وول ستريت وراء أزمة الديون الأوروبية وإن المشكلة الحقيقية تكمن في النظام المالي، المتمركز في وول ستريت برأي روبرت رايش
الاقتصاد الآنأكتوبر 25, 2011, 9:33 ص 1190 مشاهدات 0
من المستحيل معرفة ما إذا كان احتجاج 'احتلوا وول ستريت' سيتبلور متحولاً إلى حركة سياسية، ولكن هناك احتمالاً ضئيلاً بأن وول ستريت سيواصل اللجوء إلى حيله القديمة.
وفي الوقت الحالي، يكرس وول ستريت كامل قوة ضغطه، للتخفيف من حدة اللوائح التي وضعت بهدف تطبيق تشريعات الإصلاح المالي. ويزعم الناطقون باسم الشارع، بمن فيهم جمهوريو الكونغرس ومرشحو الحزب الجمهوري، أن دود-فرانك (كما يطلق على القانون) هو قانون مبالغ فيه. ومع ذلك، إذا قمت بإلقاء نظرة فاحصة على أزمة الديون في أوروبا، فسترى العكس تماما. وقد يبدو دود-فرانك ضعيفاً للغاية.
ولا تمثل أزمة الديون الأوروبية مشكلة بالنسبة للاقتصاد الحقيقي في أميركا، فمهما حدث لليونان أو غيرها من الحكومات الأوروبية المثقلة بالديون، فلن تنفد صادرات الأميركتين إلى أوروبا. وعلى أية حال، فإن تلك الصادرات تعد صغيرة مقارنة بحجم الاقتصاد الأميركي.
وإذا كنت ترغب في معرفة السبب الحقيقي للقلق السائد في الولايات المتحدة إزاء ما يحدث في أوروبا، فاتبع المال. إن تأثير تخلف اليونان (أو أيرلندا أو إسبانيا أو إيطاليا أو البرتغال) عن السداد على نظامنا المالي، يضاهي تقريبا تأثير انهيار 'ليمان براذرز' في عام 2008، أي الفوضى المالية. وقد اشتم المستثمرون رائحة ذلك، وتراجعت الأسهم نتيجة بيعهم لأسهمهم في بنوك وول ستريت.
ووفقاً لبنك التسويات الدولية، فإن وول ستريت لم يقرض اليونان سوى ما يقرب من 7 مليارات دولار. وتلك ليست مشكلة كبيرة، ولكن العجز عن السداد من جانب اليونان أو أي دولة أخرى من الدول الأوروبية المثقلة بالديون، قد يضرب بسهولة البنوك الألمانية والفرنسية، التي أقرضت اليونان (وغيرها من البلدان الأوروبية المتزعزعة) أكثر من ذلك المبلغ بكثير.
وذلك ما يجعل وول ستريت جزءاً من المشكلة، حيث عمدت بنوك وول ستريت البارزة إلى إقراض البنوك الألمانية والفرنسية، مبالغ طائلة من المال. ويصل إجمالي تعرض الشارع لمنطقة اليورو، إلى نحو 2.7 تريليون دولار. أما تعرضه للحسابات الفرنسية والألمانية، فيصل إلى ما يقرب من نصف ذلك المبلغ.
وليست القروض التي قدمها وول ستريت للبنوك الألمانية والفرنسية، هي فقط ما يدعو إلى القلق. فقد عمد وول ستريت كذلك إلى التأمين أو المراهنة على جميع أنواع المشتقات المنبثقة من أوروبا، بما في ذلك مشتقات الطاقة والعملة ومعدلات الفائدة ومبادلات النقد الأجنبي.
وفي حال سقوط أي من البنوك الألمانية أو الفرنسية، فستنجم عن ذلك تداعيات لا حصر لها. اتبع المال. وإذا سقطت اليونان، فسيشرع المستثمرون في الفرار من إيرلندا وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال أيضاً، وكل ذلك سيتسبب في ترنح البنوك الفرنسية والألمانية الكبرى. وإذا انهار أي من تلك البنوك أو أبدى علامات إرهاق شديد، فسيكون وول ستريت في مأزق كبير، ربما أكبر من ذلك الذي وقع فيه عقب سقوط 'ليمان براذرز'.
وقد أدى ذلك إلى انخفاض أسهم أكبر البنوك الأميركية خلال سبتمبر الماضي، حيث أغلقت أسهم مورغان ستانلي مؤخراً عند أدنى مستوى لها منذ ديسمبر 2008، وقفزت تكلفة التأمين على ديون مورغان إلى مستويات لم تشهدها منذ نهاية ذلك العام.
وتفيد الشائعات بأن مورغان قد يخسر ما يصل إلى 30 مليار دولار، في حال سقوط بعض البنوك الفرنسية والألمانية، ويفوق ذلك المبلغ قيمة الأصول التي يملكها البنك بما يقرب من ملياري دولار (وذلك من حيث الرسملة السوقية الحالية).
ويقول مورغان إن تعرضه للبنوك الفرنسية معدوم. لم هذا التناقض؟ لقد حصل مورغان على تأمين مقابل القروض التي قدمها للبنوك الأوروبية، فضلا عن ضمانات منها. لذا، يمكن لمورغان من الناحية الفنية أن يقول إن تعرضه معدوم. ولكن هل يذكر أحد شركة إيه آي جي؟ إنها شركة التأمين العملاقة التي أفلست عندما بدأ وول ستريت في الانحدار، حيث اعتقد وول ستريت أنه أمن على مراهناته لدى إيه آي جي. ولكن تبين فيما بعد أنها كانت عاجزة عن السداد.
ألم نكن في الموقف نفسه من قبل؟
مجرد حقيقة أن مورغان وغيره من البنوك الكبيرة في وول ستريت عرضة للشائعات، تشكل دليلاً كافياً على أنه لا أحد يعرف مدى تعرض مورغان أو أي بنك آخر، للبنوك الأوروبية أو مشتقاتها. وذلك يظهر أن 'دود-فرانك' لم يقترب من تحقيق الغرض المنشود منه. وذلك ما أثار رعب المسؤولين في واشنطن، ودفع وزير الخزانة الأميركي تيم غيثنر إلى التوسل إلى المسؤولين الأوروبيين، ليقوموا بإنقاذ اليونان وغيرها من الدول الأوروبية الغارقة في الديون.
أؤكد على أن الولايات المتحدة تريد من أوروبا أن تقوم بإنقاذ دولها المدينة، من أجل أن تتمكن تلك الدول من تسديد ما تدين به للبنوك الأوروبية الكبرى. وفي حال لم يحصل ذلك، فإن من الممكن أن تنهار تلك البنوك، وتتسبب في انهيار وول ستريت معها.
ومن المفارقات العديدة التي يزخر بها هذا الموقف، أن بعض الدول الأوروبية المثقلة بالديون إلى حد كبير (وتشكل إيرلندا أفضل مثال على ذلك)، غرقت في الديون في المقام الأول وهي تنقذ بنوكها من الأزمة التي بدأت في وول ستريت.
إنها دائرة كاملة. وبعبارة أخرى؛ فإن اليونان ليست المشكلة الحقيقية، ولا إيرلندا أو إيطاليا أو البرتغال أو إسبانيا. إن المشكلة الحقيقية تكمن في النظام المالي، المتمركز في وول ستريت.
أسم الكاتب : روبرت رايش
تعليقات