إسلاميو الجزائر يغازلون 'الربيع العربي'
عربي و دوليديسمبر 12, 2011, 9:29 ص 880 مشاهدات 0
فقد التيار الاسلامي في الجزائر الكثير من نفوذه منذ تحولت محاولته الاخيرة للفوز بالسلطة الى صراع دموي، لكنه يسعى الى هذا مجددا الآن، معززاً بنجاحات الاسلاميين في دول أخرى بشمال افريقيا في أعقاب موجة انتفاضات «الربيع العربي».
واستبعد معظم الاسلاميين في الجزائر من الحياة السياسية منذ الصراع، لكن في الاشهر القليلة الماضية أظهروا بوادر على تجدد نشاطهم الذي يمارسون معظمه من الخارج، حتى لا يلفتوا أنظار الحكومة الجزائرية.
وأقاموا قناة تلفزيونية فضائية مقرها اوروبا، وأرسلوا وفودا الىدول عربية شهدت انتفاضات هذا العام، وكانت لهم مشاركات مترددة في الاحتجاجات المناهضة للحكومة.
لكن احتمالات نجاحهم ضئيلة، فهم منقسمون الى معسكرات أيديولوجية متناحرة، تحاصرهم أجهزة الامن الجزائرية القوية، والاهم من ذلك أن صورتهم باتت مشوهة في عيون كثيرين، بسبب الصراع الذي شاركوا فيه وأسفر عن مقتل نحو 200 الف شخص.
وقال عضو مجلس قيادة الجبهة الاسلامية للانقاذ المحظورة في الجزائر عبدالله انس، ويقيم في لندن «كانت تونس مثلاً ومنصة انطلاق لهذه الثورة (الربيع العربي)». وأضاف «يمكن أن تكون مثالا جيدا جداً للجزائر».
ولكي ينتعش الاسلاميون من جديد في الجزائر عضو منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) التي تمد أوروبا بنحو خمس وارداتها من الغاز الطبيعي فلابد أن يتخلصوا أولا من عبء التاريخ الدموي للبلاد.
منذ 25 عاماً كانت الجبهة الاسلامية للانقاذ بصدد الفوز بانتخابات تشريعية، تمت الدعوة لاجرائها بعد أن أجبرت احتجاجات الشوارع السلطات على تخفيف قبضتها على السلطة. وقالت الجبهة حينذاك انها ستقيم دولة اسلامية.
وتدخلت الحكومة المدعومة بالجيش لالغاء الانتخابات. وحمل الاسلاميون السلاح، وانزلقت الجزائر الى عنف دموي، وذُبح المدنيون في الشوارع، وكان الناس يستيقظون في الصباح ليجدوا جثثا متناثرة في بلداتهم. ولاتزال مجموعة من الاسلاميين - تعمل تحت اسم تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي - تقاتل. وينصب التنظيم أكمنة من حين إلى آخر تستهدف قوات الامن في الريف، ويخطف غربيين وينفذ تفجيرات انتحارية، لكن العنف تراجع بدرجة كبيرة.
وأسفرت حملة أمنية ضخمة عن اعتقال آلاف المتشددين. وألقى آخرون أسلحتهم، وتم العفو عنهم مقابل التعهد بالابتعاد عن العمل السياسي. وتمثل هذه التركة اكبر عقبة في طريق عودة الاسلاميين بالجزائر.
وقال امام مسجد مرسيليا السابق صهيب بن الشيخ في فرنسا، حيث توجد جالية جزائرية كبيرة «منذ ذلك الحين، لم يعد الاسلامي يعتبر بطلا يقف ضد الطغيان، على النقيض بات في أعين الرأي العام مسؤولا عن ألم ومعاناةالناس».
ويساعد الخوف من العودة الى العنف في تفسير الهدوء النسبي الذي ساد الجزائر هذا العام، في الوقت الذي شهدت فيه دول مجاورة اضطرابات. غير أن الاسلاميين لايزالون يعتقدون أن الجزائر جاهزة للتغيير، وبدأوا يتخذون خطوات عملية.
في نوفمبر الماضي أنشأت مجموعة من الاسلاميين الذين يعيشون في المنفى ويرتبطون بصلات بالجبهة الاسلامية للانقاذ قناة تلفزيونية، مقرها اوروبا، تحمل اسم تلفزيون رشاد. ويحملها القمران الاصطناعيان اتلانتيك بيرد 7 ونايلسات، ويمكن التقاطها في الجزائر، حيث تملك معظم المنازل أطباقا لاستقبال البث الفضائي.
