من نصدِّق .. الأسهم أم السندات؟
الاقتصاد الآنيناير 24, 2012, 9:53 ص 1167 مشاهدات 0
من يجدر بنا أن نصدق؟ تمتعت أسواق الأسهم ببداية عظيمة في السنة. ويبدو أنها تقول ضمناً إن الانتعاش الاقتصادي الحقيقي يسير قدماً الآن. لكن أسواق السندات تقول ضمن إنها متشائمة، في حين أن البيانات الاقتصادية تشتمل على أمور وفوارق دقيقة.
كيف نفصل ونغربل هذه الرسائل المتباينة؟ دعونا نبدأ بالأسهم. يعتبر مؤشر ستاندر آند بورز 500 من أكثر المؤشرات التي تتم متابعتها عالمياً، وهو يغطي شركات أمريكية كبيرة ذات قاعدة عريضة. وحين نقيس قيمته بالدولار، نجد أنه ارتفع بنسبة 22 في المائة منذ المستوى الأدنى الذي سجله في تشرين الأول (أكتوبر) 2011، وأنه يقع على بعد 2 في المائة من ذروة بلغها في تموز (يوليو) الماضي، أي مباشرة قبل الموقف المعقد والمضطرب الذي اشتعل في الكونجرس حول الحد الأعلى للاقتراض المتاح للحكومة الأمريكية، وما نتج عن ذلك من تخفيض للمرتبة الائتمانية للسندات الأمريكية من قبل وكالة ستاندر آند بورز، والذي أشعل بدوره فتيل التراجع الاقتصادي.
وعند قياس هذا المؤشر باليورو، الذي لا يزال (على خلاف بين المحللين) يعتبر عملة صعبة أكثر من الدولار، فإن الاندفاع الأخير في المؤشر يتجاوز 30 في المائة، وهو الآن عند أعلى مستوى له منذ عام 2007.
من جانب آخر، يعود مؤشر فيكس، الذي يقيس مقدار المبالغ التي يدفعها المستثمرون مقابل حماية أنفسهم من التقلب في مؤشر ستاندر آند بورز في الخيارات، إلى ما كان عليه الحال قبل ''حالة الإغماء'' التي وقعت في تموز (يوليو). وهذا ينطوي ضمناً على شعور بالثقة.
لكننا بحاجة الآن إلى أن ننظر إلى السندات. العوائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات لا تكاد تتجاوز 2 في المائة. وفي تموز (يوليو) كانت تعطي عوائد تزيد على 3 في المائة. ولا تكفي القرارات التي اتخذها البنك المركزي الأمريكي منذ ذلك الحين لتفسير هذه الظاهرة. فحين تكون العوائد على السندات متدنية إلى هذه الدرجة، فإن هذا يعني ضمناً وجود مشاعر ارتياب عميقة لدى المستثمرين حول آفاق الانتعاش الاقتصادي.
نأتي الآن إلى السلع. عاد الذهب تقريباً إلى ما كان عليه حين وصلت الأسهم إلى الذروة في الصيف، بعد عدد من التقلبات الكبيرة أثناء الطريق. لكن المعادن الصناعية التي تعتبر علامة ودليلاً على النمو الاقتصادي العالمي، والتي ارتبطت في السنوات الأخيرة بصورة قوية بالأسهم، لا تزال أدنى بنسبة 18 في المائة منذ ذلك الحين. وحتى بعد الصعود الذي حدث على مدى الأسابيع الخمسة الأخيرة بنسبة 13 في المائة، لا يزال من الصعب تفسير ذلك على أنه انتعاش اقتصادي واضح. معنى ذلك أن البيانات الرئيسية حول السوق غير حاسمة.
دعونا ننتقل الآن إلى البيانات. مرة أخرى تستحوذ الولايات المتحدة على الاهتمام على نحو يفوق حصتها الطبيعية. خلال السنتين السابقتين كانت أكبر المخاوف حول الاقتصاد الأمريكي هي أنه عاجز عن العثور على سبيل لخلق النمو في الوظائف وعاجز كذلك عن تجاوز انهيار سوق العقارات ووضع ذلك وراء ظهره. وفي هذين المقياسين هناك تطورات حديثة تدعو للتفاؤل.
الأمر الوحيد الموثوق حول بيانات البطالة في الولايات المتحدة هو أن بإمكاننا أن نكون على ثقة من أنها بيانات تشتمل على مبالغات. لكنها تُظهِر مع ذلك تحسناً في الاتجاه العام من قاعدة متدنية للغاية. البيانات الأسبوعية حول المطالبات الجديدة بالتعويض عن البطالة تشتمل على قدر كبير للغاية من الضجيج، لكن أحدث قراءة للبيانات تشير إلى أن الموجة الجديدة هي أدنى موجة من العاملين الذين انضموا إلى قوافل العاطلين عن العمل منذ أوائل عام 2008.
وبالنسبة للإسكان، لم تعد المبيعات في حالة تراجع. عرض المساكن غير المباعة، عند قياسه بعدد الأشهر اللازمة للتخلص منها، عند أدنى مستوياته منذ فترة طويلة قبل انهيار بنك ليمان براذرز.
هناك على الأقل علامات على التحسن بعد المرور في موقف عصيب. لكن هل بمقدورنا افتراض أن الانتعاش الاقتصادي ماض قدماً الآن؟ ليس بعد. لا تزال أسعار المساكن متراجعة في معظم المدن. فإذا توقفت المبيعات عن التراجع، فإن هذه ظاهرة صحية، لكن الانتعاش الحقيقي لثقة المستهلكين وللميزانيات العمومية للبنوك لا بد له أن ينتظر حدوث انتعاش في أسعار المساكن.
ما الذي نجده إذا تعمقنا في وضع الأسهم؟ التحول باتجاه الأسهم الخطرة دليل جيد على أن الانتعاش الحقيقي ماض قدماً. لكن لا يوجد تحول من هذا القبيل. فمنذ أن بلغت الأسهم الأمريكية ذروتها قبيل تخفيض المرتبة الائتمانية للولايات المتحدة في تموز (يوليو) الماضي، كان أداء بلدان الأسواق الناشئة أدنى من أداء البلدان المتقدمة بنحو 5 في المائة، وفقاً للمؤشرات المركبة من بنك مورجان ستانلي. وكان أداء الجانبين متشابهاً في نحو ثلاثة أشهر.
ووفقاً لمؤشرات راسل، فإن أداء أسهم النمو التي يتم اختيارها بسبب أرباحها المتزايدة، كان متطابقاً مع أداء أسهم ''القيمة''، التي يتم اختيارها لأنها تبدو رخيصة. وحدوث ارتفاع في القيمة كان من شأنه أن يبين أن المستثمرين يعتقدون أن البيئة في حالة تحسن، وأنهم على استعداد للمغامرة والدخول في الأسهم التي لم يكن يريدها الناس.
بمقاييس مؤشرات راسل، كان أداء الشركات الصغيرة أدنى من أداء أكبر الشركات في الولايات المتحدة بنحو 7 في المائة منذ الوصول إلى مستوى الذروة في تموز (يوليو). بصورة عامة يكون أداء الشركات الصغيرة أفضل مع بداية الانتعاش الاقتصادي.
وحين ننظر إلى الأمر من الزاوية الجغرافية، فإن سلات الأسهم الأوروبية في دويتشه بانك تشير إلى أن الشركات المكشوفة أمام الولايات المتحدة هي الآن أقوى بصورة يسيرة عن مستوياتها في تموز (يوليو) الماضي، في حين أن الشركات المكشوفة أمام الصين أدنى بنسبة 16 في المائة. وأداء الأسهم الأمريكية كان أفضل من أداء الأسهم الأوروبية بنسبة 15 في المائة منذ ذلك الحين. وهناك نظرة محايدة بخصوص الولايات المتحدة تتعايش مع مشاعر القلق المزعجة حول أوروبا والصين.
كانت تداولات الأسواق خلال سنتين تقع ضمن نطاق معين، كانت تتراجع حين تتصاعد المخاطر بحدوث أزمة شاملة في النظام البنكي، وتتصاعد حين كانت البنوك المركزية تعزز النظام بأموال سهلة. ونحن الآن بالقرب من قمة الحركة الصاعدة لإحدى هذه الدورات، في الوقت الذي يعمل فيه قرار البنك المركزي الأوروبي بتعزيز البنوك الأوروبية على إثارة البهجة في الأسواق.
مؤشر ستاندر آند بورز 500 ارتفع 22 في المائة منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2011.
ليست هناك علامة واضحة حتى الآن على أننا نستطيع الفكاك من هذه الدورة نهائياً. وهذا يعني ضمناً أن حدوث هبوط كبير ليس بعيداً. لكن الأشخاص الذي أدركوا مسبقا أن رد الفعل على تخفيض المرتبة الائتمانية للولايات المتحدة كان مبالغ فيه، وأن قرار البنك المركزي الأوروبي القاضي بمساعدة البنوك من شأنه تخفيف أزمة السندات في منطقة اليورو لفترة من الزمن، تمكنوا من جني أرباح جيدة.
إننا نثني عليهم كثيراً على هذا الأداء الممتاز. ذلك أن وضع اليد على موجات المزاج العام التي من هذا القبيل كان السبيل إلى تحقيق الأرباح في السنة الماضية. ومن المحتمل أن يكون السبيل لتحقيق الأرباح في بقية 2012.
تعليقات