موديز تدير العالم و تضغط على الإقتصاد الوطني اللبناني برأي الدكتور ماجد منيمنة
الاقتصاد الآنديسمبر 12, 2011, 10:07 ص 717 مشاهدات 0
خفّضت وكالة <موديز> الدولية توقعاتها للقطاع المصرفي اللبناني من مستقر إلى سلبي، لأسباب عدة أبرزها الاضطرابات في العالم العربي وخصوصا في سوريا• واعتبرت <موديز> أن أسباباً عدة ساهمت في هذا التراجع، منها البطء في النمو، كون الأصول والقروض المصرفية معرّضة للتأثر بمخاطر ما يجري من اضطرابات سياسية في عدد من الدول الإقليمية وخاصة في سوريا، أو تزامناً مع بطء النمو في عدد آخر منها كالأردن ومصر• وترتبط هذه التأثيرات بتغيّر أسعار العملات ونقص السيولة والاستثمارات الخارجية في الدول التي تعاني من اضطرابات• وتوقعت <موديز> تراجعاً في النشاط الاقتصادي وانخفاضاً في نمو القروض، وهو ما سيؤثر على ربحية المصارف• كما أضافت أن القطاع المصرفي اللبناني يتأثر بشكل كبير بالدين العام المقدّر بـ 60 مليار دولار•
وفي قراءة لخطوة <موديز>، فإن الوكالة قد غيّرت توقعاتها تجاه الاقتصاد الوطني ومنه القطاع المصرفي بشكل عام من مستقر إلى سلبي، ولكنها لم تخفّض تصنيف هذا القطاع بشكل خاص• وتعتبر هذه الخطوة علامة على أن الوكالة وضعت القطاع المصرفي اللبناني قيد المراقبة أو تحت المجهر•
كما أن هذه الخطوة هي بمثابة إنذار للبنان يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار• ومما لا شك فيه أنه في ظل المرحلة التي تمرّ بها البلاد، أصبحت مرونة مؤسسات التصنيف، أقل بكثير من قبل، مما يتطلب درجة عالية جداً من الوعي في إدارة المرحلة الحالية، فيما تشهد الدول في العالم خفضاً لتصنيفاتها الائتمانية، مما سيزيد كلفة تمويلها، ليواجه الاقتصاد اللبناني مخاطر سياسية إقليمية، مرتبطة خاصة بالوضع في سوريا، إضافة إلى تراجع في وتيرة نمو الاقتصاد اللبناني، وإعداد موازنة غير مشجعة، تشمل ارتفاعاً في العجز والإنفاق إلى جانب زيادة في الأجور قد تتم زيادتها إلى الموازنة• هذه العوامل مجتمعة ربما دفعت <موديز> للإقبال على هذه الخطوة، ويجب بالتالي أن تدفع صانعي القرار في لبنان إلى معالجة أكثر جدية لمشكلة الدين العام، وحذر أكبر في مقاربة الاقتصاد اللبناني في العام 2012 وعدم الخوض بقرارات سياسية قد تنعكس على الوضع الاقتصادي•
<الثلاثة الكبار> هو اللقب الذي يُطلق على أكبر ثلاث مؤسسات للتصنيف الائتماني في العالم، والتي يؤخذ برأيها بالنسبة لتصنيفها للقوة الائتمانية لاقتصاديات الدول في العالم، وهي <ستاندرد آند بورز> و <موديز> و <فيتش>•
مؤسسة موديز هي شركة قابضة، أسسها جون مودي في عام 1909، وتملك خدمة موديز للمستثمرين والتي تقوم بالأبحاث الاقتصادية والتحليلات المالية وتقييم مؤسسات خاصة وحكومية من حيث القوة المالية والائتمانية• وتسيطر مؤسسة موديز على ما يقارب 40% من سوق تقييم القدرة الائتمانية في العالم• والجدير بالذكر أن الشركات الكبرى الثلاث تأسست أصلاً في الولايات المتحدة الأميركية، في حين أن شركة فيتش لديها مقران رئيسيان أحدهما في نيويورك والآخر في لندن•
