رفع إستجواب السعدون والعنجري، مخالف للقواعد الدستورية

زاوية الكتاب

لاسلطان للعضو في استخدام حقه في توجيه الاستجوابات لا من قبل الحكومة ولا البرلمان ولا المحكمة الدستورية

كتب 3970 مشاهدات 0


خص د. فواز الجدعي أستاذ القانون الدستوري في جامعة الكويت بدراسة متعلقة بالقرار الصادر من مجلس الأمة الكويتي برفع وشطب استجواب النائب أحمد عبدالعزيز السعدون والنائب عبدالرحمن العنجري لرئيس مجلس الوزراء من جدول الأعمال بتاريخ 15/11/2011 ، وفيما يلي نصها:


عطفاً على القرار الأخير الصادر من المحكمة الدستورية برقم 10/2011 والمتعلق بالنطاق المسموح به دستورياً مساءلة رئيس مجلس الوزراء، قامت الحكومة بطلب رفع الاستجواب المقدم من النائب أحمد عبدالعزيز السعدون ، والنائب عبدالرحمن العنجري لرئيس مجلس الوزراء من جدول الأعمال وذلك في الجلسة المنعقدة بتاريخ 15/11/2011. وقد تم بالفعل شطب الاستجواب نتيجة التصويت عليه من قبل البرلمان بأعضائه (المنتخبين والمعينين) بواقع 38 موافق و 26 غير موافق(لم يدلوا بأصواتهم).

بالنسبة للقيمة الدستورية للقرار الصادر من المحكمة الدستورية، نحيل القارئ إلى الدراسة الأخيرة التي سبق نشرها من قبل جريدة بعد صدور القرار المذكور.

http://www.alaan.cc/pagedetails.asp?cid=52&nid=86589

أما بالنسبة لما حصل في جلسة البرلمان والمتعلقة برفع الاستجواب من جدول الأعمال فلنا التعليق الأتي:

