خريطة الفكر العسكري لنظام دمشق
عربي و دوليديسمبر 21, 2011, 11:04 م 4489 مشاهدات 0
حين نطل من على المرتفعات الأخلاقية للسلوك الإنساني الشريف تصدمنا كآبة المنظر في إدلب، حمص، درعا، وريف دمشق. فالجيش السوري الذي تخلى عن شرفه أنجب بعد تسعة أشهر من حمله المهين للحشمة البشرية 356 طفلا قتلهم من أصل 5216 شهيدا.
ويملي علينا الحق أن نشارك الكثيرين دهشتهم من قدرة مماليك جيش العار هذا على حرب المدن وتمكنه من شن عمليات قوية على المسلحين الذين يخوضون معارك حقيقية ضده عند كل مفترق طرق. ورغم شعورنا الذي تجاوز حدود المرارة، وأمسى على أبواب اليأس، فإن فهم ما يجري قد يقلل من وقع ذلك، ويفتح أفق الأمل من خلال معرفة كيف يقاتل هذا الجيش الذي يعتبر السادس عشر في العالم والثاني عربيا والخامس في الشرق الأوسط؟
1- تتبع سوريا العقيدة العسكرية الشرقية، بالإضافة إلى إرث هزائم جميع المواجهات مع إسرائيل؛ حيث عم هناك شعور داخلي بالهزيمة، أدى إلى ظهور عقلية الحرب ليبرر النظام الأسطورة التعويضية التي لفقها كدولة مواجهة، فصارت الشوارع والصحف والمنتديات مواقع وغارات، كالحرب على الفساد، معركة الإنتاج، والقتال في جبهة الزراعة والصناعة، ولوم الامتدادات الخارجية المحيطة بسوريا كخصم رجعي يساند الإمبريالية والصهيونية. واعتنق الجيش خلال عملية بنائه ازدواجية واضحة لا يمكن تنزيهها من الخلفيات الطائفية والمذهبية، وهي وحدة مسار ومصير الجيش والنظام معا، وانعكست على تشكيل قيادته. ويدعم ذلك أن %70 من الجنود السوريين في الخدمة الفعلية هم من العلويين، كما أن %80 من الضباط هم من نفس الطائفة، رغم أن سوريا لم تعرف كبلد ذاكرته طائفية في المقام الأول.
2- الصفة الأساسية للاستراتيجية العسكرية الشرقية هي الطبيعة الهجومية باعتبار أن الهجوم هو الأساس في الصراع المسلح، وأن الدفاع مرحلة ثانوية فيه؛ حيث أصبح من الملاحظ أن دمشق اعتمدت خط التصعيد الهجومي مقابل الانتفاضة التي يقوم بها الشعب الأعزل.
3- يخوض نظام دمشق معركته وفيا لنظريات «تروتسكي» مؤسس الجيش السوفيتي الأحمر، الذي جعل الحرب مرحلية، تتناسب مع الواقع على الأرض؛ ففي إحدى المراحل يشن حربا في درعا، ثم يتوقف كليا ليشنها في حمص ممهلا قادة المسلحين 24 ساعة للتسليم، ثم تتحرك الفرقة 7 بكامل ألويتها الخمسة المكونة من ثلاثة ألوية مدرعات ولواء مشاة ميكانيكية ولواء مدفعية ميدان للشمال، ويحلق الطيران الحربي على ارتفاع منخفض فوق تلبيسة.
4- تتبع الاستراتيجية العسكرية السورية السياسة، وليس العكس فبقاء النظام هو الهدف السياسي الأسمى، والمهام الاستراتيجية تأتي لتحقيق هذا الهدف وخير مثال على ذلك ارتفاع وتيرة القتل أثناء المفاوضات مع الجامعة العربية، في مسعى لترميم ارتباكات النظام السياسية في الدوحة والقاهرة والأمم المتحدة، ثم توقيع وليد المعلم على بروتوكول بعثة المراقبين العربية بعد تعديلات تؤخر ولو بشكل ما من سرعة سقوط النظام.
5- تأمين روح معنوية عالية بين منتسبي القوات المسلحة شرط حيوي في العقيدة الشرقية أكثر من الغربية، وفي ظل سيطرة البنية المخابراتية والعقلية الأمنية على الحياة العسكرية صار أعداء الجيش في المواجهات الحالية يوصفون بأنهم «أبناء القاع» الاجتماعي من مهربين، حشاشين، لصوص، وإرهابيين ينشطون تحت اسم «الجيش السوري الحر». ولإصابة آلة دمشق العسكرية في مقتل يجب نشر الإحباط بين جنود تلك الآلة بنسف الثقة بقوة قيادته.
6- يعتبر توفير احتياطيات استراتيجية من جميع الأنواع وتعويضها بأسلوب صحيح، شرطاً أساسياً للنصر؛ لذا تبني دمشق حاليا احتياطا استراتيجيا ضخما، وقد لوحظ ذلك وفسر خطأ بأنه لإقامة الدولة العلوية بينما هو وفاء لأحد مبادئ الحرب الشرقية.
7- تتبنى عسكرية دمشق مفهوم الأهمية الحاسمة للمرحلة الافتتاحية للصراع المسلح مؤمنة بتأثيرها على تطور ونتيجة الحرب بصفة عامة؛ لذا رأينا وحشية بدايات عملياتهم العسكرية.. والخوف أن ما يجري حاليا هو المرحلة الافتتاحية فقط.
8- لا يتحقق النصر في الصراع المسلح من وجهة النظر الشرقية إلا بالجهود المشتركة لأفرع القوات المسلحة والتعاون الاستراتيجي.. وحسنا فعل الثوار بالهجوم على مجمع كبير لاستخبارات القوات الجوية في منتصف نوفمبر 2011 لأنه عين الطيران عند زج الطائرات والحوامات لقصف الأهداف والمناطق التي حدثت فيها انشقاقات عسكرية، وحيث إن الصعوبات التي يواجهها الجيش كبيرة فقد دفعته لزيادة القوة النارية التي يستعملها، واعتماده أكثر على أسلحة كالدبابات وقاذفات الصواريخ والمدافع الرشاشة.
9- في الفكر الشرقي يجب أن تكون هناك قيادة وسيطرة استراتيجية على الصراع المسلح، والسيطرة الاستراتيجية حاليا بيد «ماهر الأسد» ما يفسر إجابة الرئيس بشار في مقابلة مع باربرا والترز على محطة «أي بي سي» حين قال «لست مالك البلاد.. إذن هي ليست قواتي».
يخوض نظام الأسد حرب مدن « Urban warfare» شرسة درب جيشه لمثلها طوال 4 عقود، وما يزيدها صعوبة على «الجيش السوري الحر» أنها أمام جيش يخدمه فكره العسكري، كما تخاض في عقر دار الخصم، وفي مقرات البعث وأجهزته القمعية، كما أن وجود الشبيحة بيد النظام أداة حرب مدن فعالة قادرة على إرهاق الجيش الحر، ما يجعل التدخل العسكري الدولي أمرا لا بديل له، رغم مناورة دمشق والتوقيع على بروتوكول بعثة المراقبين العربية.
تعليقات