عبدالعزيز شبيب يكتب عن رأيه بتعديل المادة الثانية من الدستور
زاوية الكتابكتب فبراير 13, 2012, 12:47 م 2885 مشاهدات 0
إن مما لا مراء فيه ولا جدال هو وجوب تحكيم شريعة الله عز وجل في شؤن الخلق كلها خاصها وعامها, قال تعالى :'فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما' وفال تعالى :'إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه', وقد مدح الحق تبارك وتعالى شريعته الغراء ووصفها بالعدل لاشتمالها على مصالح الدارين ودفع مضارهما, لأن الذي شرعها هو خالق الخلق وهو أعلم بما يصلح لهم, قال تعالى:'إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به, إن الله كان سميعا بصيرا'.
وإذ نتحدث في هذا المقال بشأن المقترح بتعديل المادة الثانية من الدستور الكويتي, فإننا لسنا بصدد مناقشة مدى إمكانية تطبيق الشريعة الإسلامية, لأن ما ندين الله عز وجل به يقينا هو وجوب العمل بالشريعة الإسلامية في جميع شؤننا الخاصة والعامة, ونبرأ إلى الله عز وجل من التنظير في هذه القضية لأنه لا قول لأحد بعد قول الله عز وجل و قول رسوله صلى الله عليه وسلم, وإنما نحاول أن نبين للجميع خاصهم وعامهم بأن فقهاء القانون وواضعو الدستور الكويتي قد سبق وقرروا بصلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان, وذلك كله ردا على من شكك بذلك واطلق على هذه الخطوة من الأوصاف التي نبرأ إلى الله عز وجل منها.
إن الشريعة الإسلامية ليست كغيرها من الشرائع والأنظمة فهي خاتمة الشرائع وهي دين ودولة, كما هو مبين في نصوص الشرع الحكيم, وهو ما أكده الأستاذ محمد أسد في كتابه 'منهاج الإسلام في الحكم' حين نص على أن 'الشريعة الإسلامية دين ودولة', بل إن ما قرره الفقيه الدستوري الدكتور طعيمة الجرف من صلاحية الشريعة الغراء كاف للرد على مناوئي تعديل المادة الثانية حيث قال: 'يقصد بنظام الحكم في الإسلام, مجموعة الأصول والمبادئ الكلية التي أمر بها القرآن الكريم, والسنة النبوية الشريفة سواء في مجال التنظيم السياسي للمجتمع أو في مجال شئون الحكم وسياسة الرعية فيه.
وإذا كان بعض الحكام المسلمين فيما بعد عهد الخلفاء الراشدين, قد انحرفوا في التطبيق عن هذه الأصول والمبادئ, فلا يجوز أن نطعن على الأصول والمبادئ ذاتها بسبب الإنحراف في التطبيق, حيث لا يجوز أن نخلط الأصول والمبادئ بمثل هذا التطبيق المنحرف'.
كما قرر الأستاذ محمد أبو زهرة في كتابه (أصول الفقه قي الإسلام) بأن النظام السياسي الإسلامي يقوم على خمس دعامات أساسية وهي: العدل, المساواة, الشورى, التعاون بين الحاكم والمحكومين, مراعاة اصلاح المجتمع وحمايته من الرذائل.
وقد أكد رائد الفقه القانوني في العالم العربي الفقيه الدكتور عبدالرزاق السنهوري في كتابه (الخلافة) بأن أحكام الشريعة الإسلامية لا تفيد العالم الإسلامي فحسب بل العالم بأسره, وقد قال في احدى مذكراته:'أريد أن يعرف العالم أن الإسلام دين ومدنية, وأن تلك المدنية أكثر تهذيبا من مدنية الجيل الحاضر'.
هذا فضلا عن أن التاريخ السياسي في الكويت ليؤكد على أنه وقبل وضع الدستور الكويتي كانت أحكام الشريعة الإسلامية هي المعمول بها في البلاد إضافة إلى الإعراف التي كانت سائدة في تلك الفترة كما أكده أستاذنا المرحوم بإذن الله تعالى الدكتور عثمان عبدالملك الصالح في كتابه(النظام الدستوري والمؤسسات السياسية في الكويت).
