لاينبغي اختزال الرموز في مجرد الذكرى او الافتخار بالانتماء لها والتغني ببطولاتها، ، محمد العوضي فى دعوته لتحقيق الحب الصادق لآل البيت والأصحاب بموازين العدل والانصاف
زاوية الكتابكتب يناير 19, 2008, منتصف الليل 379 مشاهدات 0
الحسين والحب الوهمي!
الإمام الشهيد الشريف الكامل، سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وريحانته من الدنيا، ومحبوبه، أبو عبدالله الحسين ابن أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب... هكذا يصفه مؤرخ الإسلام الإمام شمس الدين الذهبي الشافعي في كتابه «سير أعلام النبلاء»... وهكذا صورته في قلب كل مسلم، وهذه مكانته لدى الموحدين. وهو يجمع بين شرف القربى والصحبة والتقوى ثم السيرة المليئة بالبطولات والعبر والحكم والدروس... إن جميع الشعوب تحتفظ في ذاكرتها بصور لأبطالها ورموزها من المقاتلين والأدباء والفلاسفة وغيرهم، لذا تنصب لهم التماثيل وتعقد في ذكراهم المؤتمرات وتؤلف عنهم الكتب وتسمى بهم المدارس والمؤسسات.
ونحن أمة الإسلام، ديننا عبارة عن عقيدة ومجموعة عبادات ومعاملات وأخلاق، وهذا الدين العظيم يحثنا على الاستفادة والاعتبار بتجارب الأمم فيما لا يتعارض مع ثوابته، كما يحثنا على تأمل التاريخ والافادة من أحداثه، ورؤية سنن الله في مجرياته، وعلى هذا فالتاريخ ليس مصدراً من مصادر التشريع، إذ مصادر التشريع معروفة من الكتاب والسنة... الخ. أما التاريخ فهو للاعتبار ومعلوم ان الرموز المؤثرة في التاريخ عنصر مهم في أخذ العبر والعظات من خلال دراسة انجازاتهم وتحليل نجاحاتهم وقراءة صراعاتهم وما مروا به من تحديات وطريقة مواجهتهم لها.
لكن الخلل يقع عندما تُخْتَزل الرموز في مجرد الذكرى او الافتخار بالانتماء لها والتغني ببطولاتها، بينما يكون واقعنا على صعيد السلوك الشخصي والمعاملات مع الآخر، تسير في الطريق المعاكس لعطاءات وأخلاقيات وجهاد وسيرة هذا الرمز المحتفى به او ذاك العلم الذي تفخر بذكره.
وهذا التناقض هو واقع الأمم المتخلفة - ونحن منهم - ويحصل كل ذلك في تذكرنا لعظمائنا سواء كان العظيم نبياً مرسلاً أو رمزاً كبيراً، بل وصل الخلل إلى العبادات الكبرى كالحج والصيام حيث تحولت إلى عمل آلي مجرد من كل مقتضياتها والهدف من تشريعها، ألا تسمع وترى كيف يحج الناس؟ ألا تسمع عمن صاموا النهار وقاموا الليل بالصلاة هم الذين يضيعون هذه العبادة في الخيم الرمضانية بصحبة الشيشة ولعب القمار والتصفيق للراقصة وربما شرب الخمر؟!... وكذلك في ذكرى المولد النبوي وغيره.
رويداً رويداً تحولت العبادات إلى عادات وفرغت من محتوياتها ومستلزماتها وروحها ومقاصدها.
وأخشى ما أخشاه ان نتحول كالمجتمعات العلمانية التي تجعل من مناسبة ميلاد نبي عظيم «كالمسيح عليه السلام» موسماً لكل أنواع الفجور!!!
هنا نقول ان النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بريء مما يفعله المسلمون من مناكر وبدع تحصل فيما أسموه احتفالاً بميلاده أو هجرته وكذا السيد المسيح بريء من كل من يتغنى بميلاده في صالات الرقص وحفلات الرجس، وكذلك أقول عن الإمام الحسين عليه السلام، فكما انه بريء ممن غشه وطعنه من خلفه وناصبه العداء وفرح بمقتله أو رضي بمأساته، كذلك هو بريء ممن يتغنى به ويزعم حبه لكنه يشرب الخمر ويحسن الغش ويتفنن في ترويج الفحشاء، ويأكل الربا، ويعق والديه، وينهب ميراث رحمه ويزوّر ويرتشي... ثم يكتفي بشعارات الولاء العام والتغني بحبه وحضور ندوة هنا ومحاضرة هناك، إننا نريد من سرد سيرة الحسين الاستفادة من ورعه، وتقواه، ونظافة يده، وجهاده الصادق، وزهده ورجولته، وعبادته، حتى في آخر لحظة، وصبره وسائر شمائله الكريمة.
أخطر ما في استرجاع لحظات التاريخ ومواقف والرجال العظماء ان نجعل من ذكراهم لحظات نفسية عابرة نطيّب فيها خواطرنا بحيل نفسية، بينما لا نستفيد عملياً وعلى صعيد السلوك الشخصي شيئاً، وأخطر من ذلك اشاعة الحب الوهمي، الحب بمجرد التعلق الشعوري العنيف بالرموز واعتبار التعلق المجرد هو طوق النجاة رغم كل الكبائر التي يقترفها والظلم الذي يقع من هذا المحب قبل المناسبة وبعدها بساعات وربما اثناءها... إن الحسين بريء من تحويل الدين إلى طقوس أو فلكلور شعبي، فأخلاق الحسين كلها من مشكاة الهدي النبوي... فلننظر كيف نشأ وترعرع وعاش واستشهد ونقارن مع اضافات التاريخ والتفاعلات الاجتماعية والسياسية لنجد ان الحسين وعظمته في واد وكثير من ابناء المسلمين في واد آخر... أنا على يقين اننا جميعاً نحب الحسين ونقول ألا لعنة الله على قاتليه وأعدائه والراضين بقتله، ولكني على يقين ان الإمام الحسين بريء من عشرات الشعارات والألفاظ والسلوكيات التي تمارس بسبب حبه!!
فمتى ينتصر الدليل الشرعي على الموروث الشعبي، ويتغلب العقل على العاطفة، ويتحقق الحب الصادق لآل البيت والأصحاب بموازين العدل والانصاف؟!.
محمد العوضي
تعليقات