المشاريع الصغيرة والقوانين الإدارية الصحيحة تمثل طموحات اقتصادية للمرحلة القادمة بقلم الدكتور وليد الحداد
الاقتصاد الآنديسمبر 18, 2011, 9:35 ص 616 مشاهدات 0
تطرقنا في المقال السابق إلى طموحات اقتصادية مهمة جدا وهي أهمية تطبيق القوانين الاقتصادية المتراكمة في الأدراج، ومحاربة الفساد وتعزيز الشفافية، وإزالة معوقات الاستثمار والتجارة، وجذب رؤوس الأموال الأجنبية. وفي هذه المقالة سنركز على الطموحات الإدارية بشكل رئيسي:
دعم المشاريع الصغيرة:
فالمشاريع الصغيرة تمثل أهم دعائم الاقتصاديات المعاصرة فهي تحتل 50% من مجموع الاستخدام الخاص، وأكثر من 40% من الناتج القومي الإجمالي.. والمشروعات الصغيرة في الولايات المتحدة تمثل 97% من إجمالي المشروعات، و34% من الناتج القومي وتخلق 58% من فرص العمل وفي اليابان توفر 55% من فرص العمل وفي كندا 33%، هذه الأهمية في الاقتصاديات العالمية للمشروعات الصغيرة وحجم الاهتمام بها لتوفيرها للفرص الوظيفية وتوفيرها نصف الناتج القومي الإجمالي للأسف الشديد مفقودة في الكويت بالرغم من رصد الهيئة العامة للاستثمار إلى 100 مليون دينار للمشروعات الصغيرة وإيكال هذه المهمة إلى ثلاث شركات وهي: المشروعات الصغيرة وشركة كامكو والرائدة إلا أن إعطاء القروض للمبادرين يمثل تحديا كبيرا جدا، وتتصف الإجراءات بالبيروقراطية والتحكم والسيطرة وعدم الفهم لدور المشاريع في الاقتصاد المحلي وأيضا إبعاد الشباب الكويتي وإكراهه في المشاريع الصغيرة قدر الإمكان ومن استطاع أن يخترق قوانينهم وشروطهم غير المعلنة فهذا يعتبر خارقا للعادة، والقائمون على هذه المشاريع والمحافظ سواء باختيارهم أم لا، لا يفقهون شيئا في اقتصاد المشاريع الصغيرة ولو كنت المسؤول لأوكلت هذه المهمة إلى الصندوق الكويتي للتنمية الذي نجح في هذه المهمة بامتياز في مصر وعموما المشاريع الصغيرة جزء أساسي من الاقتصاد الكويتي وهي تعطي الشباب الفرص الوظيفية الكبيرة والفرصة لبناء أنفسهم في عالم التجارة والصناعة والخدمات. وما نحن بحاجة إليه هو استراتيجية واضحة تنفذ على مدى سنوات لخلق قطاع من المشاريع الصغيرة في الاقتصاد الكويتي وأيضا توحيد الجهات المانحة وإصدار قانون للمشاريع الصغيرة يلزم الحكومة بتنفيذها ويبعد عنها أيدي الاحتكاريين والمتنفذين والبيروقراطيين.