كما أن هذا المنهج قد تقرر بشكل لا لبس فيه عند وضع الدستور الكويتي كما يظهر في صدر مقدمة المذكرة التفسيرية للدستور حيث جاء فيها ما يلي نصه:'أولا: التصوير العام لنظام الحكم, امتثالا لقوله تعالى 'وشاورهم في الأمر' واستشرافا لمكانة من كرمهم في كتابه العزيز بقوله 'وأمرهم شورى بينهم' وتأسيا بسنة رسوله صلى الله عيه وسلم في المشورة والعدل, ومتابعة لركب تراثنا الإسلامي في بناء المجتمع وإرساء قواعد الحكم...بهدي ذلك كله, وبوحي هذه المعاني جميعا, وضع دستور دولة الكويت'.
هذا فضلا عن صراحة ما جاء في المادة الثانية نفسها وتعليق المذكرة التفسيرية عليها وحثها على الإسراع في استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية, حيث جاء في المذكرة التفسيرية ما نصه:' ...كما يلاحظ بهذا الخصوص أن النص الوارد بالدستور- وقد قرر أن ' الشريعة الإسلامية مصدر ريئسي للتشريع'- إنما يحمل المشرع أمانة الأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية ما وسعه ذلك, ويدعوه إلى هذا النهج دعوة صريحة واضحة, ومن ثم لا يمنع النص المذكور من الأخذ, عاجلا أو آجلا, بالاحكام الشرعية كاملة وفي كل الأمور...', وفي تعليقه على نظام الحكم في الدستور المصري الأسبق, يقرر الدكتور عبدالرزاق السنهوري رحمه الله بأن :'الشريعة الإسلامية هي القانون العام في التشريع المصري الحاضر, فكل مالم يتعرض له المشرع بنص يرجع فيه إلى الشريعة الإسلامية'.
وأما بخصوص ما يدعيه البعض من أن تعديل المادة الثانية فيه تعارض مع نصوص أخرى من الدستور الكويتي وهي المواد 4,6,29, فهذا في حقيقته محض إدعاء لا أساس له من القانون أو الواقع, فلو كان بالإمكان مجرد وجود مثل هذا التعارض لما حث واضعو الدستور الكويتي, كما بينا آنفا, على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وهم من وضع هذه النصوص وأدرى بما تتضمنه من أحكام ومعاني. هذا بالإضافة إلى أن هذا التعارض إنما هو فقط في أذهان من يدعيه, فبخصوص المادة الرابعة فإن الكثير من فقهاء المسلمين يجيزون توريث الخلافة والعهد بها للأبناء أو الإخوة أوغيرهم إذا كان ذلك في مصلحة الأمة واستقرار الدولة, ولا تعارض بين تطبيق الشريعة الإسلامية وتوارث الإمارة, والتاريخ الإسلامي يشهد بذلك كما أشار إليه الإمام الماوردي رحمه الله تعالى في كتابه الأحكام السلطانية. وأما بشأن المادة (29) فإن الشريعة الإسلامية هي أول من حارب التفرقة على أساس الجنس أو العرق أو الأصل, قال تعالى :' ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير'.
وفيما يخص المادة (6) من الدستور الكويتي فإن فقهاء القانون الدستوري يقررون بأن سيادة أي أمة من الأمم لا يعني عدم تقييدها بأي قيد, وهذا واضح من نص المادة ذاتها حين قررت بأن :'وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور', وبالتالي فإن سيادة الأمة تكون مقيدة بسيادة الله عز وجل المتمثلة فيما أنزل من أحكام, فللأمة معالجة المسائل التشريعية التي لم يرد فيها نص قاطع, وذاك عن طريق الإجتهاد في استنباط الأحكام التي تتوافق مع قواعد الشريعة.
(ينظر في ذلك بشيء من التفصيل, الدكتور ماجد راغب الحلو, الدولة في ميزان الشريعة).
هذا ما أردت أن أعلق عليه بإختصار بشأن هذه القضية الأساسية في حياة الأمة, وسوف يكون لنا بحث تفصيلي فيها بإذن الله في القريب العاجل, والله أسأل أن يلهمنا الصواب في الأمور كلها 'ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب', والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
تعليقات