كيف تنافس أوروبا والغرب لم يعد له ثقل ونفوذ؟ بقلم فيليب ستيفنز
الاقتصاد الآنيناير 31, 2012, 11:30 م 849 مشاهدات 0
عادت إيطاليا مجدداً. صحيح أن أنجيلا ميركل تحتل أعلى لائحة السلطة في أوروبا، وأن بإمكان نيكولا ساركوزي ادعاء أنه قائد القارة الأكثر نشاطاً وحيوية. لكن ماريو مونتي هو الأكثر تشويقاً. فبعد غياب دام عقدين من الزمن عادت إيطاليا إلى مسرح الأحداث وربما يتضح أن مصير مونتي هو نفسه مصير أوروبا.
قبل يومين، قال البيت الأبيض إن رئيس الوزراء الإيطالي سيلتقي أوباما قريباً. وسيناقش مونتي وباراك أوباما ''الخطوات الشاملة التي تتخذها الحكومة الإيطالية لاستعادة ثقة الأسواق وإعادة توليد النمو مجدداً بواسطة الإصلاحات الهيكلية، فضلاً عن آفاق توسيع أساليب الحماية المالية في أوروبا''. وإذا ترجمت ذلك تحصل على: ''إن أوباما يدعم مونتي حتى النهاية – بما في ذلك حين يمارس الضغوط على ميركل''.
مرت فترة كان لدى إيطاليا خلالها رأي فيما يجري في أوروبا. وأيد الإيطاليون القفزة الاندماجية الكبيرة التي حدثت في ثمانينيات القرن الماضي. وأعطت قمة ميلانو في عام 1985 دفعة كبيرة باتجاه السوق الموحدة. وبعد مرور خمسة أعوام، حدد اجتماع في روما الجدول الزمني لليورو. ووفر ذلك فرصة، بالمصادفة، للإطاحة بمارجريت تاتشر، عندما أثار رفضها القاطع ''لا، لا، لا''، ثورة حزب المحافظين. ورغم غرابة الأمر، كان أعضاء حزب المحافظين البريطانيين الأكثر تأييداً لأوروبا في الماضي.
وضعت حقبة سيليفيو بيرلسكوني نهاية للنفوذ الإيطالي. وعلى الرغم من أنه كان يلقى دائماً ترحيباً حاراً من جانب فلاديمير بوتن، إلا أن نظراءه في الاتحاد الأوروبي كانوا يتفادونه – ينظر إليه أحياناً على أنه سبب للإزعاج والإحراج. ويختلف مونتي ـ الأكاديمي صاحب العقلية الجادة، الذي يملك خطة جدية ـ من كل النواحي. كان بيرلسكوني يلقي نكاتاً غير مهذبة حول مظهر ميركل، لكن مونتي يتحدث إليها بشأن الاقتصاد.
هناك شخص إيطالي ثانٍ عند قمة الطاولة. فقد احتل ماريو دراغي – ماريو الآخر – العناوين الرئيسية الخاصة به خلال رئاسته القصيرة للبنك المركزي الأوروبي. وأما فيما يتعلق بالمنهج الاقتصادي، فيصنف دراغي نفسه على أنه ألماني فخري. ومع ذلك، ساهمت عملية إعادة تمويل كبيرة أُطلقت بموجب توجيهاته – التسهيل الكمي بمعنى آخر – في دعم النظام المصرفي وعملت على تهدئة الأسواق.
لا تمثل خطة البنك المركزي الأوروبي حلاً دائماً، لكنها أعطت السياسيين المجال للتفاوض حول الاتفاق المالي الثمين لميركل. ورغم ظلال اليونان الحاضرة دائماً، ثمة إشارات على أن أزمة اليورو تمضي من كونها أزمة حادة إلى حالة مزمنة.
يعتبر مونتي مهماً لأن آفاق اليورو طويلة الأجل ستتقرر في إيطاليا تحديداً. وإذا سقطت اليونان من الحافة، ستكون إيرلندا، والبرتغال، وإسبانيا في مواجهة خط النار. أما إيطاليا، فستكون اللاعب المحوري. وإذا لم يكن بمقدور ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو أن يرسم مساراً اقتصادياً موثوقاً، فليس لليورو مستقبل بوصفه مشروعا عابرا لأوروبا.