وتبث برامج سياسية واجتماعية، حيث توجه الدعوة إلى قيادات ونشطاء المعارضة، ومعظمهم ينتقدون الحكومة بشدة للتعقيب على الشأن الجزائري.
ويقول جزائريون في الخارج انهم يجرون اتصالات مع دول أخرى قادت فيها انتفاضات «الربيع العربي» الى صعود الاسلاميين للسلطة.
وتقول حركة رشاد على موقعها على الانترنت انها أرسلت وفدا الى ليبيا في اواخر سبتمبر الماضي، للالتقاء بمسؤولين في الحكومة الجديدة التي يلعب الاسلاميون فيها دوراً لا بأس به.
ويقول الاسلامي الذي يعيش في لندن عبدالله انس، انه جرت اتصالات مع زعيم حركة النهضة الاسلامية التونسية المعتدلة راشد الغنوشي. وتقود حركته حكومة ائتلافية في تونس منذ اجراء الانتخابات في اكتوبر الماضي. ويرى أنس أن التجربة التونسية أثبتت أن بالامكان فتح المجال السياسي في شمال افريقيا.
وقال «على كل من في الجزائر أن يفهموا أن الجزائر بها مكان للجميع، مهما كانت آراؤهم». ودعا الى ازالة القيود السياسية ليصبح احتمال اقتسام السلطة بين المجموعات التي كانت متناحرة في ما سبق ممكنا.
داخل الجزائر يمثل السلفيون القوة الاسلامية الاكثر نفوذاً، ويختلف وضعهم عن وضع الجبهة الاسلامية للانقاذ، إذ تتقبلهم الحكومة الجزائرية، لان قناعاتهم تمنعهم من الانخراط في العمل السياسي.
حين هزت احتجاجات الجزائر في بداية هذا العام كان سببها ارتفاع أسعار المواد الغذائية، قال الزعيم الروحي للسلفيين في الجزائر «ما دام الحاكم مسلما فلابد من الانصات له. فإن المجتمعين ضده قصدهم منازعته في منصبه واحلال غيره محله، وقد حرّم النبي منازعة السلطان في امارته ما دام مسلماً».
غير أن هناك بوادر نشاط سياسي لبعض الدعاة السلفيين. وأصدر العضو السابق بالجبهة الاسلامية، الشيخ عبدالفتاح زراوي، الذي أصبح الآن إماماً سلفياً معروفاً في العاصمة الجزائرية، بياناً في اكتوبر الماضي، قال فيه إن على الحكومة تطبيق اصلاحات عاجلة.
وقال الصحافي والمتخصص في الدراسات الاسلامية محمد مولودي، ان انقسام الاسلاميين الجزائريين يقلل من قدرتهم على العودة.
وأضاف لـ«رويترز»: «ما عادوا يتحدثون بصوت واحد». ومضى يقول «هناك السلفيون والاخوان المسلمون وغيرهم، هناك من يؤيدون العمل السياسي ومن يعتبرون العمل السياسي حراماً».
وعلى الرغم من هذا فإن مناقشات جادة تجري داخل النخبة الجزائريةالحاكمة للمرة الاولى منذ بدأ الصراع قبل 20 عاما بشأن اعطاء الاسلاميين دوراً في الحياة السياسية.
وتتركز هذه المناقشات - التي تجري خلف ابواب مغلقة وهو الوضع المعتاد في السياسة الجزائرية - على مسألة من سيخلف الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة حين تنتهي ولايته الاخيرة في .2014
ويدعم أحد المعسكرات داخل النخبة عبدالعزيز بلخادم، رئيس الوزراء السابق والامين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، وهو علماني يحظى بثقة الاسلاميين، ويعارضه معسكر من العلمانيين المتشددين الذين يتمتعون بدعم قوات الامن.
وظهر الخلاف علناً حين شنت مجموعة من معارضي بلخادم داخل حزب جبهة التحرير حملة لاقالته من قيادة الحزب.
وقال أكاديمي علماني بجامعة الجزائر «من الحكمة تعزيز رجل مثل عبدالعزيز بلخادم، الذي يرتبط بعلاقات جيدة بالاسلاميين وايضا بصناع القرار داخل النظام. يجب أن يضع صناع القرار في الحسبان أن الاسلاميين سيحكمون شمال إفريقيا».
تعليقات