صلاح الشلهوب يرى بأن الأزمة المالية العالمية زادت من النمو الذي يحققه الاقتصاد الإسلامي
الاقتصاد الآنأكتوبر 10, 2011, 10:13 ص 313 مشاهدات 0
كما نعلم اليوم أنه مضى على بداية الأزمة المالية العالمية أكثر من ثلاث سنوات، حيث كانت بدايتها مع أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة، التي أثرت في اقتصادات دول العالم في الشرق والغرب، وما إن يتحدث العالم عن انفراج الأزمة، وخطوات لإنعاش الاقتصاد، إلا وتتبعها مفاجأة بعكس ما هو متوقع، والأزمة انعكست على أوضاع اقتصادات عظمى في العالم، حيث كان من آثارها انخفاض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة.
في المقابل نجد أن الصورة مغايرة تماما مع الاقتصاد الإسلامي، فالأزمة المالية العالمية زادت من النمو الذي يحققه الاقتصاد الإسلامي، وزادت من الفرص لهذا القطاع سواء على مستوى انفتاح دول كثيرة في العالم اليوم على التمويل الإسلامي، أو من خلال التنوع في المنتجات والخدمات وزيادة عدد المؤسسات، بل أصبح كثير من الجامعات في دول العالم اليوم تضع الأطر النظرية والعملية لهذا العلم، من خلال وضع البرامج الأكاديمية المتخصصة، وتعزيز جانب البحوث والدراسات في هذا المجال.
هذا الانفتاح والاهتمام بالتمويل الإسلامي تنوعت آراء المتخصصين وأصحاب القرار والمهتمين بالاقتصاد في العالم فيه سواء كان ذلك من قبل المسلمين أو غير المسلمين. واختلفت التفسيرات والتبريرات عن أسباب هذا الاهتمام، من فريق يعتقد أن هذا الاهتمام اهتمام دعت إليه حاجة الدول إلى السيولة والاستثمارات بسبب الأزمة المالية العالمية، حيث إن التمويل الإسلامي قد يحقق نوعا من سد العجز القائم لدى تلك الدول من خلال استقطاب أموال دول الخليج، التي تحقق مدخولات جيدة بسبب تحسن أسعار النفط، وبعضهم يعزو ذلك إلى الرغبة في استقطاب الأموال في العالم الإسلامي بشكل عام، خصوصا مع ضعف القنوات الاستثمارية في دول العالم الإسلامي، حيث يفضل كثير من الأثرياء ورجال الأعمال الاستثمار في دول أخرى لديها فرص أكبر للاستثمار، إضافة إلى البيئة الاستثمارية الأكثر جاذبية.
هناك من ينظر إلى الموضوع من زاوية أخرى - خصوصا من بعض الباحثين غير المسلمين - حيث يرى أن النظام الاقتصادي العالمي، الذي يتبنى في الغالب النظام الرأسمالي، خصوصا بعد انهيار النظام الشيوعي، يعاني مشكلة تتعلق بالجانب الأخلاقي للنظام، حيث لا يأخذ في الاعتبار كثيرا من القيم التي هي في الأساس مقتبسة من التشريعات الإلهية، التي نجد أن الشريعة الإسلامية تضعها ضابطا للتعاملات المباحة، التي تعتبر مبادئ للاقتصاد والتمويل الإسلامي.
هناك من يرى أيضا أن مبادئ التشريع الإسلامي فيما يتعلق بالمعاملات والاقتصاد بشكل عام تنطوي على أسس وقواعد تحقق العدالة في التعامل، وحفظ حقوق الفرد والمجتمع من خلال تشريعات تمنع ممارسة أنواع من المعاملات، إضافة إلى الحد من أثر الأزمات المالية، وهذا ملاحظ من خلال مجموعة من القواعد والأسس التشريعية للمعاملات المالية.