لدى مونتي بعض الأوراق ليلعبها. وتبرهن تدابير التقشف التي فرضها فعلياً، على أنها لا تحظى بالشعبية، لكن بالكاد يكون السياسيون المنتخبون في إيطاليا في وضع جيد. ويتحفز بيرلسكوني لاقتناص الفرص من الجوانب، لكن تحالفه المؤلف من يمين الوسط سيتعرض إلى السحق في انتخابات خاطفة. لذلك يعتقد مونتي أن أمامه عام آخر – إلى أن تجري الانتخابات المجدولة في ربيع عام 2013 – كي ينفذ استراتيجيته ويفعِّلها.
الورقة الثانية هي أن بإمكانه أن يتحدث بصدق إلى السلطة الألمانية. وليس هناك خلاف على سجله كإصلاحي ليبرالي في مفوضية الاتحاد الأوروبي. ويتحدى أسلوبه الأنموذج النمطي للأوروبي الجنوبي العاجز. أوه، دعونا لا ننسى أن أوباما يدعمه تماماً حين يقول لميركل إن التقشف بلا نهاية من شأنه أن يحوِّل أي اتفاق مالي إلى اتفاق انتحار.
أعتقد شخصياً أن ساركوزي يمتعض من دخول مونتي على الخط. فالرئيس الفرنسي لا يحب مشاركته في الأضواء. وحتى الآن، حافظت باريس على التظاهر بأن القيادة ملك للشراكة الفرنسية – الألمانية. وفي حقيقة الأمر، كيمياء التجاذب بين الرئيس (الفرنسي) والمستشارة ليست على ما يرام.
في واقع الأمر لدى ساركوزي مصلحة أكبر في نجاح مونتي من معظم القادة الآخرين. وكلما التقيت النخبة الفرنسية، مثلما فعلت خلال أحدث مؤتمر فرنسي - بريطاني عالي المستوى Franco-British Colloque، يذهلني إصرارهم على أن استمرار بقاء اليورو أمر وجودي. أعتقد أنهم يعنون بذلك أن تفكيك العملة الموحدة سوف يشهد انحدار فرنسا إلى الطبقة الاقتصادية الثانية في أوروبا – ويحرمها من أن ادعاء متبقٍ للنفوذ العالمي.
ليست هناك ضمانة بأن مونتي سينجح. فالتخفيضات الكبيرة على الإنفاق والزيادات الضريبية تمثل جانباً واحداً وسيأتي الاختبار الفعلي في تحرير الاقتصاد. وهنا يواجه مونتي ما يشبه قُرص العسل المليء بالثقوب؛ من المتاجر المغلقة، والممارسات التقييدية، والاتحادات التي تسعى إلى تحقيق الأرباح باستنزاف الموارد. فقد عمت الفوضى المدن الإيطالية خلال هذا الأسبوع بسبب سائقي التاكسي ومشغلي الشاحنات. ويستعد المحامون، والصيادلة، ومشغلو محطات البنزين لمواجهة الخطط الرامية إلى تجريدهم من امتيازاتهم. ولن يكون ذلك سهلاً.
لا يمكن تفادي الخيارات. ويبدو أن الجدل بشأن مستقبل منطقة اليورو استقطابي بشكل ميئوس منه. فعلى الجانب الأول، يقف من يقول إن من الممكن إنقاذ المشروع إذا استوعبت أوروبا الجنوبية الكاثوليكية ثقافة الشمال البروتستنتية التي تتسم بالتقشف والعمل الشاق. وعلى الجانب الآخر، من يقول إن ذلك سيكون جيداً لو كان الألمان على استعداد لإنفاق وإقراض المزيد وضمان ديون جيرانهم الجنوبيين. ويبدو أن الحجتين ساذجتين تماما.
التحدي الذي تواجهه أوروبا – تبلور في أزمة اليورو – هو التكيف مع عالم لم يعد بإمكانها فيه إملاء شروط التبادل. وبإمكان صانعي السياسة والاقتصاديين المجادلة كما يشاؤون بشأن استحقاق، وعدم استحقاق تخفيض القيمة، أو ضبط التوازن بين الاستقامة المالية ودعم الطلب. والسؤال الكبير المطروح هو ما إذا كان بإمكان أوروبا المنافسة في عالم لم يعد فيه للغرب ثقل ونفوذ. ولأجل هذا فإن ما يفعله مونتي في إيطاليا مهم فعلياً.
تعليقات