غازي العياش: شطب الاستجواب غير دستوري

زاوية الكتاب

كتب 2811 مشاهدات 0

د.غازي العياش

اعد استاذ القانون الدستوري في قسم القانون بكلية الدراسات التجارية د. غازي العياش دراسة دستورية عن مدى جواز رفع الاستجواب من جدول أعمال مجلس الأمة ومدى تأثير قرار المحكمة التفسيري عليه؟

وقال العياش في بداية دراسته: دار ومازال جدل كبير حول مدى إمكان رفع الاستجواب من جدول اعمال مجلس الامة، وقيام الحكومة بتقديم طلب بشطب الاستجواب من جدول الاعمال متذرعة بالقرار التفسيري للمحكمة الدستورية في تحديد مسؤولية رئيس مجلس الوزراء وتمسك الحكومة بأن قرار المحكمة ملزم ويجب شطب الاستجواب. وكإجابة استباقية نقرر الحقائق التالية:

لا تملك المحكمة توجيه البرلمان لا من قريب ولا من بعيد وهذا هو اساس التعامل في النظم البرلمانية، فليس للمحكمة تقدير مدى دستورية الاستجواب.

لم ينص الدستور او اللائحة على حق النواب او الحكومة بطلب شطب الاستجواب او رفعه من على جدول الاعمال، الا أن ماصرحت به المادة 134 من اللائحة من وجوب عدم الاضرار بالمصلحة العامة للبلاد وعدم المساس بكرامة الاشخاص، يستعدي الوقوف بان هناك ما قد يبرر لدى البعض بان مجانبة الاستجواب للمصلحة العامة للمجتمع او البلاد يعد سببا لعدم قبوله اذا ما وافق المجلس على ذلك والمهم ان يكون ذلك في اضيق صورة ليسير الحقان جنبا الى جنب.

ولكن ما ينذر بخطر استخدام مصطلح المصلحة العامة بانه مفهومه نسبي ليس له معيار محدد لا في الدستور ولا اللائحة مما يجعل هذا المفهوم مرتهنا برغبة رئيس المجلس وسلطة الحكومة وهذا ما قد يجعل هذه (المصلحة العامة)سيفا من السهل سله من قبل المجلس المحكوم بارادة الاغلبية على نواب المعارضة، وبكل تأكيد يعطي السلطة التنفيذية الفرصة لرفض الرد على الاستجواب بحجة انه يخالف المصلحة العليا للبلاد، ولا يخفى على أحد ما لمكتب المجلس الممثل بالرئيس من دور مهم وحساس في مثل هذه الامور،الامر الذي قد يترتب معه اجهاض اي استجواب تذرعا بمخالفة هذا الاستجواب للمصلحة العامة.

المهم ان نشير هنا على تحفظنا على نص المادة 134 من اللائحة فهو في نظرنا قيد على حق دستوري وهذا يمثل قيدا لائحيا يخالف الدستور دون وجود ضوابط من المشرع لاستخدامه تمنع الحكومة من التهرب من هذه الاداة.

مانريد التوصل اليه انه قد يجوز سحب او تعديل محاور الاستجواب ولكن بشرطين نفرضهما من خلال التقاليد البرلمانية والدستور وهما:

اولا: ان يكون في هذا الاستجواب ضرر مباشر بمصلحة البلاد او ما فيه ما يؤدي بصورة مباشرة الى المساس بكرامات الناس وحرياتهم الشخصية.

ثانيا: نفترض عدم مشاركة الحكومة في التصويت على هذا الاستجواب ( في مسألة المصلحة العامة)وهذا شرط ضروري في نظرنا لايمكن تجاوزه فلا يكون لها احتكار القوامة على تحديد ما يكون من الصالح العام من عدمه خصوصا اذا ما اخذنا بالاعتبار الأغلبية البرلمانية المحكومة بإرادة الحكومة.وهو قياسا محمودا على النص 101 من الدستور والتي تمنع الحكومة من التصويت على سحب الثقة.

فإذا ما طبقا هذين الشرطين سوف نكون امام سابقة مهمة، ويتكون بتكرارها واستقرارها عرف دستوري منشئ.

