إشكالية ضبط الميزانية مع الحفاظ على زيادة الإنفاق يتعلق بقدرة الإدارة العامة برأي محمد عصفور
الاقتصاد الآنديسمبر 3, 2011, 2:25 م 794 مشاهدات 0
يعتبر عجز الموازنة العامة مشكلة لم تعد مقصورة على الدول النامية أو الفقيرة أو الصناعية أو الرأسمالية أو حتى النفطية، بل باتت سمة عامة لكل الدول وأصبحت القاعدة وليس الاستثناء، فالقلة القليلة من الدول في العالم التي لا تعاني من عجز في موازنتها العامة، وبالتالي كان هناك سيناريو رئيسي واحد يوصف لمواجهة العجز في المالية العامة اضافة الى سيناريوهات أخرى لكنها كانت تتبدل وتتغير وفق طبيعة العجز ومصدره ووضع الاقتصاد بشكل عام. فالسيناريو الذي شكل قاسما مشتركا للوصفات عند وجود العجز المالي هو أن يصار الى ترشيد الانفاق، لدرجة أن مصطلح ترشيد الانفاق وصل الى حالة لم تعد له من امكانية لوضع آليات عمل مناسبة للترشيد وأنه حتى وان نجحت بعض هذه الآليات في احداث تراجع حقيقي في الانفاق العام فان هذا يكون على الغالب محدودا ولفترات قصيرة يعود بعدها زخم الانفاق الى ما كان عليه.
ان هذا الطرح لا يعني أن يتم التخلي عن سيناريو ترشيد الانفاق كأحد أوجه التصدي للعجز المالي بل ان الامر هنا يتصل أشد الاتصال بوضع الاقتصاد الوطني، فاذا كانت هناك مخاوف من دخول الاقتصاد مرحلة التراخي أو الانكماش فان هذه الحالة تتطلب بالضرورة اتباع كل الوسائل التي من شأنها زيادة الطلب الفعال وبالتالي زيادة الانفاق ذي التأثير المباشر على موضوع خلق مزيد من الطلب الفعال اللازم.
الواقع ان تطور ادارة الاقتصاد في أدبياتها الحديثة تناولت هذه الاشكالية اذ كيف يمكن أن يكون ترشيد الانفاق في وقت لا بد معه من أن نزيد الانفاق أي كيف يمكن أن نعالج العجز المالي بينما علينا أن نعالج عدم الانزلاق في الانكماش الاقتصادي ذلك أن الدواء للعجز قد يتضارب مع الدواء للانكماش، والواقع أن الادبيات الاقتصادية في هذا الأمر أوجدت مخرجا يتصل بما يسمى بالانتاجية الحدية أو المردود الحدي لكل دينار ينفق، فالأصل أن يكون أثر الانفاق ايجابيا على الاقتصاد وعلى أداء الموازنة العامة والأصل في الانفاق العام سواء أكان انفاقاً متكرراً أم رأسمالياً أن يكون انفاقاً منتجاً، فعندما نقول بزيادة الرواتب بما نسبته مثلاًَ 10% فعلى الخدمات المقدمة أن تزداد كماً ونوعاً بما يساوي هذه النسبة أي أن يكون هدف الانفاق هو اداء اقتصاديا يحقق زيادة بمستوى معين.
ان تحقق الزيادة في انتاج الخدمة الحكومية بما يوازي الزيادة في الانفاق العام المتكرر لا يؤول الى مزيد من العجز، فالامر اذاً مرتبط أشد الارتباط بالادارة وهذا يقودنا بدوره الى القول ان الاصلاح الاداري المتصل بالادارة المالية وادارة الموارد وادارة الانفاق ضمن موازنة البرامج والأداء، هذه المفاصل الادارية هي مفاتيح هامة باعتبارها هي في النهاية التي تشكل الفيصل الحقيقي في انهاء اشكالية ترشيد الانفاق في حالة العجز المالي وزيادة الانفاق في حالة الاقتراب من مؤشرات الركود الاقتصادي.
تعليقات