الطب التعيسة إلى الغربة السعيدة

شباب و جامعات

1466 مشاهدات 0

من الأرشيف

يومًا ما سأصبح طبيبًا استقبل أحبائي المرضى، اشخصهم و اكشف عللهم و أعالج معضلاتهم بكل حب و عطاء، و أنا مرتديًا ذلك المعطف الأبيض حاملاً معي سماعتي و أدواتي، هذا هو الحلم الذي راود الكثير منذ نعومة اظفاره، منّا من دخل هذا المجال بأوسع ابوابه باقتحامه الطب بإصرار و تحدي ضد الظروف المختلفة و الآخر غيّر مسار حياته باختيار ما يناسبه من تخصص. ان هذا الحلم الذي رافق الانسان ايام طفولته امتد كذلك للآباء و الأمهات ليروا نتاج تربيتهم أطباء تفخر بهم الكويت و يفخر ذويهم بهم و يفخرون بأنفسهم لما لهذا العمل من معاني انسانية قبل ان تكون مهنة و وظيفة لأن الطب حياة تضمن من خلالها المجتمعات وجودها، رقيّها، و بقائها، دخول الطب بحاجة إلى عزيمة، صبر، جهد و إصرار، و بحاجة إلى عمل دؤوب أيضًا من المرحلة الثانوية، فما من طالب انضم لكلية الطب عن طريق الصدفة او بسهولة بل يسبقه نسبة عالية بجانب اجتياز اختبار القدرات الأكاديمية للتأكد من أحقية الطالب في الحصول على مقعد في السنة التمهيدية بمركز العلوم الطبية، و كم جميل ان تكون هذه الكلية للطلبة المتفوقين و ليس اي متفوقين بل الأوائل على مستوى الدولة، و الأجمل من ذلك ان يختار هذا المتفوق جامعة بلاده لينال من علمها و طبها ألا و هي «جامعة الكويت»؛ هذا الصرح الأكاديمي العلمي الراقي الذي تفخر به الكويت و نفخر به نحن كطلبة.. فقط فضلت جامعة الكويت و همشت جميع الجامعات العالمية القوية و البعثات الخارجية حبًا للكويت.. فتنازلت و انضممت لهذه الجامعة.  و لكن عندما تأتي الجامعة و تقبل «عددًا ضخمًا» لمركز العلوم الطبية لينقسموا بعد سنة كاملة من التعب و الجهد لثلاث كليات و هي الطب البشري و طب الاسنان و الصيدلة نرى بالمقابل عددًا ضئيلاً من المقاعد بالنسبة للعدد الهائل الذي تم قبوله، و لا قبول لأكثر من المقاعد المتاحة رغم حاجة الكويت لأطباء من أبنائها البررة، السؤال هنا لماذا تضيع سنة كاملة من عمر الطالب الذي قبلتموه و لم يجد مقعدًا له في الكلية؟ لنطوي هذا القرار غير المدروس و ابشركم بأن استقبالنا -نحن المستجدين في العام السابق- في الكلية كان حارًا و رائعًا للغاية و مفعمًا بكافة مفاهيم الإحباط و تثبيط المعنويات و تكسير الآمال بقول إحدى أعضاء هيئة التدريس في اولى المحاضرات: «هذه الكلية لا تسع إلا لنصف عددكم، و إن النصف الثاني سيذهب لتخصص آخر، و من لم يستطع العمل بكامل قواه ليخرج من الآن و ينقل اوراقه لكلية أخرى من هذه اللحظة»، اهذا هو الاستقبال المطلوب؟ اهذا هو الطرح الذي نتفاءل فيه؟ اهذا ما يستحقونه و يريدون سماعه اطباء المستقبل؟ اهذا ما تريدونه لنفسيات الطلاب؟، لذلك اعتمدت الجامعة على سياسة «رسوب الطلاب» للوصول إلى المقاعد المتوفرة بأي وسيلة كانت، لنتذكر فهو رسوب لأوائل طلاب الكويت و فائقيها، ليعيش الطالب سنة كاملة مجهول المستقبل، غير مستقر البال، منعدم الإطمئنان، لتأتي كامل خطط الجامعة ممثلة بطاقمها بمركز العلوم الطبية المختص لطلاب السنة التمهيدية الأولى «للإطاحة» بالطلاب و «تصفيتهم» ليتبقى فقط العدد الذي وضعوه ليزعمون بذلك «اننا نريد صفوة الصفوة و فقط الجدير بهذا المجال» فأي منطق هذا الذي لا يتقبله العقل و لا الفكر؟ فأول ما يأتوا به أن يكون مقرر اللغة الانجليزية بمعدل «5 وحدات» و هذا ما يظلم الطالب الخريج من المدارس الحكومية مع الخريج من المدارس الخاصة كالامريكية و الانجليزية منها، ليصطدم الطالب «الحكومي» الذي ترعرع على مستوى لا يرقى للطموح في منهج اللغة الانجليزية، بعكس الطلاب المبتعثين الذين يكتسبون اللغة  شيئًا فشيئًا حتى يتمكنوا بها، فلم تكن اللغة عائقا بل كانت دافعًا لهم بعكس جامعة الكويت، ولم يكتفوا بذلك؛ بل قاموا بحشو العقول في كمية هائلة من المعلومات مما يؤدي إلى ضغط الطالب بصورة تفوق مقدرته على التحمل ، ليس هذا فحسب، بل ان تصعيب الامتحانات بشكل واضح و جلي كان من أهم ما يميز هذه السنة التمهيدية، و كل هذا هو من اجل «الإطاحة و التصفية». فعندما نقارن طالب طب الكويت و طالب طب الجامعات الخارجية، نرى الاخير نعم يتعب و يجهتد و لكن بالنهاية يأتي بدرجات رائعة تجعله مؤهلا لدخول السنة الثانية بكل أريحية و من دون تنافس على المقاعد بشكل مرعب كجامعة الكويت، فتعبه لم يضيع هباء، أما «المقرود» طالب طب الكويت إلى جانب  قلة نومه و حالته الاجتماعية السيئة، و أكله القليل والغير صحي و الضغط النفسي، لا يجد راحة فكرية في ثبوت مقعده في الكلية ، بل كل شئ أمامه يؤكد له أن مقعدك غير مستقر وفي أي لحظة قد يتخلى عنك المقعد الذي أستقبلك وأنت متفوق على مستوى الدولة بحجة إنك لست أهلا لهذا المجال.   فعندما قمت بمقارنة جامعة الكويت بالجامعات العريقة الخارجية في السنة الأولى بالطب، وجدت فارق مؤلم للغاية في أن الثانية تسعى لإسعاد طلابها و تثقيفهم و النهوض بهم علميا و فكريا و عقليا و نفسيا و الاهتمام بهم لتفخر بمخرجاتها، وتكسب شرف السمعة الطيبة بعد ذلك، فأول  ما تطء اقدامنا الجامعة يستقبلنا المرشد الاكاديمي الذي يرشدنا خطوة بخطوة في كيفية الدراسة و كيفية التعايش مع الجامعة و التكيف فيها و تعلم نظامها ،أما الأولى و المتمثلة في جامعة الكويت يحدث ماهو العكس  تماما و الطلاب هم من يقومون بذلك دون قصد و بشكل غير مجدي !،  و وصلت في نهاية مقارنتي إلى النتيجة الأكثر ألـمًا ألا و هي أن متفوقو الكويت و أوائلها في جامعة الكويت تُقتل احلامهم، وتحبط معنوياتهم، و يشرد مستقبل دراستهم، و تضيع سنة كاملة من عمر الطالب بلا فائدة سوى زيادة الحقد و الكره لهذه الجامعة، و أن تضطر الكويت مستقبلا بعد «شطب» أحلام فئة كبيرة من أبناء الكويت بالالتحاق لهذا المجال و خدمة وطنهم بإيفاد الأطباء من الدول الأخرى و يتم التصريح بحاجة الكويت للأطباء الكويتين رغم أن أبناء الكويت قد تعلقت قلوبهم بهذا المجال لكن سياسة غير مدروسة كسياسة الجامعة لا ترقى الا أن أقول بإنها فاشلة بالثلاث، نعم؛ هذا المجال يتطلب جهد و تعب و عمل دؤوب متواصل، و لكن ليست بالطريقة البشعة التي تخطو بها جامعة الكويت، رغم جهودات رابطة طلبة الطب الكويتية الحثيثة في الوقوف مع طلبة السنة الأولى و لكنها محدودة .. فلم تستطع الا بزيادة عدد ضئيل من المقاعد بتحركاتها المميزة فلهم كل الشكر و التقدير.  الأمّر من هذا كله ان من يحصل على معدل اقل من 2.5 في نهاية العام لم يجد مقعدًا له حتى في الصيدلة، ليس هذا فحسب بل ان وزارة التعليم العالي لا تنظر لأي طلب منهم لمن يتقدم للدراسة للولايات المتحدة الامريكية، بالعامية «جامعة الكويت ما ترحم و لا خلت رحمة الله تنزل» و كل التوفيق لمن حالفه و لمن لم يحالفه الحظ في السنة الأولى.  ختاما إلى كل من يرغب في دخول كلية الطب وإلى كل من تراوده الأفكار لاقتحام هذا المجال ، أقول له نصيحة طالب فائق قام بتجربة لو عادت الأيام قليلا لما قام بها، أن لا تفكر إلا بجامعة عريقة خارج الكويت، فتصنيفها أفضل من جامعة الكويت و سياستها راقية مع طلبتها و بلاشك أرقى من سياسة جامعة الكويت ،  ولأنها جامعة تقوم بدعم طموحك بل و تشجعك لتحقيقه واقعا  و ليست جامعة كابحة للطموحات و قاتله للمعنويات، فتبًا لهكذا نوع من الجامعات التي تسعى لقمع طلابها و الإطاحة بهم و تشريد مستقبلهم .. فإن كانت هذه سياسة مركز العلوم الطبية على ارض الوطن .. فأهلا وسهلا بالغربة السعيدة.


أحمد محمد العلي
طالب مستجد بمركز العلوم الطبية سابقًا
مبتعث بالمملكة المتحدة-مانشستر حاليًا

كتب: أحمد محمد العلي

تعليقات

اكتب تعليقك