الربيع العالمي سيؤدي للعودة الى النظام الاقتصادي المختلط-يشرحه محمد عصفور
الاقتصاد الآننوفمبر 9, 2011, 12:19 ص 722 مشاهدات 0
ما تشهده الساحة العالمية وتحديدا الدول الصناعية الغربية من مظاهرات احتجاجا على النظام الاقتصادي العالمي، هو أمر لا يمكن اعتباره حدثا طارئا أو عاديا ولا هو مسبوق على هذا النحو من الشمولية الاحتجاجية الواسعة. أهمية هذه التظاهرات الرافضة للنظام الاقتصادي العالمي، أنها تأتي لتقر بفشل هذا النظام في التعاطي مع التحديات الحقيقية في الاقتصاد والاجتماع، وان مسلسل الازمات المتلاحقة الذي يعاني منه النظام الاقتصادي يشير الى أن هناك حالة اختلال بيتوية تجعل منه حالة مأزومة لا يمكن أن تنشغل بالهم الاقتصادي والاجتماعي لانشغالها أو بالخروج من أزماتها المتلاحقة والتي تأتي بالأساس على حساب التضحية بمستوى المعيشة والرفاه وبكل الأبعاد والمتغيرات الاجتماعية.
ليس جديدا أن نقول أن النظام الاقتصادي العالمي يحمل بذور أزماته في داخله، وليس جديدا أن نقول أن اقتصاد السوق لا يمكن أن يسير في خط الاقتصاد الاجتماعي أو أن مكاسب التنمية توزع توزيعا عادلا أو اقرب الى العدالة بفعل جهاز الأثمان وقوى العرض والطلب، وأن اليد الخفية التي هي كلمة السر في احداث التوازنات الاقتصادية وتجاوز الاختلالات لا زالت فاعلة وتثبت كل يوم جدوى توازناتها. هذه الثوابت من المنظور الرأسمالي هي الواجهة التجميلية لممارسات لم تحقق يوما توازنا ولا توزيعا عادلا لمكاسب التنمية، بل ان موجة الانفتاح التي تغولت بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وانهيار سور برلين، أثبتت أن مفاصل الأزمة ازدادت وأن العولمة عمقت منها، وأن المضي قدما على هذا النهج الاقتصادي يعني بالضرورة أن مسلسل الأزمات لن ينتهي.
هذا التوجه لا يصب في ضرورة ايجاد نظام اقتصادي بديل يأتي بسمات وتقاسيم جديدة، بل ان البديل هو العودة الى ما سمي يوما طريق الباب الثالث أو الى النظام المختلط الذي يحافظ على ثوابت اَلية السوق والذي يهتم بالبعد الاجتماعي على حد سواء فيكون مزيجا من الليبرالية والتدخلية. فالحقيقة الماثلة امامنا، انه أيا كانت اسباب الازمات الاقتصادية المتلاحقة، فان الثابت عملا أن البعد الاجتماعي هو الحلقة الأضعف وأن هناك تعاملا غير مباشر بهذا البعد، وأنه حتى ما هو قائم من هذه الابعاد انما هو بفعل التزام الدولة الصناعية بالعقد الاجتماعي وثوابت منظومة التأمينات وبأن وظيفة الدولة العصرية هي أن تكون ضامنة للرفاه العام. فالنظام الاقتصادي لم يسعف الدولة في تطوير هذه الوظيفة الامر الذي أدى الى تضاؤل القدرة على مواجهة التحديات الاجتماعية.
فالتظاهرات العارمة التي تجتاح الدول الصناعية الغربية والدول ذات الاقتصاديات الناهضة، انما هي مرشحة لان تتسع دائرتها لتصبح تظاهرات عالمية فتكون بمثابة اعلان عالمي لرفض هذا النظام أو اصلاحه اصلاحاً جذرياً فتضع الفكر الاقتصادي المعاصر أمام تحد اما أن ينتج مخرجا اقتصاديا جديدا أو أن يعيد انتاج فكر قادر على ادامة البعد الاجتماعي والتوزيع الأمثل لمكاسب التنمية، فكما أن العالم نجح في أن يجد مخرجا لحالة الكساد الكبير في الفترة 1929 - 1936 على يد الاقتصادي جون كينز كذلك فان الحالة الراهنة بحاجة الى كينز جديد للقرن الحالي يجد مخرجا حقيقيا، والا سيبقى الربيع العالمي الى أن يعطي ثماره فكرا اقتصاديا محدثا
تعليقات