ولفهم كيفية عملها، لا بد من التذكير بأنه قبل ظهور بطاقات الائتمان المصرفية، كانت المصارف تطرح شيكات ائتمان، بينما كانت شركات التصنيف الائتماني تقدم مثل هذه الشيكات للشركات والدول والمنتجات المالية الأخرى• والفكرة تقوم على أساس مستوى التصنيف، فالولايات المتحدة مثلاً، تحظى بتصنيف هو الأعلى في العالم وهو AAA، وكلما تدنى مستوى التصنيف، ازدادت أقساط الفائدة التي يجب أن تدفعها الدول من أجل جلب الاستثمارات والمستثمرين عن طريق شراء السندات•
في الغالب، تتطلع شركات الاستثمار في العالم إلى مستوى تصنيف هذه المؤسسات لاقتصاديات الدول، وبناء على تصنيفها تقوم بالاستثمار في تلك الدول، وهم طبعاً يخشون من السندات في الدول ذات التصنيف المتدني، فهذا يعني أن الدول لن تتمكن من دفع المستحقات الواجبة عليها في الوقت المحدد، وبالتالي، فإن المستثمرين يبتعدون عنها بحثاً عن سندات أكثر أماناً، وهذا يعني هروب رؤوس الأموال خارج البلاد!•
ولكن هل يمكن فصل النتائج المعلنة لتلك الوكالات عن أي طابع سياسي؟•
طبعاً لا، لأن هذه الوكالات تستطيع من خلال أعمالها الضغط على الحكومات والتأثير في سياستها والتوقف عن شراء سندات الحكومة أو الاستثمار في أسواق تلك الدول جراء تقييم تلك الوكالات• ناهيك عن دور هذه الوكالات في تصنيف اقتصاديات ومالية الدول، وتحليل أنظمتها الاقتصادية وإعطاء تقارير للبنك الدولي الذي بدوره يمتنع عن إعطاء القروض الميسرة لهذا البلد أو تلك الحكومة•
إن لهذه المؤسسات من خلال تقييمها تأثيراً على القروض والفوائد، كما يمكن لها أن تؤثر في الانتخابات الحكومية، ففي كندا، وعندما انخفضت قيمة الدولار الكندي عام 1995، حاول رئيس الوزراء الكندي انذاك Jean Chrétien التصدّي لهروب رؤوس الأموال من خلال موازنة جديدة تضمنت تخفيضاً في الإنفاق، وقبل أن تتم مناقشة تلك الموازنة في البرلمان أعلنت مؤسسة <موديز> أن قدر التخفيض في الموازنة غير كاف، وأن المؤسسة تدرس احتمال خفض تصنيفها للسندات الكندية، ما دفع برئيس المعارضة الكندية إلى اتهام رئيس الوزراء بانتهاج سياسة مالية فاشلة اعتماداً على تقرير الوكالة•
كما أن السويد هي من تلك الدول التي عانت في هذا المضمار، ولقد حاولت الحكومة السويدية مواجهة هذه المشكلة، وعملت على تخفيض الضرائب على الدخل المرتفع، بسبب هجرة رؤوس الأموال للخارج مما تسبب بنقص إيرادات الدولة وارتفاع العجز وتخفيض التقديمات الاجتماعية، وقد اقترح رئيس الوزراء السويدي السابق Joran Person أثناء الحملات الانتخابية آنذاك، زيادة المخصصات المالية التي يحصل عليها العاطلون عن العمل والمرضى• ولكن رغم كل هذه الاجراءات أعلنت وكالة <موديز> في تقرير عالمي، يؤكد أن برامج الإصلاح المالي السويدي لا تزال غير كافية، ونتيجة لهذا التقرير انخفضت أسعار السندات السويدية آنذاك 30 نقطة، والأسهم 100 نقطة، وأخذ سعر <الكورون السويدي> بالانخفاض السريع• إن أفضل توصيف لهذا الواقع قد يكون في ما ورد في صحيفة <نيويورك تايمز> في تعليق على الصفحة الأولى بالقول: <إن موديز تُدير العالم>•
كما أن حدوث الأزمة المالية العالمية 2008 تؤكد طرح إشكالية لمدى مصداقية التصنيفات التي أطلقتها هذه الوكالات، ومدى انعكاسها على المصالح العامة؟ فبعض التساؤلات مطروحة في ما يتعلق بالوكالات والمؤسسات الدولية التي تُحدّد جدارة الإقراض، وتعمل على تنظيم الأسواق المالية بما فيها عمل البورصات المالية•
