الساحة السياسية بعد استجواب نوريه
محليات وبرلمانالشعبي-حدس-السلف-الإسلامية الجديدة- الطبطبائي-الحريتي-جوهر-الحكومة
يناير 26, 2008, منتصف الليل 918 مشاهدات 0
انتهى استجواب وزيرة التربية ووزيرة التعليم العالي السيدة نوريه الصبيح الأسبوع الماضي بتجديد الثقة بها ب27 صوتا مقابل 19 رفضوا تجديد الثقة فيها، وامتناع عضوين عن التصويت.
ولا شك أن الاستجواب وتجديد الثقة بالوزيرة يعد صناعة للتاريخ وإضافة للمسيرة البرلمانية الكويتية، ولكن لا يشك المراقبون بأن لكل معركة سياسية آثارها وتبعاتها وانعكاساتها على الساحة السياسية ككل، وخصوصا منذ أن تحول الاستجواب من أداة رقابية إلى أداة لتصفية الحسابات السياسية منذ استجواب وزير الإعلام الأسبق الشيخ سعود الناصر.
وفي ما يلي استعراض لمواقف عامة للكتل السياسية، ولموقف الحكومة وموقف الأطراف الداخلة في اللعبة السياسية بشكل أو بآخر:
الوزيرة-أداء-ثقة-كله بثمنه:
لا شك بأن وزيرة التربية خرجت من الاستجواب وتجاوزته، وأجمع كثير من المراقبين بأن أدائها كان مفخرة للمرأة بشكل عام، وبأنها أظهرت قوة خالفت كثيرا الصورة النمطية التي تظهر المرأة بمظهر الضعيف. لكن خصومها يقولون بأنها ما كانت لتظهر هذه القوة لو لم تدخل الاستجواب وهي متأكدة من أن ظهرها محمي وليس بمكشوف، على عكس من دخلوا الاستجواب في الماضي وهم مهيضوا الجناح ومكشوفو الظهور مثل وزير الصحة الأسبق – الدكتور محمد الجارالله وأنور النوري (وزير المالية الأسبق) وعلي الجراح (وزير النفط الأسبق)، أو استجواب أحمد العبدالله (وزيرا الصحة الأسبق) الذي انكشف ظهره للتسلل السياسي في الوقت بدل الضائع.
ويضيف خصومها بأنها حققت الثقة بتقديم التنازلات من أجل البقاء، وقد دخلت في لعبة البقاء والمساومات السياسية كمنع 'الاختلاط' في الجامعات الخاصة للنواب 'الإسلاميين'، ولا بد أن تدفع ثمن هذه المقامرة عاجلا أم آجلا، وأن الوزيرة –وإن بدت قوية بتجاوز الثقة- إلا أنها مهيضة الجناح في القادم من الأيام، وفي عنقها الكثير من 'الجميل' لنواب وكتل سياسية، ستعمل على رده لهم، وإن على حساب برنامجها وما يتوقعه الكثيرون من مؤيديها.
على أية حال، فإن الصبيح قد سجلت سوابق تاريخية باستجوابها وتجديد الثقة بها بغض النظر عن الموقف من المسألتين.
الشريع: الاستجواب أنقذ الوزيرة:
امتدح البعض أداء الشريع في الاستجواب من حيث أنه قدمه بهدوء وامتنع عن عرض بعض صور الحفلات الراقصة وبعض الآيات القرآنية التي تم العبث بها وكتابة ما لا يليق بها عليها.
لكن المراقبون يرون أن الشريع تسرع في استجوابه، وشخصنه أكثر من اللازم، وبأن كثيرا مما أتى في مادته لا يرقى إلى طرح الثقة به، وهذا صحيح في الأحوال العادية، لكن ما احتواه الاستجواب كان أقوى بكثير مما حوى استجواب د. أحمد الربعي حين كان وزيرا للتربية، وأكثر مما احتواه استجواب الجراح أو أحمد العبدالله وآخرين.
ويرى بعض المتابعين أن قلة خبرة الشريع وتعجله في تقديم استجوابه وعدم وتنسيقه مع الكتل، كانت جميعا عوامل أنقذت الوزيرة من الاستقالة، وقطع الطريق على استجواب كان يمكن أن يكون أكثر 'دسما'، كذاك الذي كان يعده الدكتور حسن جوهر.
فالوزيرة كانت تحت ضغط المطالبات الشعبية والبرلمانية بتقديم استقالتها نتيجة إدارتها لأزمة الاعتداء الجنسي على تلاميذ العارضية، وإنكارها الحادثة ثم اعترافها بوقوعها بلغة رأى فيها معارضوها استفزازا للضحايا وعوائلهم، إلى أن قدم الشريع استجوابه، فتحول الجدل من: هل تقدم الوزيرة استقالتها تحملا للمسئولية السياسية نتيجة ما حصل في العارضية؟ إلى تساؤل: هل يرقى الاستجواب إلى طرح الثقة فيها؟ وكان الجواب بالنفي على السؤال الثاني، وبذا يكون الشريع- عمليا- قد أنقذ الوزيرة.
