عبدالله الصالح يفضح 'لعب الكبار'

الاقتصاد الآن

أسرارهم، وأساليبهم في سوق الأسهم والشركات الإسلامية

3555 مشاهدات 0

من الأرشيف

عملت في شركة استثمارية إسلامية لفترة وجيزة، وكان مكتبي في غرفة التداول، لم يسبق لي أن تعاملت في السوق ومع المنصب الجديد أقحمت في هذه الغرفة الضيقة، لأتعلم ما لم أكن أعلم.

استقبلني زميلي وقال على يدي ستتعلم المضاربة في السوق، فسررت حقيقة بهذه المبادرة اللطيفة، وإليكم قصة التعلم: في صباح كل يوم يقرأ الصفحات الاقتصادية ويتصفح المنتديات بحثا عن معلومة أو خبر أو إشاعة وقبل الساعة التاسعة يتصل على مجموعة من أصدقائه في مختلف المجاميع الاستثمارية قائلا لهم: «هل من جديد؟» فيدلي كل واحد بدلوه ثم يقول: «اليوم شراح تشترون» ويجيب كل واحد ثم يتفقون على آلية معينة لرفع السهم وخفضه!

كل هذا يحصل وأذني لا تصدق ما يدار. يفتتح السوق الكويتي وإذا به يتصل على السمسار ويؤكد عليه: رجاء كن سريعا في الشراء والبيع ثم يقوم بطلب كميات متفرقة على سهم واحد، ويصفق فرحا «اشتغلنا» فأسأله وكلي حيرة: هل نمتلك كل هذه النقود حتى نشتري هذا السهم، فيجيب مبتسما: هذا طلب وعرض وهمي حتى نشتري من الأدنى ونبيع في الأعلى فأخذت منديلا أمسح به عرقي وصدمتي: يعني أنت لا تملك كل هذا ويسمحون لك بطلب وعرض ما لا تملك؟ فأجاب: عليك نور وأكمل بنظرة شفقة على حالي: هذا السوق يا أخي، لعبة نلعبها مع الكبار على المساهمين الصغار وعلى كل، اليوم سأتكفل بتغطية رواتب الموظفين من جيوب الصغار وأرجو منك التركيز، وختمها بضحكة مجلجلة!

أردت بعد هذا الخروج إلى رئيس السوق قائلا له: ألا تخاف الله، ألا تعلم بقمار السوق، ألا تعلم كيف يتداول في السوق؟ ولكنني ترددت ثم سألته: طيب وما درسناه في الكلية من أسس المضاربة وتحليل البيانات المالية والنظر في الأرباح المحققة والأنشطة التشغيلية أين كل هذا من حساباتك؟ فرجع بكرسيه خطوتين إلى الخلف وفرد يديه ثم شمر عن ساعديه فظننت أنه يريد مداعبة وجهي بقبلة، وإذا به يقول: الديرة كلها من دون قانون والشاطر من يستغل الفرصة!

وبعد مدة طلبت مني الشركة التداول في السوق، فرفضت مستعصما بالله مستعينا به غير آبه بمصيري فتقبلوا رأيي بانشراح وأكملوا دفة المضاربة على الطريقة الإسلامية، مؤكدين أن كل غرف التداول تدار بهذه المنهجية، فكنت أقول: والإسلامية منها؟ فيجيبون والإسلامية بعد!

أستغفر الله العظيم لي ولكم على ما نقلته من حوار حي أبعث به رسالة إلى أولي الأمر من المسؤولين في الحكومة وأرباب الشركات والمضاربين في السوق والمساهمين في الشركات. إن ما يحصل في غرف التداول ما هو إلا قمار منظم كيف لا والمسؤولون يقفون مكتوفي الأيدي، معصوبي الأعين عما يجري من بيع وشراء وهمي، ومن تسريب للأخبار من قبل أعضاء مجلس الإدارات، وترك الإشاعات تأخذ مساحتها من الحديث في الدواوين دون أي نفي أو إثبات!

وعلى أرباب الشركات لاسيما الإسلامية منها مسؤولية جليلة في الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية التي هي شريعة المتعاقدين بينكم وبين المساهمين، وألا تغفلوا دور هيئات الرقابة الشرعية عن أخلاقيات الممارسة المهنية فهذا من صلب عملهم، لا فقط الاجتماعات التي تريدون فيها مخرجا شرعيا لإتمام صفقة مربحة، وعلى المساهمين السؤال في الجمعيات العمومية وطلب ما يمكن أن يضمنوا به شرعية التعامل بأموالهم خصوصا أن المضاربة في السوق أمرها جسيم فهي ترجع أولا وأخيرا إلى أخلاقيات الموظفين وتوجيهات المديرين، فيا ليتكم تدققون!

وأشير إلى مفهوم إسلامي قح، وهو أن شريعتنا الغراء تحاكي الضمائر خلاف بقية الشرائع الوضعية التي تحتكم إلى القانون، فنحن إذا أردنا ممارسة مهنية شرعية نتحدث بها في المحافل

عبدالله محمد الصالح

الأنباء- مقال يفرض نفسه

تعليقات

اكتب تعليقك