1-الاستجواب:
إن الدستور الكويتي كما هو معلوم قد مزج بين قواعد النظام البرلماني والنظام الرئاسي مع ميل أكبر نحو أولهما، وبالنسبة للقواعد البرلمانية فإن تعاون السلطات مع تقرير حق المراقبة لكل سلطة على الأخرى هو جوهر العمل البرلماني ومن غيره يكون هذا النظام صوري لا روح فيه.
فإن كان من المقرر أن للحكومة أن ترفع للأمير مرسوم حل مجلس الأمة وفق المادة 107 فإنه يقابل هذا الحق حقاً أخر يكاد يفوق عليه وهو حق المجلس في تقرير المسئولية السياسية للحكومة سواء لرئيس مجلس الوزراء او لأحد الوزراء كونه حق مقرر للأمة مصدر السلطات في مراقبة أعمال الحكومة.
والحقيقة أن الدستور الكويتي قد ساوى بين تقرير المسئولية السياسية لرئيس مجلس الوزراء والمسئولية السياسية للوزراء من حيث (إنعقاد المسئولية) ولكنه أثر أن يميز بينهما فقط من حيث إجراءات تقرير العقاب السياسي المتمثل (بطرح الثقة بالوزير) وعدم إمكانية التعاون بالنسبة لرئيس الوزراء والتي ترك الدستور أمر تقريرها لسمو الأمير.
ثم أردفت المذكرة التفسيرية للدستور الكويتي ونأت بنفسها الا أن تذكر العبارة التالية:
 (ولا يخفى ما في هذه الضمانات من كفالة لاستقرار الوزارة في مجموعها، بل لعلها، من الناحية العملية، لا مندوحة من ان تؤدي الى ندرة استعمال هذا الحق البرلماني. كما ان رئيس مجلس الوزراء الذي يصل تبرم مجلس الامة به ومعارضته لسياسته حد تعريض المجلس نفسه للحل ، وتعريض اعضائه انفسهم لخوض معركة انتخابية مريرة، ليس من الصالح العام تحصينه اكثر من ذلك او كفالة بقائه في الحكم الى ابعد من هذا المدى.) المذكرة التفسيرية، أولا، أ، 2.
فالدستور الكويتي قرر الا يساوي بين استجواب رئيس الوزراء وبين الوزراء (فقط من حيث الإجراء اللاحق على الاستجواب ومن حيث ترتيب أثاره) ولكنهم سواسية من حيث طرق تقديم الاستجواب وأليته وانعقاد مسئولية كل منهما. فلا يجوز أن تقرر لرئيس مجلس الوزراء المزيد من الحماية عن التي قررها الدستور بنفسه والتي أوضحته المذكرة التفسيرية في الجملة السابقة من أنه ليس من الصالح العام تحصين رئيس الوزراء أكثر من ذلك أو كفالة بقائه في الحكم إلى ابعد من هذا المدى.
وهذا ماتقرره المادة 100 من الدستور (لكل عضو من أعضاء مجلس الأمة أن يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء وإلى الوزراء استجوابات عن الأمور الداخلة في اختصاصاتهم. ولا تجري المناقشة في الاستجواب إلا بعد ثمانية أيام على الأقل من يوم تقديمه وذلك في حالة غير حالة الاستعجال وموافقة الوزير. وبمراعاة حكم المادتين 101 و 102 من الدستور يجوز أن يؤدي الاستجواب إلى طرح موضوع الثقة على المجلس.)
فرئيس مجلس الوزراء والوزراء يتساوون من حيث انعقاد مسئولياتهم وفق قناعة عضو أو أعضاء البرلمان في توجيه الاستجوابات، فلكل عضو أن يوجه استجوابه حسب قناعاته لأي وزير على وجه العموم او لرئيس الوزراء على وجه الخصوص إن رأى أن رئيس الوزراء مسئول سياسيا عن أي أمر كان. فلا سلطان للعضو في استخدام حقه في توجيه الاستجوابات لا من قبل الحكومة ولا من قبل البرلمان ولا من قبل المحكمة الدستورية وفق القرار الاخير الصادر منها ،فهذا مايوافق نصوص الدستور ومايوافق الأعراف البرلمانية في أرجاء العالم.
فالاختلاف الوحيد الذي قررته مواد الاستجواب بين الوزراء وبين رئيس مجلس الوزراء هو في ترتيب الأثر وهو ما نصت عليها أول فقرة في المادو 102 (لا يتولى رئيس مجلس الوزارة أي وزارة ولا يطرح في مجلس الامة موضوع الثقة به.) فمركز رئيس الوزراء في المسئولية السياسية يختلف فقط من حيث توقيع العقاب السياسي عليه فبدلاً من أن يعامل معاملة الوزراء بتقرير سحب الثقة أثر الدستور أن يجعل أمر إعفاء الرئيس من مسئولياته للأمير.
