قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة من أهم ركائز الاستقرار الاقتصادي السعودي ولكنها لا تحضى بالدعم والرعاية الكافية هكذا يحللان الوضع الاقتصادي في السعودية الكاتبان حسام رضوان - وتوم سبيتشلي
الاقتصاد الآنأكتوبر 13, 2011, 10:16 ص 411 مشاهدات 0
ثمة إجماع واسع النطاق على أن قطاع الشركات صغيرة ومتوسطة الحجم يلعب دوراً مهماً للغاية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأي دولة. وغالباً ما تكون نماذج الأعمال الجديدة ثماراً للشركات التي يؤسسها رواد الأعمال، والتي لا تقتصر فائدتها على حفز النمو والتنويع الاقتصادي فحسب، بل تتعدى ذلك لتسهم في توفير فرص عمل جديدة ومميزة. وعلى سبيل المثال، تم في الولايات المتحدة خلال الفترة الواقعة بين 1980 و2005 توفير نحو 40 مليون فرصة عمل جديدة من قبل شركات لم تكن أعمارها تتعدى خمس سنوات. ومن الجدير بالملاحظة أيضاً أن أغلب الشركات الكبيرة كانت قد بدأت حياتها كشركات صغيرة ومتوسطة.
وبالنسبة لأسواق النمو مثل المملكة العربية السعودية، تلعب الشركات الصغيرة والمتوسطة عموماً دوراً بالغ الحيوية في النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي نظراً لاستئثارها بالنسبة الأكبر من النشاط الاقتصادي مقارنة بغيرها. ويبدو أن نشاطها لا يرتكز على الابتكار وتقديم نماذج أعمال جديدة بقدر ما يرتكز على تطوير القطاعات الاقتصادية التقليدية مثل الرعاية الصحية، والتعليم، والخدمات اللوجستية. ونظراً لافتقار الأسواق النامية إلى السيولة والكفاءة التي تتمتع بها الأسواق الأكثر تقدماً، فإنها قد تدعم العديد من اللاعبين في مجال معين ليصار بعدها إلى تحديد الفائزين - والخاسرين - منهم بعد معرفة تأثير عدد من العوامل المختلفة مثل تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، أو نشاطات الملكية الخاصة، أو نشاطات الدمج الاستراتيجية. وتؤكد على ذلك الإحصائيات التي تظهر أن أكثر من 90 في المائة من شركات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تندرج ضمن فئات الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وفي السعودية، تشكّل الشركات الصغيرة والمتوسطة جزءاً مهماً من الاقتصاد باعتبارها تمثّل أكثر من 90 في المائة من الشركات الموجودة في المملكة. ويعد دور هذه الشركات مهماً للغاية في الوقت الحاضر نظراً لكون الاقتصاد السعودي لا يضم شركات ضخمة متعددة الجنسيات قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من الوافدين الجدد إلى سوق العمل؛ حيث يجب على رواد الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة أن ينهضوا بجزء مهم من عبء توفير فرص العمل في هذا البلد الذي تصل فيه نسبة البطالة إلى 10.5 في المائة، في حين تصل نسبة بطالة الشباب إلى 28 في المائة.
والإيجابي في الأمر هو أنه ثمة فرصة متميزة لدعم قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة في هذه المرحلة الحرجة نظراً للتدني النسبي المعهود لمستوى الاستثمار في أغلب القطاعات. وتكمن أفضل الفرص الاستثمارية في المنطقة حالياً في الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تتمتع بإدارة تشغيلية جيدة، غير أن القيود البنيوية لم تسمح لها بالحصول على الحوافز المالية والاستراتيجية اللازمة لتقديم مزيد من المنتجات والخدمات. ومن شأن الاستخدام الذكي للمال في هذا المجال أن يطلق العنان للطلب المقيّد على رأس المال ليوجد المزيد من القيمة، إذ تمتاز هذه الشركات بنموذج أعمال تم إثبات كفاءته في أغلب الأحيان في خضم الظروف الصعبة، ويتوفر رأسمال بشري يشتمل على قوة عاملة جاهزة ومدربة بالشكل المطلوب، فضلاً عن توافر كتلة كبيرة من العملاء.
من جهتها، تدرك الحكومات تماماً الفوائد المترتبة على ازدهار قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة، فعلاوة على مساهمته في توفير فرص العمل ونمو الناتج الإجمالي المحلي، فإنه يقدم أيضاً الأدوات المطلوبة للتعامل مع الشؤون الأساسية في الاقتصادات المحلية مثل التنويع الاقتصادي، ورفع مستوى الابتكار لمواكبة الأسواق العالمية سريعة النمو. ومن ناحية أخرى، ثمة مخاوف من أن تشكل التقنيات الحديثة التي تسهم بتعزيز الإنتاج عائقاً أمام توفير مزيد من فرص العمل، ولكن هذه النظرة سطحية للغاية وتتجاهل الحقائق التي تشير إليها الإحصاءات بأن معدل نمو فرص العمل جاء عقب نمو الإنتاج ضمن الأسواق الناشئة حول العالم. ولعل الصين تجسد أفضل مثال على هذه الحالة، فقد نجحت في توفير ما يربو على 200 مليون فرصة عمل جديدة خلال العقدين الماضيين.
ومن الملاحظ أنه حتى الآن لم يستطع قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة السعودي استخدام كافة قدراته الكامنة شأنه في ذلك شأن نظرائه في دول أخرى من المنطقة، إذ لا يزال يعاني عددا من نقاط الضعف التي تعيق قدرته على الاستفادة بالشكل الأمثل من انفتاح اقتصاد السوق، وازدياد سهولة إمكانية الوصول إلى الخدمات والمنتجات العالمية. ويبدو أن العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة واقعة حالياً في ما يمكن تسميته بـ ''مصيدة النمو المحدود''، حيث تقتصر أساليب إنتاجها على الوسائل التقليدية نظراً لعدم قدرتها على تبني أحدث التقنيات المتوفرة، وتعزى هذه الحالة إلى أسباب مألوفة مثل محدودية إمكانية النفاذ إلى رأس المال المؤسسي، وكثرة القيود المفروضة على تأسيس الشركات وتشغيلها. أضف إلى ذلك أنه قبل الفترة القريبة الماضية، لم يكن رأس المال المغامر والملكية الخاصة متاحين، وليس بالإمكان الحصول على قروض مصرفية لتأسيس شركات صغيرة بسبب المتطلبات الصعبة مثل الكفالات الشخصية والضمانات التي تقتضي تقاسماً غير متناسب للمخاطر.
وبالمجمل، ثمة إجماع عام على أن السعودية تتمتع بثروة من الكفاءات والقدرات في مجال ريادة الأعمال، وأن سكانها البالغ عددهم نحو 28 مليون نسمة يقدمون سوقاً كافية لامتصاص كافة الخدمات والمنتجات بكل أنواعها. ويبقى العنصر المفقود هو إمكانية الحصول على التمويل المطلوب ولا سيما رأس المال طويل المدى المتمثل في الملكية الخاصة.
تعليقات