يشبه أزمة منطقة اليورو بالتيتانيك وبريطانيا أيضاً على متنها بقلم عصام الجارودي
الاقتصاد الآنديسمبر 13, 2011, 11:15 ص 1025 مشاهدات 0
أفشلت بريطانيا تعديلاً جوهرياً على معاهدة لشبونة يتيح معايير جديدة لاتفاقية الاستقرار والنمو التي ترعى اليورو والوحدة النقدية . لم ترتعد فرائص رئيس الوزراء ديفيد كاميرون جرّاء الانتقادات القاسية تجاهه من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، تحمله مسؤولية خرق شبه الاجماع في القمة الأوروبية في بروكسل اواخر الأسبوع الماضي . وأخال ساركوزي وميركل كانا سيسمعان كاميرون انتقاداً بلهجة أقسى، لولا بقية أمل لديهما في ترتيب البيت الأوروبي حؤولاً دون انفراط الوحدة النقدية وتقويض الاتحاد .
نقترب من المنطق إذ نقول، إنه ما كان على المانيا وفرنسا انتظار موقف من بريطانيا غير ما اعلنه كاميرون . موقفها معروف منذ ما قبل معاهدة ماستريخت التي خولت مؤسسات الاتحاد الأوروبي صلاحيات الدولة القومية وتأسيس الاتحاد كونفدرالية في ،1992 وبقيت بريطانيا خارج الوحدة النقدية واليورو .
ولم تتردد بعد تفشي أزمة المديونية عن مطالبة دول اليورو حل الازمة بنفسها . ألمانيا لم يعد في وسعها تقديم تنازلات مالية ومساعدات باتت مقيدة بقرارات من مجلس النواب (البوندستاغ) . فرنسا مثقلة هي الأخرى بديون . “الدفرسوار البريطاني” الأنجليكاني الهوى، الذي تربطه علاقات تاريخية على الضفة الاخرى من الأطلسي مع الحليف الأمريكي، لا يجد الآن اي دعم من هذا الحليف المثخن بجراح ازمة مالية تاريخية، وأزمة بطالة وتراجع حاد في مستوى المعيشة، في ما يتعلق بموقفه المعاند لتوجهات البيت الأوروبي عملة واتحادا . فالولايات المتحدة المتضرر الاول من خارج أوروبا في حال انهيار الاتحاد النقدي الأوروبي، نظراً للشراكة البينية التجارية والاستثمارية مع دول منطقة اليورو . حاول كاميرون في قمة بروكسل تحقيق مكاسب لبلاده نظير موافقته على معاهدة جديدة تبدأ مفاعيلها في آذار/ مارس 2012 بأمل انقاذ اليورو .
من بين المكاسب التي طلبها، تقديم الاتحاد الأوروبي ضمانات للمؤسسات المالية في سوق لندن المالية، الثانية عالمياً بعد وول ستريت، لاحتفاظ المصارف العاملة فيها بنسب اعلى من الاحتياطات المالية، وبحق انسحاب بريطانيا من المعاهدة متى وجدت مصلحة لها في ذلك . كانت الشروط البريطانية أشبه بقنبلة موقوتة في الاتحاد الأوروبي لم يشأ ساركوزي وميركل تسليم صاعقها لمن يحمل خلفية مناهضة لفكرة الاتحاد الأوروبي من أساسها .
هل هذه فعلاً “عزلة بريطانية” عن أوروبا كما سمّاها ساركوزي؟ رد طريف جاء من رئيس توليت بريبون المالية تيري سميث الذي قال ساخرا “هذه العزلة تشبه عزلة الذين رفضوا ركوب باخرة تايتانيك قبل ان تبحر بقليل”! بيد ان هذه السخرية لها من الأسانيد مقادير:
أولاً: ما صدر أصلاً عن القمة الأوروبية، لا يمثل حلولاً لمشكلة منطقة اليورو . لو سلّمنا جدلاً أن فرض عقوبات تلقائية على الدول الأعضاء المنتهكة معايير اتفاق النمو والاستقرار الراعي الاتحاد النقدي، فهذا للمستقبل، بينما يبقى الحاضر من دون ضمانة للخروج من استحقاقات أزمة المديونية .
ثانياً: ألمانيا نفسها عارضت منح المفوضية الأوروبية ومحكمة العدل الأوروبية صلاحية الرقابة المالية وتوقيع العقوبات المفترضة . وحجتها القوية أن هذه المهمة من صلاحيات البرلمانات المنتخبة من الشعب . يعني ذلك أن القمة ما زالت بعيدة عن تحقيق مشروع الحكومة الاقتصادية الأوروبية، لإلزام الدول الاعضاء في اليورو بسياسات مالية غير مناوئة للسياسات النقدية للمصرف المركزي الأوروبي .
ثالثاً: لم يجرؤ القادة الأوروبيون على توصيف دور المصرف المركزي الأوروبي . ساركوزي يطلب منه ما يتجاوز انخراطاً أكبر في مشروعات الحلول يهدد بتعطيله لاحقاً . وميركل تعارض الافراط في اعتماد المركزي ملاذاً رئيساً، لأن ذلك سيتطلب من المانيا مواربة اسهامات مالية اضافية، تبعاً لكونها مسهما أكبر في رأسمال المصرف .
رابعاً: المشكلة العويصة التي تهدد بإحباط كل محاولات الخروج من الأزمة تتمثل في توقعات النمو الاقتصادي في 2012 . بحسب توقعات دويتشه بنك، فنمو منطقة اليورو سيكون سالباً في 2012 بواقع 5 .0 في المئة . ولن يتجاوز 8 .1 في المئة في 2011 . اللافت توقع تراجع النمو ايضاً في ألمانيا، الاقتصاد الأول في الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو 2012 إلى صفر، من 9 .2 في المئة ،2011 عناصر ثلاثة تلعب دوراً سالباً في هذا المجال: خطط تقشف واسعة، تشدد المصارف الأوروبية في شروط التسليف للاقتصاد، مع ميلها نحو اعادة الرسملة وتراجع ثقة المستهلك .
يبدو أن الأمر قد أسقط في أيدي قادة أوروبا . لا أحد يجرؤ على القول بالحائط المسدود الذي تواجهه مشاريع حلول الانقاذ . وبالتكلفة الهائلة المتوقعة لانهيار اليورو . ومن قائل ان الأخيرة تبقى أقل من تكلفة الانقاذ . لكن هذا لا يعني أبداً أن بريطانيا ليست على متن سفينة التيتانيك .
تعليقات