الصعود الدبلوماسي الكبير لدول الخليج الصغيرة
عربي و دولينوفمبر 22, 2011, 12:07 ص 3458 مشاهدات 0
رغم كبر حجمه، يتراجع نظام دمشق داخل نفسه منكمشا بانتظام منذ نهاية أكتوبر2011م، ففيما كان الجميع ينتظر وزير الخارجية وليد المعلم ليعطي ردا على خطة تسوية الأزمة السورية، تملص من اللجنة الوزارية العربية بمناورة سياسية يدعمها خطاب إعلامي سوري بأن محرك الأمور في المنطقة هي الدول الكبرى، فتحول حضوره للدوحة أقرب إلى كسر هيبة منها إلى إعلاء شأن، ولم تثمر هذه الخطوة لصالح دمشق، كما يراد لها استرجاعا أن تكون، فجاء قرار تعليق عضوية دمشق في الجامعة غير مفاجئ، بل في سياق انهيارات الكبار الآفلين سياسيا في المنطقة وبزوغ الصغار.
المشهد السابق يطرح ظاهرة الصعود السياسي لدول الخليج، وهو صعود تبدت ملامحه في سياق ما حققته على مسرح الربيع العربي، حين كانت الجامعة العربية تبكي على واقع لا تملك همة النهوض لتغييره، حيث يطرح الصعود مجموعة تساؤلات منها المدى المتوقع لهذا الصعود، وتحول الدول الصغرى بأدواتها الجديدة لقوة كبرى على مسرح العلاقات الإقليمية والدولية، وما رؤية مجلس التعاون والجامعة العربية والدول الكبرى لهذا الصعود في ضوء نظرية صعود الدول الصغرى؟
تعتبر دول مجلس التعاون دون استثناء من الدول الصغيرة التي تأخذ هذه الصفة لفقرها أو صغر مساحتها أو قلة سكانها، لكنها تتشابه في المعاناة في مواجهة الأحداث الخارجية. والموقف المعلن من قبل الخليجيين هو أن الصعود كلاعب رئيسي في الربيع العربي سيأخذ نهجا واسعا وطويلا، يأتي على قمته تسخير أدوات القوة الناعمة الخليجية من قوة اقتصادية ودبلوماسية وإعلامية لمصلحة الشعوب وليس الأنظمة العربية. كما أن من المتوقع أن تنتقل العدوى من الشعوب بعد أن تأخذ مداها، إلى الحكومات بمعنى ظهور تكتلات دولية تساعد شعوب دول إقليمية مجاورة للخروج من محنتها السياسية، سواء في آسيا أو إفريقيا أو حتى القارة الأميركية، ويكفي أن نرى الــ300 ألف شخص الذين نزلوا إلى شوارع تل أبيب للمطالبة بالعدالة الاجتماعية وتحسين ظروفهم الاقتصادية، وحركة احتلوا وول ستريت « Occupied the Wall Street» التي كان الربيع العربي ملهمها رغم مكابرة محركيها. أما المدى المتوقع لتحول الخليجيين بأدواتهم الجديدة لقوة كبرى على مسرح العلاقات الإقليمية والدولية، فقد تحقق الجزء الأكبر منه داخل جامعة الدول العربية، حيث إن الدوحة وأبوظبي قد أصبحتا موازيتين لباريس وأنقره في قضايا ليبيا وسوريا، فيما الرياض مرجعية للجهد الدولي لما يحدث في اليمن. لكن هناك معوقات قد تظهر نتيجة تحولات جذرية على المستوى الدولي تفرض تغيرا في نهج الدبلوماسية الخليجية، ومن تلك التحولات الموقف الصيني والروسي المصلحي حد الميكافلية، كما أن هناك الخوف من وصول الإسلاميين للسلطة، ليس من الغرب هذه المرة، فمباركة السيدة كلنتون للديمقراطية الإسلامية كانت بوضوح الشمس في رابعة النهار، بل خوف من الحكومات العربية منفردة. كما قد يحد من دبلوماسية الدول الخليجية الصغيرة بعض المشاكل الداخلية ذات الأبعاد الخارجية التي من المحتمل أن تفرض تداعياتها على الصعود المذهل حاليا، مثل ملفات حقوق الإنسان والديمقراطية والفساد، ولأن الصعود الخليجي قد فرض تغيرات هيكلية في بنية النظام العربي فقد فرض أيضا تداعيات عدة، فدول الثقل الإقليمية التقليدية اعتبرته تحدياً لهيمنتها فيما باركته دول أخرى ينمي الإصلاح مصالحها. لقد سبق أن ظهرت دولة الكويت والآن دولة قطر على مسرح العلاقات الدولية وحولت العبء الاستراتيجي في صغر مساحتها وقلة سكانها وكثرة الطامعين في ثروتها، إلى ميزات عدة منها أن في الصغر هامشا أكبر للحركة، وإدراكا عميقا لمشاكل لا تعرفها الدول الكبرى.
إن فتح أبواب مدرسة العلاقات الدولية تلك هو استثمار لميراث تاريخي بناه صباح الأحمد وطموح مستقبلي يديره حمد بن جاسم، لصعود دول الخليج الصغيرة لمسرح الأحداث الإقليمية والدولية مسلحة بالقوة الناعمة. حيث كتب على باب تلك المدرسة «حذاري من الدول الصغيرة، فهي ضحية الدول الأكبر منها، لكنها مصدر خطر عليها أيضا. فهل قرأت طهران تلك الجملة التي قالها منظر اللاسلطوية الروسي ميخائيل باكونين»Mikhail Bakunin» قبل 160 عاما وهي تتحدي المجتمع الدولي بعد الكشف عن مسعاها للحصول على السلاح النووي، أم تجاهلت التحذير كما فعلت حكومة دمشق؟
تعليقات