أ‌- الية تقديم الاستجواب:
لقد قررت المواد 134،135،136 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الية تقديم الاستجواب وطرق مناقشتها على النحو الأتي:
المادة 134
(يقدم الاستجواب كتابة للرئيس، وتبين فيه بصفة عامة وبايجاز الموضوعات والوقائع التي يتناولها، ولا يجوز ان يقدمه أكثر من ثلاثة أعضاء، كما لا يجوز توجيهه الا لرئيس مجلس الوزراء او لوزير واحد.)
المادة 135
(يبلغ الرئيس الاستجواب الى رئيس مجلس الوزراء او الوزير المختص فور تقديمه ويدرج في جدول أعمال أول جلسة تالية لتحديد موعد للمناقشة فيه بعد سماع أقوال من وجه اليه الاستجواب بهذا الخصوص.ولا تجرى المناقشة في الاستجواب الا بعد ثمانية ايام على الأقل من يوم تقديمه، وذلك في غير حالة الاستعجال وموافقة رئيس مجلس الوزراء او الوزير حسب الأحوال.)
المادة 136
(تبدأ مناقشة الاستجواب في الجلسة المحددة لذلك بأن يشرح المستجوب استجوابه ثم يجيب الوزير، ثم يتحدث الأعضاء المؤيدون للاستجواب والمعارضون له بالتناوب واحدا واحدا، واذا تعدد المستجوبون كانت الأولوية لأسبقهم في طلب الاستجواب ما لم يتنازل عن دوره لأي عضو آخر، ولا يجوز قفل باب المناقشة في الاستجواب قبل ان يتحدث ثلاثة من طالبي الكلام من كل جانب على الأقل.)
فتكون القواعد المنظمة للاستجواب على النحو الأتي:
1- يقدم الاستجواب من عضو واحد ولا يتجاوز ثلاثة أعضاء.
2- لايقدم الى وزيرين بنفس الوقت او يقدم الى رئيس مجلس الوزراء.
3- يكون الاستجواب كتابة ويبلغ رئيس المجلس الوزير او رئيس مجلس الوزراء المستجوب ويدرج في جدول الأعمال.
4- ولا يجوز بدء المناقشة للاستجواب قبل مرور ثمانية أيام على الأقل من يوم تقديمه مالم يقدم طلب استعجال او طلب تأجيل حسب الاحوال التي بينتها المواد.
5- ثم تبدأ مناقشة الاستجواب في اليوم المحدد.
ففي جميع هذه المراحل التي قررها الدستور وقررتها اللائحة الدالخية لايوجد اي قيد على العضو في ممارسته لهذا الحق كما لاتوجد اي جهة أخرى تملك الحق في التعقيب على الاستجواب قبل بدء المناقشة فمحاور الاستجواب لا تناقش ولا تفحص ولا يؤخذ فيها قرار قبل بدء المناقشة المقررة في المادة 136 من اللائحة الداخلية.
ب‌- آلية سقوط الاستجواب:
وقد قررتها المواد 141 و 142 من اللائحة الداخلية وهي على سبيل الحصر ولا يجوز ابدأ اضافة اي حالة أخرى دون نص يقررها وهي كالأتي:
المادة 141 (اذا تنازل المستجوب عن استجوابه او غاب عن الجلسة المحددة لنظره فلا ينظره المجلس الا اذا تبناه في الجلسة او قبلها أحد الأعضاء.)
المادة 142 (يسقط الاستجواب بتخلي من وجه اليه الاستجواب عن منصبه او بزوال عضوية من قدم الاستجواب او بانتهاء الفصل التشريعي.وفي غير الأحوال السابقة اذا انتهى دور الانعقاد دون البت في الاستجواب يستأنف المجلس نظره بحالته عند بدء الدور التالي.)
فتكون أحوال سقوط الاستجواب على النحو الآتي:
1-اذا تنازل العضو مقدم الاستجواب عن استجوابه او غاب عن الجلسة  مالم يتبناه عضو اخر قبل أو أثناء الجلسة المقررة للاستجواب.
2-اذا تخلى الوزير او رئيس الوزراء المستجوب عن منصبه قبل البدء بالاستجواب.
3-اذا انتهت عضوية العضو مقدم الاستجواب.
4-بانتهاء الفصل التشريعي وليس دور الانعقاد.
فلم يقرر الدستور اي حالة أخرى يسقط معها الاستجواب فالدستور أعطى للعضو الواحد حق توجيه الاستجواب ولا معقب عليه في استخدام هذا الحق وبالتالي إحالة الاستجواب الى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية أمر غير دستوري البتة ولا ينعقد لها لواء الاختصاص لنظر هذه المسألة وعليه فإن لجنة الشؤون التشريعية لها الاختصاص التالي وفق ما قررته المادة 43 من اللائحة الدالخية للمجلس :
