د. محمد آل عباس يطالب بايجاد جهات تشتري الرهون العقارية حتى لاتنخفض اسعار العقار بسبب تزايد معروض البيع المستعجل في المستقبل
الاقتصاد الآنأكتوبر 22, 2011, 1:38 م 844 مشاهدات 0
بل الرهن وكمبيالاته سأروي لكم حكاية ليست من نسج خيالي، بل من خيال واقعنا المؤلم. يحكى أن رجلا اشترى منزلا بطريقة نظام الإيجار المنتهي بالتمليك ''بحيث يبقى المنزل باسم البنك حتى تستكمل الأقساط'' وكانت قيمة المنزل من الشركة البائعة مليون ريال. وهذه الطريقة تقتضي فيما تقتضي أن يوقع صاحبنا على كمبيالات بكامل القيمة المستحقة وأن يدفع مقدم 100 ألف ريال، ثم بعد أن سكن في المنزل بدأ بدفع الأقساط التي يسمونها إيجارات حتى دفع 100 ألف ريال أخرى. وهكذا فإن البنك أخذ ضماناته ببقاء المنزل في ملكيته وكمبيالات ومقدم وتعهد من طرف ثالث لسداد الأقساط (تعهد من جهة العمل بإيداع الراتب لدى البنك). ثم لما استقر صاحبنا وسكن تعرض المنزل لمشكلات خطيرة في البناء دفعت بالرجل وعائلته للخروج من المنزل واستئجار شقة صغيرة، وهكذا أصبح يدفع إيجارا للشقة الجديدة مع ما يستقطع البنك منه كأقساط لتمويل البيت المشؤوم. لما سأل المهندسين عن إمكانية إصلاح المنزل أفتوه أن التخلص منه أفضل، لكنه لا يستطيع بيعه لأنه لا يملكه، بل عليه أن يعود للبنك الذي رفض إيقاف عقد الإيجار والاستقطاع من الراتب حتى توافق الشركة البائعة على إعادة المنزل ودفع المستحق للبنك، وبعد شد وجذب وافقت الشركة على ذلك وقامت برد المبلغ إلى البنك وهو المليون ريال وهكذا أوقف البنك الاستقطاعات ''كرما منه'' بينما فقد صاحبنا حقه في الـ 200 ألف لأنها تمثل فترة إيجار مستحقة للبنك، وهكذا خرج البنك رابحا في أول هذه القصة وآخرها، وعاد صاحبنا بخفي حنين فلا مال ولا منزل من أحلام.
الرهن العقاري ليس نظاما للتمويل، بل نظام للضمان على سداد الدين أو التمويل، والفرق بين هذه الثلاثة كبير. طريقة شراء المنازل اليوم تتم من خلال قيام البنك بشراء المنزل ومن ثم تأجيره إلى المواطن، وهذه الطريقة ليست بقرض وليس البيت مرهونا، بل يسمونها تأجيرا تمويليا، وهي المشهورة، ولقد عاش علماء المحاسبة ردحا من الزمن في نقاشات هائلة كي تعرض الأصول التي تم شراؤها بطريقة التأجير التمويلي ضمن الالتزامات، ليست لأنها دين، بل لأنها مجرد التزام طويل الأجل. القرض واضح فهو مبلغ في ذمة المدين لأجل معين ولا تجوز أخذ الفائدة عليه لأنها ربا محرم، فطريقة الرهن لضمان القرض لن تتبعها البنوك السعودية لهذا السبب. فتبقى أن يكون الرهن لغرض ضمان سداد التمويل، والتمويل ليست دينا بل عملية بيع وشراء. فالبنك (وفقا لما تقتضيه الفتاوى الصادرة) عليه أن يتملك المنزل أو العقار ثم يعيد بيعه للمواطن مرابحة ويتم رهن العقار لضمان للسداد.
في واقع الاقتصاد السعودي اليوم هذا لن يغير في أسعار العقار ولا التمويل ولا الفائدة شيئا يذكر. نظام الرهن العقاري يأتي - إن أتى - لحل مشكلة صاحبنا مع البنك فلا يستغل كل هذا الاستغلال، لكن هذا الهدف لن يتحقق ما لم تحل مشكلات رئيسية عدة. اثنتان منها تمس نظام التمويل العقاري ككل وليس الرهن باستثناء، وهي نوعية العقارات المعروضة ومن يضمن صلاحيتها ومدى انسجامها مع متطلبات النظام. والمشكلة الأخرى هي في عدم وجود تثمين عقاري ومثمنين معتمدين، فالمشتري وبسبب قلة الخبرة والاستعجال قد يتعرض للاستغلال بشكل غير أخلاقي وغير منطقي. في بريطانيا يقوم المشتري بتعيين محام لهذا الغرض وعلى المحامي تحمل كل مسؤوليات التثمين فيما لو حصل غش أو تدليس أو خداع.
المشكلات الأخرى تتعلق بالرهن العقاري نفسه، فالرهن أسلوب كاف لضمان سداد التمويل وإلا فقد النظام جدارته وتحولت عملية التمويل ككل إلى قرض. فيجب إلزام البنوك بعدم أخذ مقدم عند التعاقد وإذا حدث ذلك يجب إسقاطه من قيمة التمويل وعدم احتسابه في الفوائد كما يجب إلزامها بعدم أخذ كمبيالات من العميل (الراهن) تعادل قيمة الرهن ذلك أن الرهن يكفي للضمان وإلا اختل عقد الرهن تماما.
قد تتأثر السوق العقارية فعلا عندما تبدأ مشكلات في السداد ذلك أن البنك سيضطر لوضع يده على المنزل أو العقار ويعلن بيعه. وهكذا سيزيد المعروض كلما زادت مشكلات التعثر عن السداد، أضف إلى ذلك أن البنوك ليست شركات عقارية وستبيع بيع المستعجل، وهذا سيؤثر في الأسعار بشدة. ولن تحل هذه المشكلة إلا إذا وجدت جهات تشتري الرهون العقارية.
تعليقات