مواقف القوى السياسي:
التكتل الشعبي-نهاية بريق المعارضة:
كان التكتل الشعبي أكبر الخاسرين من هذه المعركة، فقد تفرق للمرة الثانية على موضوع هام- طرح الثقة في وزيرة مستجوبة كان التكتل قد طالب رسميا على لسان ناطقه الرسمي باستقالتها، وحكم تصويت التكتل إما الالتزام بموقف التكتل المعلن منذ اندلاع أزمة تلاميذ العارضية، وإما مناطقيا (حسب الدوائر الخمس) حيث صوت نواب التكتل في المنطقتين الرابعة والخامسة ضد الوزيرة، بينما صوت السعدون في الثالثة وسيد عدنان وأحمد لاري مع الوزيرة). وبقي حسن جوهر خارج هذه الحسبة لحسابات استجوابه الذي أجهضه الشريع بتسرعه كما سنبين أدناه.
صحيح أن الاستجواب قد لا يرقى إلى طرح الثقة، لكن تشتت أصوات الشعبي أنهت اسطورته الجبارة بالتماسك، وربما يحتاج إلى زمن وقضايا ساخنة لاستعادة بريقه الشعبي الذي فقده بعد هذا الاستجواب. وقد أعقب تشرذم التكتل بعبارات الإشادة بالحكومة التي صدرت مؤخرا من زعيمه أحمد السعدون التي راح خصوم الشعبي يفسرونها 'يمنة ويسرة'، ويدخلونها ضمن حسابات الاتنخابات وطلاق قد يكون بائنا بين أعضاء التكتل.
تكتل العمل الوطني- تعزيز الفئوية:
لا شك بأن كتلة العمل الوطني قد استماتت دفاعا عن الوزيرة، وشعرت بأنها نجحت في إنقاذ الوزيرة، وتحاول استثمار هذا 'الانتصار' بخلق هالة حولها يرى خصوم الكتلة بأن نشوة الانتصار سوف تتلاشى بمستجدات جديدة أو باقتراب الانتخابات وتفرق الرؤى.
وقد عاب مراقبون على الكتلة بأنها بدأت بحملات صحفية وعلى شكل ندوات عامة تدافع فيها عن الوزيرة قبل أن تدافع الوزيرة فيها عن نفسها، وخرجت من ندواتها لغة أقل ما يقال عنها بأنها 'فئوية ومناطقية'، وراعت المصالح الانتخابية أكثر مما راعت الموضوعية، وبذا فإن التكتل والتحالف الوطني الديمقراطي قد عززوا صورتهم المناطقية والفئوية، منافين بذلك طروحاتهم وشعاراتهم الوطنية، وساهموا في خلق شرخ مناطقي وفئوي غير مرغوب بين 'حضر وبدو'.
صحيح أن خصومهم في الخندق المقابل لم يكونوا بأكثر منهم وطنية، حيث أن قائدهم في هذه المعركة الدكتور سعد الشريع قد أتى عن طريق انتخابات فرعية، ولكن خصومهم لم يكونوا يحملون راية 'الوحدة الوطنية' والعمل الوطني أبدا. لذا فإن اللوم على من يرفع هذه الشعارات أكثر ممن جاءوا على صهوة القبيلة السياسية 'جهارا نهارا'.
الحركة الدستورية الإسلامية (حدس)- هل تلاحقهم الصبيح في الخمس؟:
يرى كثيرون أن الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) أثبتت في هذا الاستجواب أن الدين شئ والمصالح السياسية والانتخابية شئ آخر، وكان من غرائب تبرير تأييدهم للوزيرة ما كتبه منظر الحركة جاسم مهلهل الياسين من أنها أهل للمسئولية 'لحسبها ونسبها'، ولم يتم تصحيح أو توضيح أو اعتذار من هذا المبرر غير الديني وغير الدستوري من قبل الحركة أو منظرها.
ويبدو أن قرارا حزبيا صدر لنواب حدس بالوقوف مع الوزيرة، وواضح أن أكبر الخاسرين من هذا القرار هما نائبي الحركة في المنطقة الرابعة التي بها العارضية (محمد البصيري وخضير العنزي)، ومعروف أن هذين النائبين واجها ضغوطا شعبية لتبرير موقفهما في منطقتهما، وهما لا يزالان يتذكران ما حل بالحركة بعد وقوفها مع الصبيح (الأول)، ويخافان من ملاحقة تأييد الصبيح (الثانية) لهما في الانتخابات القادمة، لكن الحركة تراهن على استمرار المجلس وتجدد المعطيات وأحداث تمحو من ذاكرة الناخب موقف نوابها من الوزيرة.