كما تجدر الاشارة الى امكانية تعديل بعض محاور الاستجواب دون شطبه من جدول الاعمال اذا ماقرر المجلس وجود مصلحة لذلك او جعل الجلسة سرية اذا كانت علانية الاستجواب تتعارض مع المصلحة العامة، افضل بكثير من شطب الاستجواب ورفعه من جدول الاعمال، ويجب ان يكون دور المجلس هنا ضيقا جدا فنحن امام استثناء لايجوز التوسع فيه.

وعلى ضوء ما سبق نقرر: أن شرط المصلحة العامة لم يكن متوافرا في شطب الاستجواب الاخير من على جدول الاعمال، كما ان الشرط الثاني وهو عدم تصويت الحكومة لم يطبق، ومن هنا يكون هذا العمل مخالفا للدستور والاصول البرلمانية. والقول بغير ذلك يجعل من الاستجواب اداة بيد الحكومة وليس المجلس لدرجة هدم وقتل هذه الوسيلة الرقابية.

 المخرج الدستوري السليم للحكومة لمثل هذه الحالة لتجنب الاستمرار في الاستجواب هو طلب حل مجلس الامة او تقديم استقالتها، وهذه هي الاسس السليمة في فهم نصوص الدستور المبني على اساس التوازن بين السلطتين، بمعنى ان البرلمان يستطيع محاسبة الحكومة باي الوسائل الرقابية التي يخولها القانون له، مثل الاستجواب وسحب الثقة من الحكومة ولا مخرج للاخير الا بطلب حل مجلس الامة للهروب من اهم نتائح الاستجواب وهو سحب الثقة من الحكومة، فيكون بذلك قد تحقق التوازن المطلوب في الدستور.

من كل ما سبق نؤكد عدم جواز رفع الاستجواب.من جدول الاعمال والسوابق في مثل هذه الحالة غير ملزمة فهي ليست اعرافا دستورية خصوصا اذا ما اخذنا بالاعتبار بأن هذه السوابق غير متماشية مع التقاليد البرلمانية.

الدور المطلوب من رئيس المجلس على طلب الحكومة برفع الاستجواب: كان على الرئيس رفض طلب الحكومة والاستمرار بالاستجواب، او بتخيير الاعضاء المستجوبين بسحب الاستجواب بالاستئناس بحكم المحكمة دون الزام، فحكم المحكمة ليس له اثر مباشر على الاستجواب.

فقد يكون اثر القرار على مفهوم بعض النصوص المتعلقة بالاستجواب دون ان يتعدى ذلك الي تعطيل ممارسة حق الاستجواب.

وكما كان من الممكن للمجلس تقرير تعديل بعض المحاور او الفقرات للتوافق مع المصلحة العامة والتي يقررها النواب مستأنسين بذلك بقرار المحكمةغير ملتزمين بقرارها.

الاستجواب من الاعمال البرلمانية، فلا يمكن للحكومة تقليص دور البرلمان في ذلك في اي صورة كانت مهما كان السبب، فلا يسقط الاستجواب هنا الا في حالات محددة في اللائحة وهي اما بتخلي المستجوبين عن الاستجواب او باستقالة الوزير.

ان من اهم عوراض الاستجواب، تمسك الحكومة بطلب تفسير بعض النصوص المتعلقة بالاستجواب( وان كنت ارى شخصيا بان الاختصاص الاصلي للتفسير يجب ان يكون للبرلمان، وان اختصاص المحكمة هنا محط نظر لدينا) او احالة الاستجواب الى اللجنة التشريعية لاعداد تقريرها فيه واحالته للمجلس.

يجب على الحكومة تمكين المجلس من استخدام وسائل الرقابة دون كيدية او تعمد الى تعطيل الاستجواب بالذهاب الى المحكمة او خلق بعض الحجج الواهية فهذا سوف يضعف الدور الرقابي للبرلمان الامر الذي يترتب معه كسر التوازن ورجحان كفة الحكومة على المجلس وهذا غير مقبول البتة في النظم البرلمانية.

واخيرا نقول: عندما توضع الدساتير و القوانين يفترض المشرع المسؤولية والشرعيةفي التطبيق (فيمن يدير هذه المؤسسات الدستورية) اما ان تأتي النفوس وتخالف النصوص. فالمشكلة اذن فيمن يدير هذه المؤسسات لا في النصوص والمؤسسات.
 

الآن - رأي: د.غازي العياش

تعليقات

اكتب تعليقك