ظهرت فجوة كبيرة في تحديد الرواتب، فليس هناك معيار فلا الشهادات ولا الأقدمية ولا الفئة ولا الدرجة، فكلمة الفصل للصوت الأعلى. والخاسر الأكبر اقتصاد البلد برأي المستشار د. محمد ملحم
الاقتصاد الآننوفمبر 3, 2011, 12:52 ص 331 مشاهدات 0
يتساءل البعض عن سر اختيار هذا الموضوع وفي هذه الفترة بالذات وكأننا لا نعيش هموم الموظف وشجونه ولكن لابد وقبل النظر الى الخاص ان ننظر بعين الرأفة الى هذا الوطن وخاصة حالة الركود التي يشهدها الاقتصاد والتي ستؤثر حتما وبشكل سلبي على اقتصاد كل الدول العربية، والتي طالنا النصيب الأوفر منها في الفترة الأخيرة، لأننا مرتبطون ارتباطا وثيقا بالاقتصاد العالمي، ولكن هل سنكون قادرين على مواجهة تداعيات هذا الركود وهل ندرك مخاطره، وهل العلاج بالمسكن الموضعي يفي وفي جميع الظروف؟
ان أخطر ما يواجه البلاد وفي الفترة الأخيرة هو زيادة جاذبية العمل في القطاع الحكومي، والابتعاد عن عنصر المنافسة وخاصة عن العمل في القطاع الخاص، وهذا ما يخالف السياسات التي تعمل الحكومة من أجلها منذ فترة طويلة.
وقد ظهرت فجوة كبيرة في تحديد الرواتب، فليس هناك معيار فلا الشهادات ولا الأقدمية ولا الفئة ولا الدرجة، فكلمة الفصل للصوت الأعلى. والخاسر الأكبر اقتصاد البلد والا فسوف نصل الى مكان تحتاج فيه المصادر الى موارد، فالنبع اذا ما استمر الأمر على ما هو عليه فسينضب وعندها يأتي الجيل القادم ليتساءل لماذا أكل الآباء الحصرم وقد أدركوا اننا سنضرس ولو بعد حين؟!
إن قرار زيادة الرواتب وبشكل عشوائي سيزيد من تلك الفجوة بين القطاع العام والقطاع الخاص، ويضع ضغوطا على الدولة ولا يمكن أن يشكل حلا كمدخل لمعالجة الأزمات الاجتماعية وتحقيق الرفاهة الاجتماعية، دون التطرق والالتفات إلى مخاطر التصحيح وانعكاساته السلبية على الأوضاع الاقتصادية والمالية العامة، ولذلك نرى انه كلما رضخت الحكومة لضغوط الموظفين وخاصة الاتحادات، وبادرت إلى التصحيح عبر سبل سريعة وموضوعية اضطرب الوضع الاقتصادي والمالي في البلد، وارتفع مستوى حجم الإنفاق العام غير المنتج وانعكس ذلك سلبا على معدلات الإنتاج وحجم الكتلة النقدية وتأثرت الشركات الكبرى. ان الزيادات التي أقرت في الفترة الأخيرة لم تحسن مستوى اجتماعيا أو تحقق نموا اقتصادي وإن التجارب السابقة التي واجهتها الحكومة مازالت ماثلة في أذهان الفئات من مخاطر رفع الرواتب غير المدروس ومن الانعكاسات السلبية المستجدة بعد كل عملية كل زيادة ويدرك الموظفون انه بعد كل زيادة ودون أدنى شك أن ما أعطي باليمين سوف يؤخذ سلفا من اليسار وهذه قاعدة موجودة فالأسعار ستشتعل ويجد التجار في ذلك فرصة لتحقيق الأرباح وليس هناك من رقيب.
اذن كلما أقرت الزيادات ارتفعت الأسعار ليجد الموظف انه قدم خطوة الى الأمام ليتراجع خطوات الى الخلف. اذن لابد من تفعيل الرقابة وهذا الأمر مستحيل، وإذا كان القطاع الخاص سيدفع ثمنا باهظا بعد كل عملية زيادة فان الأمر سيؤدي إلى صراع بين القطاعين وسوف تكون النتيجة حتمية للقطاع العام والهروب باتجاه الأسهل وهنا سوف نعود إلى الصفر، قاعدة الانطلاق، وفي بداية كل انطلاق غفوة.
إن التجارب السابقة أثبتت أن التصورات السلبية والتحديات المتبادلة بين هذه القطاعات يجب ألا تستمر او تتجدد في الظروف السياسية والاقتصادية والمالية الراهنة لأنها لم تحقق النتائج الإيجابية المرجوة بل أدت إلى الدوران في حلقات مفرغة والتي من شأنها إنتاج حلول شبه ميؤوس منها. ان فرار اليد العاملة الوطنية نحو القطاع العام يشكل صفعة قوية للقطاع الخاص.
ويتوهم المطالبون بالزيادات ان هذه الحلول الموضعية ستساهم في تحسين مستوى المعيشة وفي مواجهة الأعباء المستجدة على الصعيد الاجتماعي والطبي والتعليمي وكذلك النقل والسكن والأسعار وفي تمكين العاملين في القطاعين العام من تغطية النفقات المستقبلية الطارئة، لكن هذا الاعتقاد سرعان ما سيتبدد حين يكتشف هؤلاء ان الزيادة الرسمية التي تطرأ ما هي إلا زيادة رقمية غير واقعية لأن الزيادة الفعلية الحقيقية تكون عبر دراسة متأنية للوضع الاقتصادي العام.
إن الزيادات لم تتزامن مع انخفاض مدروس لمستوى الأسعار بما يؤدي إلى تقليص تدريجي لمعاناة الموظفين بل تزامنت مع تراجع إنتاجية القطاع الخاص مع ركود اقتصادي ملحوظ حتى غدت عمليات التصحيح سببا في حدوث اختلالات اقتصادية واجتماعية خطيرة لان الزيادة المقررة رسميا سواء كانت جامدة أو متحركة، دورية او سنوية، تلقائية أو قسرية، بداعي غلاء المعيشة لن تؤتي ثمارا لأنها ساهمت وتساهم في تدني مستوى الدخل والقوة الشرائية لهذا الدخل.
إن الأوضاع السياسية والاقتصادية والمالية الراهنة لا تسمح بمزيد من التدهور الاقتصادي والاجتماعي بل تتطلب مزيدا من التعاون والتنسيق بين مختلف الطاقات اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا للبحث عن السبل الكفيلة بتحقيق العدالة الاجتماعية واذا استمر الوضع على ما هو عليه فسيأتي اليوم الذي نفتش فيه عن مكان، لنتذكر، ونقرأ قصة العجوز التي استحضرت ابنها لتقول له قم وابك على ارث لم تحافظ عليه يوما ولكن في زمن لا ينفع فيه البكاء.
تعليقات