السلف-البحث عن هوية:
باستثناء النائب وليد الطبطبائي، فإن السلف صوتوا مع الوزيرة بالامتناع: أحمد باقر وعلي العمير، وقد رأى معظم مؤيدي الحركة أن تصويتهم كان تصويتا مصلحيا انتخابيا بحتا، ويبدو أنهم سيقعون في حرج كبير حين مواجهة قواعدهم وبالذات في المناطق الخارجية. وسوف يجدون حرجا أكبر بتجدد أطروحاتهم المتشددة تجاه التعليم والمرأة والحجاب و'الاختلاط' وغيرها.
الاسلامية الجديدة:
هناك من يرى أن الإسلامية الجديدة قد ثبتت نفسها وإن مؤقتا في هذا المجلس، وبأنها سرعان ما تتلاشى مع الانتخابات القادمة خيث ستدخل الحسابات الانتخابية والشخصية في تفرق المواقف بين أعضاء الكتلة الذين غالبيتهم من الدائرة الخامسة، ولكنها في الوقت نفسه أثبتت أن هناك سلفا من المناطق الداخلية (باقر والعمير) وسلفا (وقريبون من السلف) من المناطق الخارجية (جابر المحيلبي والعدوه وبورميه والشريع).
المستقلون:
مثلما أوردتنا في قراءة سابقة، فإن المستقلين لم يتبنوا خطا واحدا، وبدوا كما كانوا في السابق، كتلة هلامية لا لون ولا طعم ولا رائحة لها، فصوتوا شرقا وغربا –كلا حسب هواه ومصالحه الشخصية والانتخابية.
(أنظر الرابط http://alaan.cc/client/pagedetails.asp?nid=8211&cid=29
مواقف نابية خاصة-الحريتي-الطبطبائي-جوهر:
أثبت النائبان حسن جوهر ووليد الطبطبائي بأنهما منسجمان قدر الإمكان مع ما يقولانه، وذلك بغض النظر عن مصالحهما الانتخابية، ووقفا ضد الوزيرة رغم ما قد يكلفهما ذلك انتخابيا، وقد يحسب لهما هذا الانسجام مع النفس مستقبلا. لكن خصوم الطبطبائي تحديدا يشيعون أنه وقف ضد الوزيرة ضمن اتفاق جنتلمان بعد أن تأكد من اجتيازها للعدد المطلوب.
ويأتي وقوف الحريتي مع الوزيرة- كأول نائي عازمي لا يقف مع العوازم أسقط 'أسطورة الالتزام العازمي' المطلق في التصويت مع القبيلة 'ظالما أو مظلوما'، وهو موقف يحسب له وسوف يستثمره الوطنيون من أبناء القبيلة (وهم كثر)، ولكن خصوم الحريتي في الانتخابات بدأوا يروجون بأن موقفه موقفا انتخابيا بحتا وبأنه لا يريد الاعتماد على أصوات العوازم في الانتخابات القادمة في الدائرة الأولى التي تشكل قبيلته فيها حوالي 10% من أصوات الناخبين، وبأنه صوت مع الوزيرة مغازلة للأصوات خارج القبيلة.
الحكومة والمحاصصة- الفشل الذريع:
أظهرت المعركة أن فلسفة المحاصصة فلسفة فاشلة و'خائبة' في نفس الوقت، فتوزير وزير عازمي لم يوقف استجواب أحد الوزراء من قبل عضو عازمي ولا وقوف نواب العوازم (عدا الحريتي) ضد الوزيرة.
وتوزير اثنين من الشيعة، لم يحشد الصوت الشيعي لصالح الحكومة: (صوت سيد عدنان وأحمد لاري مع الحكومة، بينما صوت صالح عاشور وحسن جوهر ضد الوزيرة).
أما باقي الوزراء، فهم إما شيوخ لا أثر ولا تأثير لهم على المجلس (لم ينقذوا ابنا عمهم أحمد العبدالله وعلي الجراح)، وإما هم من نوعية 'روح تعال' الذين لا تأثير لهم حتى على زوجاتهم.
كما أن شائعات الضغوطات والإغراءات وشراء المواقف النيابية لاحقت الحكومة في معركتها لإنقاذ وزيرتها الوحيدة.
وعليه فإن فلسفة تشكيل الوزراة بحاجة إلى إعادة نظر واسعة قد نتطرق لها في تحليل خاص مستقبلا عن وضع الحكومة إجمالا.
تعليقات