الفساد ضخم، والسرقات فظيعة، والرشوة سائدة، والتقصير منتشر، ونهب المال العام على قدم وساق، ومحاولات الارتداد عن الدستور قائمة.. مقطع من افتتاحية القبس

زاوية الكتاب

كتب 1510 مشاهدات 0


 

القبس

 

 

قضية القبس اليوم

ربيع الكويت في نظامها

 

في الكويت أحياناً يصبح الخط الفاصل بين الواقعية في السياسة والنزعات الطفولية المغامرة خيطاً رفيعاً.

النهج الأول غالباً ما يوصل إلى النتائج المرجوة، اصلاحاً في مؤسسات البلد، وتطويراً في أدائها، بينما نهاية النهج الثاني طريق مسدود، سلبي النتائج، مسيء للعملية الاصلاحية، لأنه يغرقها بالشعارات ويحرفها عن الأهداف المرجوة.

مناسبة الكلام هي ما يتردد أحياناً من سياسيين هواة أو معتّقين عندنا، كما من نواب مخضرمين أو مستجدين، من أن الكويت بحاجة إلى «ربيع عربي» يعالج ما فيها من مشاكل، وينقلها من حال قائم إلى مستقبل أفضل.

قبل كل شيء، نؤكد ان أحداً لن يكون بمنأى عن الزلزال الذي يضرب العالم العربي، أو ارتداداته، أو يستطيع الاستمرار وكأن شيئاً لا يحدث حوله أو في محيطه، ومن هنا نطرح سؤالاً مباشراً: هل تحتاج الكويت إلى ربيع عربي؟ 

نحن على يقين ان الاجابة المنطقية هي بالنفي، لكن نطرح المسألة من باب التنبيه إلى مخاطر الطرح وسلبياته، مع رفض التشكيك في نوايا كثيرين ممن يطرحونه.

ولله الحمد أن أحداً من هؤلاء لم يصل إلى الدعوة إليه، ويكتفون بالتلويح به، ربما لإدراكهم في قرارة وعيهم أن ما في الكويت مختلف جذرياً وتماماً عما كان قائماً في الأنظمة التي جرفتها، أو تلك التي ستجرفها، ثورات الربيع العربي.

وربما نجد لهم العذر في ما يذهبون إليه تحت وطأة الخلل الكبير والتردي المتفاقم اللذين تعيشهما البلاد في غير قطاع دون ان تكون لديهم رؤية للمخرج، أو عدم إدراك لأبعاد طرحهم، فيأخذون الكويت، بمثل هذا التحريض غير المبرر، إلى مكان غير محمود.

لقد تفتَّحت أزهار الربيع العربي، وقامت الانتفاضات الشعبية العارمة التي استحقت الدعم والتأييد ضد أنظمة حكم قمعية مستبدة وفاسدة، حكمت بالحديد والنار والتخويف والسجون والقتل والتشريد، وأبقت شعوبها في براثن التخلف، وحرمتها من التنمية والتطور، وسمَّرت بلدانها خارج العصر، وأقامت أنظمة دكتاتورية تكرّس عبادة الفرد، وتصادر الحريات على أنواعها، وتسخّر القضاء لحسابها، وأجهزة الدولة لحمايتها، وتخنق كل صوت معارض أو حتى معترض.

بل لم تتردد هذه الأنظمة في ذبح شعوبها، واحتكار خيرات بلدانها لحساب فئة قليلة، فعاثت فيها فساداً فوق فساد، وتمسكت بأولوية الأمن لنفسها ولسيطرتها.

لقد كانت هي في مكان والشعوب في مكان، فكان تفجر ثورات شعوبها ضدها حتمياً يفرضه منطق التاريخ ومجراه.

فهل هذا هو وضعنا في الكويت؟! وهل تنوء كواهل شعبنا، أبنائه وبناته، رجاله ونسائه، بأعباء الاضطهاد والظلم والقهر والحرمان من مقومات الحياة الإنسانية، صحة، وتعليماً، وسكناً، وعملاً، ومصدر رزق، وحرية رأي وتعبير؟!