ومن الواضح أن ممارسات تحديد المعايير هي جزء جوهري من نظام السوق الحر وهي تقرر مصير الفاعلين الاقتصاديين بطريقة تمنح سلطة سياسية فعلية• وعلى الرغم من أهمية العمليات التي تقوم بها تلك المؤسسات والوكالات، والتي تعتبر أهم جانب من جوانب العولمة والتدويل، إلا أن هذه التقارير لا تطفو عليها حالة من الشفافية•
ألا يحق التساؤل عن ماهيّة هذه الوكالات على وجه الدقة؟ وهل هي منظمات تدّعي لنفسها السلطة المطلقة وتمارس سلطة عامة حكومية، في حين أنها ليست خاصة بالكامل وليست عامة بالكامل؟ هل هي جزء من التغيير في النظام العالمي؟ هل هي أداة أو جزء من منظومة التحكم الناشئة أم العكس؟ وهل يحق لنا الاعتقاد هنا بأنه يجب إعارة هذه المؤسسات والوكالات الانتباه الأكبر من قبل المسؤولين والسياسيين؟•
هنا، إننا نشكّك في حيادية ومصداقية المؤسسات الدولية للتصنيف الائتماني، إذ أنها تتعرض للضغوط والأهواء السياسية للدول الكبرى في العالم، وهناك حالات ونقاط ضعف تتغاضى عنها في دول بعينها في مقابل التركيز على دول أخرى وفقاً لتوجهات سياسية وتقاريرها التي تعمل لصالح الشيطان•
إن احتكار ثلاث مؤسسات دولية عالمية? للتصنيف الائتمانى قد أعطى قوة زائدة حتى أصبحت تقاريرهم محكاً لصعود وهبوط اقتصاديات دول ولا نستبعد تسييس هذه التصنيفات، وهناك شكوك قوية حول مصداقيتها وأهدافها وهناك حالات ونقاط ضعف?تتغاضى عنها هذه المؤسسات في دول وفقاً لتوجهات سياسية معينة• لذلك المطلوب خضوع هذه المؤسسات للتقييم مثلما تقوم هي بتقييم اقتصاديات العالم للتأكد من مصداقيتها والأسس التي تعتمد عليها في كل التقييم• كما أن هذا التخفيض الأخير سوف يطال حكماً درجة الاستقرار والضمانة المالية للبنوك اللبنانية، الأمر الذي سوف ينعكس سلباً على القطاع المصرفي برمته، وبالتالي ظهور محفظة جديدة من الديون غير المنتظمة التي تتطلب بدورها مؤونات ومخصصات تصيب ربحية المصارف لسنوات مقبلة• ومن المؤكد أنه في حال عدم الامتثال إلى الطلبات والقرارات الدولية فإن القطاع المصرفي سوف يتأثر بالتصنيفات العالمية في المرحلة الراهنة، وكذلك سوف يتأثر بالوضع الداخلي وتراجع نشاطات قطاع الأعمال، حتى أن تأخذ المصارف الإجراءات وتتريث في شأن منح القروض والتسليفات داخل قطاع الأعمال، خاصة وأن العقوبات الاقتصادية المفروضة سوف تترك تداعيات سلبية على الأعمال مما سوف يضطر المصارف ويجبرها على رفع مؤونة الديون المشكوك بتحصيلها، كما أنها ستضطر إلى تقديم مزيد من الضمانات المالية للمصارف الخارجية في حال الاعتمادات الخارجية، وأم على المستوى الداخلي من حيث الاقتراض•?
والمطلوب اليوم من السياسيين اللبنانيين أن يأمنوا تلك الحياة السياسية السليمة والصحيحة التى ليس فيها ما يُعكّر صفو مستقبل الشعب، لأن هذا الشعب يريد أن يبدأ صفحة جديدة في تاريخ هذه المنطقة المليء بالكفاح من أجل العيش الكريم، والذي يطمح إلى افضل المستويات التي يمكن الوصول إليها• إن المنطقة لم تشهد مرحلة على مر التاريخ يمكن بأن نقول بانها مرحلة استقرار أو فيها من الرخاء قد نعم بها هذا الشعب، وإنما كانت حالة دائمة من النضال والكفاح المستمرين والاضطرابات السياسية التي لم تهدأ على كر العصور• وقد حان الوقت من أجل إراحة هذه الشعوب من ظلم هذه المؤسسات الدولية التي لا تعمل إلا لمصلحة الأقوى!•
تعليقات