، والمتشائم، هو إحداث نوعٍ ما من التوازن من خلال ظروف انكماشية. وإذا استمرت هذه الظروف فترة كافية، تتم إعاقة القدرات الإنتاجية، ويُثبط الاستثمار والتدريب، وتبدو البرامج التقشفية مبررة تماماً.
ما الذي يحدث؟ سيكون هناك بطبيعة الحال مزيج من معظم ما ذكر سابقاً، إضافة إلى المزيد من التدخل، وحافز مالي أقل مما اعتدنا عليه في عالم عقلاني.
تعليقات