أبداً، فهذه ليست الكويت، وهذا ليس نظامها.

فنظامنا اخترناه وارتضيناه وبايعناه، وهو خيار حر ومستمر.

نظام ديموقراطي السيادة فيه للأمة، يقوم على دستور متطور ومتوازن، ويستند الى مؤسسات شرعية، امتاز عبر قرون بروح الاسرة التي تربط الكويتيين جميعاً، حكاماً ومحكومين، رئيس الدولة فيه يظل أباً لابناء هذا الوطن جميعاً.

نظامنا الديموقراطي ملتزم بالمشاركة الشعبية، ويوفر الضمانات لتجاوب الحكم مع اتجاهات الناس واحاسيسهم، مما حقق للكويت وشعبها انجازات كبرى في مختلف المجالات، ونقلها خلال خمسين سنة الى دولة عصرية، ذات مستوى معيشي متقدم، وحياة انسانية متطورة، وممارسة سياسية حرة.

هذا لا يعني مطلقاً أننا في بلد افلاطوني، او جنة على الأرض، أو أننا وصلنا الى مستوى مثالي في السياسة والاقتصاد والعلم والحياة. أو اننا لا نواجه مشاكل، ومصاعب، وانتهاكات، ابداً.

فالخلل موجود، والفساد ضخم، والسرقات فظيعة، والرشوة سائدة، والتقصير منتشر، ونهب المال العام على قدم وساق، ومحاولات الارتداد عن الدستور قائمة، واحلام اليقظة باغتيال الديموقراطية مستمرة.

هذه الظواهر السلبية لا تخلو من مثلها حتى أعرق الديموقراطيات، لكن المهم أن تتوافر آليات كشفها، وتتحقق محاسبة من يرتكبها، حتى يكون النظام قادراً على تنظيف نفسه منها.

وبالفعل، فإن نظامنا الديموقراطي يضمن آليات الكشف عن العفن والحق في محاربته، والاستمرار في التصدي له ومكافحته حتى الانتصار عليه، شرطا لصيانة بلدنا ونظامنا وحكمنا.

فنحن من ينتخب نوابنا ونرسلهم لتمثيلنا في أهم مؤسسات نظامنا على الاطلاق، وهي مجلس الأمة، سلطة التشريع والرقابة. وصحافتنا تمارس حرية واسعة، وآخر إنجازاتها التاريخية كشف الايداعات المليونية المتضخمة والمشتبه فيها لنواب، حتى وصلت إلى القضاء، وقضاؤنا نزيه منصف.

والأهم من هذا وذاك أن سمو ربان السفينة يدرك حجم الفساد الذي علينا مواجهته، ومساوئ استمراره، وخطر عدم التصدي له. ونحن على ثقة كاملة بأن الربان الذي يقود سفينة الكويت، بتأييد ودعم وتقدير واحترام من أهلها وكل قواها، هو أكثر المدركين لضرورة تعزيز نظامنا الدستوري وتطويره، وتعميق الممارسة الديموقراطية، وان هذا الهدف الكبير يمر حتماً عبر محاربة الفساد والمفسدين، ومحاسبتهم، في أي موقع كانوا، ولهذا اعلن سموه، في آخر خطاب لشعبه خلال العشر الأواخر من رمضان، أنه وجَّه الحكومة إلى تسريع إنجاز الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، باعتبار الفساد ألد أعداء الشعوب وأنظمة الحكم والتطور، خاصة عندما يتفشى في المؤسسات المنوطة بها إدارة البلاد.

الأنظمة العربية التي سقطت، أو التي في طريقها إلى السقوط، ركزّت كل همّها وعملها على حماية نفسها من شعوبها، بينما نظامنا في الكويت قام على تمثيل إرادة شعبه، لذا فإن شعبه يريده ويتمسك به.

نريد الإصلاح، ومعالجة الخلل حيثما وجد، ومحاربة الفساد، ومعاقبة المفسدين، وتطوير حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذه مهمة وطنية آنية وملحّة وضرورية، كما نسعى الى تطوير نظامنا إنما من داخله، وفي إطاره.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك