عن الأزمة بالعراق يكتب بن طفلة
زاوية الكتابمتوقعا شلالا من الدم يسيله الفرقاء بالحكم
كتب ديسمبر 31, 2011, 2:17 م 1176 مشاهدات 0
إعلان قبض... أم إعلان هزيمة!
د. سعد بن طفلة
بإعلانه إصدار مذكرة قبض على نائب رئيس الجمهورية العراقي طارق الهاشمي، وعلى نائبه صالح المطلك، يكون رئيس الوزراء العراقي -نوري المالكي- قد أعلن رسميّاً هزيمة المشروع 'الديمقراطي' الأميركي في العراق، وأطلق عليه رصاصة الرحمة.
مذكرة الاعتقال جاءت بعد خروج القوات الأميركية من العراق بيوم واحد فقط لا أكثر ولا أقل، في توقيت لا يمكن أن يغفله أي مراقب ومتابع للأحداث، وكأن السيد المالكي ينتظر بفارغ الصبر خروج الأميركان ليعلن إعلانه الصاعقة، حيث عبر المالكي عن ذلك في مؤتمره الصحفي بأنه قد صبر عليهما -أي الهاشمي والمطلك- أكثر من ثلاث سنوات وذلك حفاظاً منه على العملية السياسية. وهو قول يعد بحد ذاته اعترافاً بالتستر على جريمة، وأن سكوته عن الهاشمي والمطلق كان لأسباب سياسية، وبالتالي فإن إعلانه وتوقيته بالقبض على 'شريكين' أساسيين له في العملية السياسية، هو قرار وإعلان سياسي أيضاً.
وقد كرر المالكي في مؤتمره الصحفي أن الهدف هو تطبيق القانون، وأن على المتضرر أن يلجأ للقضاء، وهو قول تدحضه ألف باء الأسس القانونية، فقد شهّر الإعلام الرسمي الذي أصبح تابعاً بالكامل لرئيس الوزراء بالهاشمي وبالمطلك، وأدانهما قبل أن يدينهما القضاء الذي كرر المالكي أنه قضاء 'مستقل ونزيه'، ولكن الخطأ الأكبر الذي وقع فيه المالكي هو إعلانه أنه تكلم مع قضاة -هكذا بالحرف- وأكدوا له ثبوت أدلة الإدانة ضد الهاشمي! فكيف لقضاء 'نزيه' ومستقل أن يتكلم مع رئيس السلطة التنفيذية الذي هو في خصومة مباشرة مع المتهمين موضوع الشكوى المقدمة من الأجهزة التنفيذية التي يرأسها المالكي.
المؤكد أن توجيه الاتهام رسميّاً للسيدين الهاشمي والمطلك هو طلاق بائن 'للشراكة' السياسية التي كانت فرضتها القوى الإقليمية -وتحديداً إيران سوريا- بمباركة إدارة أوباما، وكانت القائمة العراقية قد قبلت القسمة 'الضيزى' لتشكيل الحكومة بقيادة المالكي وقائمته -دولة القانون- على رغم أن العراقية كانت أكبر الفائزين بمقاعد برلمانية. كتبت حينها أن قبول علاوي -زعيم قائمة العراقية- يعد نوعاً من 'الضيار'، أي جبر الناقة على إرضاع غير وليدها، واستمرت الحالة الهشة للحكومة، وبقيت حقائب الداخلية والدفاع والأمن الوطني في يد رئيس الوزراء حتى اليوم، وهي الحقائب التي تعنى بالهاجس الأول للعراقيين: الأمن والاستقرار قبل تنفيذ أي شيء آخر.
في خضم الأزمة والانفجارات، ووسط بدايات شلال دم يتوقع المراقبون أن يكون 'مدراراً' بدماء الأبرياء، خرج الدكتور أياد علاوي ليقول للعالم إن 'الأميركان فرضوا المالكي فرضاً'. وكأني بمؤيديه والقوى العراقية المدنية تردد لنفسها: 'سوجك'، أي هذا ما جنيته على نفسك وعلينا كعراقيين، فلقد كان حريّاً بالقائمة العراقية حين أدركت أن موازين القوى ليست في صالح تشكيلها للحكومة أن ترفض المشاركة في حكومة تعلم سلفاً أن قيادتها طائفية، وكان المفترض أن تبقى القائمة العراقية في المعارضة لتعرية الممارسات الطائفية ولتبيان عجز القوى الدينية -أيّاً كانت- من أن تدير بلداً متعدد الطوائف والملل والنحل كالعراق.
إن الهزيمة الأميركية لمشروع الدمقرطة بالعراق، درس لكل من يظن أن القوى الدينية السياسية يمكن أن تأتي بالتعايش والاستقرار، وأن منهجها وخطابها وتفكيرها ومدرستها السياسية واحدة: دعوني أحكم بما أنزل الله -حسب رؤيتي- وإلا فإنكم تقفون أمام إرادة الخالق وبالتالي فإن التخلص منكم جهاد فرض عين. صحيح أن لغة المالكي لم تكن بهذه الصراحة، ولكن جوهرها ونتيجتها واحدة: الغرماء السياسيون -أي العراقية- تآمروا وخططوا وفجّروا وعلينا إيقافهم ومحاسبتهم وحبسهم والتخلص منهم، حماية للديمقراطية ولدولة القانون!
هل تكرر أميركا تحالفاتها لـ'الدمقرطة' في أماكن أخرى بمنطقتنا؟
تعليقات