إعادة اختراع قوانيننا الإدارية لإنتاجية أفضل وخدمات ذات جودة:
الإدارة الكويتية مرت بمراحل عديدة مهمة منذ اكتشاف النفط وأعد القارئ أنني سأخصص مقالة خاصة لها فهي طويلة وذات شجون، ولعل من أهم المراحل التي مررنا بها رؤيتنا للوظيفة العامة أنها مصدر لتوزيع الثروة وأنها ليست مجموعة من الواجبات والمسؤوليات التي يجب أن تؤدى مقابل الأجر وأيضا تم فهم النصوص الدستورية بشكل خاطئ في أن الدولة يجب أن توفر الوظائف للمواطنين فتم تعيين الجميع في الحكومة بالرغم من عدم الحاجة لهم، وأيضا من مواصفات الإدارة أن القوانين المنظمة للعمل الإداري ممثلة في قانون الخدمة المدنية قد تقادم ولم يلاحق التطورات الإدارية الحديثة وهو أيضا للأسف يخدم الرؤية في أن الوظيفة العامة مصدر لتوزيع الثروة ومن الأمور الأساسية التي يفتقدها هذا القانون عدم تنظيمه للعمل الاستراتيجي على مستوى المؤسسات الحكومية وإلزامها ببناء استراتيجيات موافقة لاستراتيجية الدولة تنفذها على مدى متوسط وطويل، حيث أصبح العمل الاستراتيجي من أساسيات الإدارة الحديثة بالإضافة إلى أن القانون الحالي لا ينظم العمل القيادي بشكل ينتج قيادات فاعلة لها القدرة على إدارة المؤسسات العامة بكل فاعلية وجودة وتحقيق خطط واستراتيجيات الحكومة فمازالت وللأسف المناصب القيادية عرضة للمساومات السياسية وغيرها من المساومات وليست ضمن ضوابط إدارية واضحة ومعلنة تحقق الفرص للجميع وتحقق وجود مواصفات أساسية في القيادي تؤهله لإدارة ما أوكل إليه من مهام، وأيضا يفتقد القانون الحالي العدالة والمساواة في الأجور بين العاملين، فالأجور لا تخضع للتوصيف والتقييم الوظيفي كما يحدث في أغلب دول العالم وهذا بدوره أدى إلى تفاوت الأجور بين العاملين في مؤسسات الدولة المختلفة بالرغم من تشابه العمل وزيادة حجم الإضرابات في المؤسسات العامة وتضخم الباب الأول في زيادات ليس لها مبرر إنتاجي ولا خدمي وإنما استجابة إلى ضغوط سياسية ونقابية، وهذا من شأنه أن يهدد الميزانية العامة للدولة بعد سنوات قليلة ويبعد العمالة الكويتية عن التوجه إلى القطاع الخاص، ومن الأمور الأساسية أيضا التي يفتقدها القانون تعزيز دور اللامركزية الإدارية والتي أصبحت من أساسيات تقديم الخدمات العامة في الوقت المعاصر فالمطلوب ولا شك النص القانوني على اللامركزية الإدارية وإلزام المؤسسات العامة بها بالأخص مع التوجه لزيادة حجم المدن الحديثة في الكويت والتقدم التكنولوجي السريع الذي يلزمنا باللامركزية حتى نقدم خدمات أفضل وذات جودة عالية، ومن الأمور الأساسية في الإدارة الحديثة أيضا الحفاظ على جودة الخدمات فالمطلوب في الوقت المعاصر ليس تقديم الخدمة ولكن أيضا تقديمها على مستوى معين من الجودة حتى تؤدي الغرض الأساسي من تقديمها فأصبح الآن هناك عدة أساليب لضمان جودة الخدمات تأخذ بها مؤسسات العالم المعاصرة لضمان تقديم الجودة مثل الآيزو والسيكس سيجما والجودة الشاملة فأصبح لزاما إلزام مؤسسات الدولة بالعناية في هذا الجانب المهم في تقديم الخدمات العامة، ومن الأمور المهملة: التدريب والتطوير، فعدد العاملين في الجهاز الحكومي 70% منهم حملة شهادات ثانوية وهذا ولاشك يلزمنا بتدريب وتأهيل هذه الفئة لاعدادها لأخذ مكانها الوظيفي الصحيح في مؤسسات الدولة وأيضا التدريب للفئات الأخرى من حملة الشهادات العليا والوظائف الإشرافية من أجل ملاحقة التطورات الحديثة في الإدارة والتكنولوجيا وغيرها من العلوم الأساسية لتطوير العمل وأهمية ربط التدريب بالترقي والحصول على الوظائف الإشرافية والقيادية. ولا أريد أن أطيل على القارئ هنا في المواضيع الأساسية الحديثة في الإدارة التي يجب أن يتضمنها قانون الخدمة المدنية أو القوانين الإدارية الأخرى المنظمة للعمل الإداري لأنها كثيرة ويكفي أن تعرضنا لأهمها.
الإدارة العامة هي التي تقود التنمية ولذلك يجب أن تكون هذه الإدارة في تطور دائم وعلى قدرة في ملاحقة التطورات الإدارية والاقتصادية والتكنولوجية الحديثة حتى تستطيع أن تؤدي دورها في قيادة التنمية والتطور في البلد وأيضا إذا كنا راغبين في أن نرجع مكانة الكويت الاقتصادية وزعامتها الخليجية والعربية في الاقتصاد والاستثمار والتجارة يجب أن نكون متطورين أكثر منهم وفي رأيي المتواضع أن القاعدة البشرية الكويتية مؤهلة لهذه المهمة ولكن المشكلة في النظام القديم للإدارة والقوانين الإدارية المنظمة للعمل الإداري فنحن ولا شك بحاجة إلى تطويرها إذا ما أردنا تحقيق أهدافنا التنموية.
تعليقات