(رابعاً:لجنة الشؤون التشريعية والقانونية، وعدد اعضائها سبعة ويدخل في اختصاصها الجانب القانوني في اعمال المجلس والوزارات والمصالح المختلفة وبخاصة ما يتعلق منها بشؤون وزارتي العدل والاوقاف وادارة الفتوى والتشريع كما تختص هذه اللجنة بكل الأمور)
فليس للجنة الشؤون التشريعية والقانوينة فحص محاور الاستجواب وهي من قبيل الاعمال السياسية الخاضعة لقواعد المراقبة والحساب البرلمانية وجميع النصوص المنظمة لقواعد الاستجواب السالف ذكرها التي لم تجعل لكائن من كان حق التعقيب على الاستجواب قبل مناقشة محاوره في الجلسة المقررة لمناقشة الاستجواب. فهذه بدعة قررها المجلس الحالي وهو مالا يخلق اي سوابق عرفية فالعرف لايجوز الاحتجاج به عند مخالفته للنص الذي قرر وبقواعد واضحة المعاني حالات سقوط الاستجواب فهي علاقة محصورة بين مقدم الاستجواب (بتنازله او انتهاء عضويته او غيابه يوم الجلسة) وبين الوزير المستجوب ( بتخليه عن منصبه) او لسبب خارج عنهما وهو إنتهاء الفصل التشريعي اما بمضي مدة الأربع سنوات او بالحل الاميري للمجلس.
ج- الطلب الحكومي  لرفع الاسجواب  من جدول الأعمال:
فإن كنا لا نقرر للجنة الشؤون التشريعية هذا الأمر وهي لجنة مكونة من نواب الأمة فكيف يستقيم دستورياً ماتم العمل به في الجلسة المنعقدة بتاريخ 15/11/2011 من قيام الحكومة بطلب رفع الاستجواب من جدول الأعمال فهذا أمر لا يجوز مجرد تقديمه فضلاً عن إدراجه ومناقشته ولكن المستهجن دستورياً هو أن يتم التصويت عليه من قبل (أعضاء الحكومة) وهم الوزراء المطالبين بالتضامن فيما بينهم والذي لا يجوز لهم ابدأ المشاركة في الاستجوابات والتصويت على طلبات طرح الثقة او عدم إمكانية التعاون وفق ما قررته المادة 101 من الدستور (كل وزير مسؤول لدى مجلس الأمة عن أعمال وزارته، وإذا قرر المجلس عدم الثقة بأحد الوزراء اعتبر معتزلا للوزارة من تاريخ قرار عدم الثقة ويقدم استقالته فورا. ولا يجوز طرح موضوع الثقة بالوزير إلا بناء على رغبته أو طلب موقع من عشرة أعضاء اثر مناقشة استجواب موجه إليه ولا يجوز للمجلس أن يصدر قراره في الطلب قبل سبعة أيام من تقديمه. ويكون سحب الثقة من الوزير بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس فيما عدا الوزراء ولا يشترك الوزراء في التصويت على الثقة.)
فإن كان الوزراء لا يشاركون بالتصويت على طلبات طرح الثقة في الوزراء وطلب عدم إمكانية التعاون مع رئيس مجلس الوزراء فكيف لهم أن يقوموا بالتصويت على طلب رفع الاستجواب من جدول الأعمال وهو الأمر الذي لا يملكه أحد باعتبار الاستجواب حق أصيل للنائب مستمد من الدستور ولا معقب عليه قبل مناقشته حتى للبرلمان فكيف يتأتى هذا الأمر لمجلس الوزراء.
 فهذا خرق للقواعد الدستورية يسائل عنها جميع النواب على رأسهم رئيس مجلس الأمة الذي كان يجب عليه ان يقوم بتعنيف ممثل الحكومة لقيامه بتقديم مثل هذا الطلب في مجلس الأمة وهذا الطلب ليس فقط لا اساس له من الدستور انما هو مخالف لجميع القواعد التي قررها الدستور الكويتي وقررتها القواعد البرلمانية.
فالتصويت الذي حصل برفع الاستجواب من جدول الأعمال يشكل تهديداً للنظام الرقابي المنعقد للأمة على الحكومة وبالتالي طلب رفع الاستجواب ليس له أي قيمة دستورية ومازال الاستجواب قائماً في حق رئيس الوزراء وله أن ينتج أثاره حسب ماورد في نصوص الدستور وفي مواد اللائحة الداخلية لمجلس الأمة.
وأي أمر يخالف هذه القواعد القطعية الدلالة في النصوص الدستورية لا نرد عليها الا بالقول 'سبحانك هذا بهتانٌ عظيم'
هذا والله أعلم.

 

الآن - دراسة: د. فواز الجدعي أستاذ القانون الدستوري في جامعة الكويت

تعليقات

اكتب تعليقك