من خلال قراءة مثلا لتحريم الربا في المعاملات، وتحريم بيع الدين بالدين، نجد أن هذا التحريم له دور في أمور منها الحد من حصول أزمة بسبب المبالغة في الاستدانة واستمرار هذه الأزمة ليس بسبب فشل المشاريع الصناعية والزراعية والاستثمارية بشكل عام، لكن بسبب ثقل هذه الديون على كاهل هذه المشاريع، التي تتعاظم مع عدم القدرة على السداد، وبالتالي ستشكل آلية الإقراض بفائدة أزمة ليس بسبب فشل المشاريع، لكن بسبب تعاظم هذه الديون. أما فيما يتعلق ببيع الدين، الذي كان سببا في أزمة الرهن العقاري، حيث تم تحويل قروض الرهن العقاري إلى صناديق بيعت حول العالم مع عدم علم كثير من المستثمرين بطبيعة هذه الديون وحجم المخاطر فيها، وعندما حصلت الأزمة فقد كثير من المستثمرين أموالهم، بل ولد ذلك أزمة على مستوى الدول. أما فيما يتعلق بمجموعة من المقامرات التي تمارسها كثير من المؤسسات المالية التي تبنى في كثير من حالاتها على رهان، دون أن يكون هناك تبادل حقيقي ومنع ذلك في المعاملات المتوافقة مع الشريعة يجعل التركيز في الاستثمار على القطاعات الاقتصادية الحقيقية والإنتاجية بدل القطاع المالي، الذي يذكر بعض الخبراء أنه اليوم أصبح أضخم بكثير من قطاع الاقتصاد الحقيقي والإنتاجي، حتى أصبح كثير من الاستثمارات المالية لا تحقق تبادلا حقيقيا، فعلى سبيل المثال لا الحصر عقود الخيارات (وهي مثال للمشتقات المالية derivative) التي يتم الرهان فيها بين سماسرة المؤسسات المالية على أساس أن المشتري له حق الخيار خلال مدة معلومة فيبيع أسهم شركة يتم الرهان عليها على أساس أن المشتري يدفع رسما مقابل هذا العقد وإذا ما ارتفع سعر شركة بعينها وطلب البيع فإن البائع يقدم له الفرق بين قيمتها وقت العقد مع إضافة الرسم الذي دفعه المشتري. فمثلا لو اتفقا على أن يتم بيع أسهم شركة ما (وقد يكون مثل هذا العقد في السلع وغيرها) من خلال عقود الخيارات options على أساس أن سعرها 100 دولار مقابل رسم قدره أربعة دولارات خلال مدة شهر، فإذا ما وصل سعر السلعة 110 دولارات، وقرر المشتري حينها تنفيذ العقد فإن البائع يدفع له الفرق وهو ستة دولارات أو يوفر له البائع الأسهم حينها، وفي حال لم يتخذ القرار بتنفيذ العقد خلال المدة المتفق عليها فإن السمسار يأخذ الرسم الذي دفعه المشتري، يتحمل الخسارة في حال كانت الأسهم لديه. وفي هذه العقود كما ترى أنه قد لا يكون هناك سلعة في الأصل إنما هو رهان، وهذا كله يصرف كثيرا من المؤسسات عن الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي، وتتم من خلال تبادلات قد لا تكون فعلا حقيقية فيولد ذلك مبادلات مالية وهمية ضخمة، وفي حال وجود أزمة ستجد أن مثل هذه الاستثمارات أصبحت فقاعة قد تلاشت، ثم لا تقف المسألة على هذه الاستثمارات، بل تتجاوز إلى قطاعات أخرى ليست شريكا في الأزمة، ومن هنا يأتي تسلسل الأزمة.
الخلاصة أن عنصر القوة في الاقتصاد الإسلامي هو من خلال تشريعات توجه الاستثمار بالطريقة التي تحقق المصلحة العامة للفرد والمجتمع، من خلال عقود تحفز الإنتاجية والاستثمار في القطاعات الاقتصادية الحقيقية، ومنع عدم المبالاة الذي قد يقود إلى أزمة اقتصادية والإضرار بأطراف المعاملة.
تعليقات