مستعرضة نماذج لصروح «الفساد» المشيدة.. تصرفات الحكومة لا توحي بالدبره في القرارات ولا بالثقة في اختيار القيادات الاقتصادية.. افتتاحية الوطن

زاوية الكتاب

كتب 892 مشاهدات 0



الوطن


صروح.. «الفساد» المشيدة


كانت دعوة حضرة صاحب السمو أمير البلاد حفظه الله ورعاه لمجموعة من رجال المال والاقتصاد وخطابه في افتتاح اجتماعات اللجنة الاستشارية الاقتصادية دليلا جديدا، اذا كنا نحتاج الى دليل جديد، على حرص سموه على مسيرة الاقتصاد الكويتي في الامد القريب والامد البعيد، في خضم الازمات الاقتصادية الحادة التي تعصف في اقتصاديات الدول المتقدمة، قبل النامية، من امريكا الى اوروبا الى الشرق الاقصى.
وكعادته، أكد صاحب السمو وبصورة قاطعة ان أي اجراءات تقترحها اللجنة يجب ان لا تمس المواطن محدود الدخل فلا يكون ضحية لاخطاء الكبار، وقد أصاب سعادة رئيس مجلس الامة جاسم الخرافي عندما اكد ان نجاح اي مقترحات مرهون بحسن التنفيذ وهذه مسؤولية الحكومة.
ولكن المؤسف أن اجتماع اللجنة ما كاد ينتهي حتى حاول بعض اصحاب المصالح «اقتطاف» ثمرته عندما صرح اكثر من «خبير اقتصادي» ان اكثر الاختلالات الاقتصادية موجودة بالاساس في الباب الاول (الرواتب)، وقالوا ان هذا التوسع في الانفاق على الباب الاول إذا استمر «سيأكل» كل دخل النفط وألمحوا إلى ان المسؤول عن الزيادات بالباب الاول هو مجلس الامة.. وهذا حق – جزئيا على الاقل – ولكن يراد به باطل.
فإذا تمعنا في الميزانية يظهر لنا ان الباب الاول لا يتجاوز ربع الميزانية بينما الزيادات غير المبررة –بل الزيادات الجنونية – كانت في باقي ابواب الميزانية من الباب الثاني الى الخامس.
ونحن باستطاعتنا ان نبحث الإنفاق الحكومي في كل ابواب الميزانية واوجه الفساد والتبذير في التنفيذ لمعظم إن لم يكن لجميع المشاريع، ولكن نكتفي اليوم بنقاش سريع لبعض المشاريع الكبرى التي يحاول البعض- زوراً - ان يصورها وكأنها أساس التنمية، ونسأل كيف اتخذ القرار في هذه المشاريع.
نبدأ بميناء مبارك الكبير، ولا يهمنا هنا الاحتجاجات غير المبررة من الجانب العراقي، ولكن نقول ربما كان هناك مبرر استراتيجي لبناء ميناء جديد بسعة 12 رصيفا (حسب الدراسة الاولى)على الرغم من ان نصف ارصفة ميناء الشويخ معطلة لو تم اصلاحها لانتفت الحاجة إلى ميناء جديد، ولكن من الذي اتخذ قرارا بزيادة عدد الارصفة فيه الى 40 رصيفا.. هكذا بكل بساطة وبجرة قلم؟ واين الدراسة التي تؤكد الحاجة إلى ميناء بهذا الحجم في شمال الخليج، علما بانه سيكون أكبر من ميناء جبل علي في مدخل الخليج مما يؤهله لاستقبال عدد اكبر من السفن. ومن حقنا ان نتساءل: أين الدراسة التي تثبت ضرورة هذا التوسع الهائل في حجم ميناء مبارك والذي يجعله من اكبر خمسة موانئ في العالم؟
هل تريدون ان نتكلم اكثر؟
لنتكلم اذاً عن طريقة اتخاذ القرار، ولنتساءل بوضوح.. من المستفيد من مشروع «جسر جابر» علماً بأنه مشروع يفتقد الى اي اساس اقتصادي؟ وعلماً بأن هذا المشروع عندما عرض على القطاع الخاص للتنفيذ على اساس نظام (B.O.T) تساءلت الشركات المدعوة للمزايدة: «من الذي سيستخدم هذا الجسر ويدفع رسوما مقابل الاستعمال والعبور عليه؟».. وعندما عجزت الحكومة عن إيجاد التبرير الاقتصادي لجأت الى «التبرير الاستراتيجي» وطرحت فكرة انه يقرب المسافة الى مدينة الحرير في الصبية بنصف ساعة على الاقل!!.. على الأقل انتظروا حتى يتم بناء مدينة الحرير او حتى نباشر بناءها قبل ان تصرفوا سبعمائة مليون دينار ستزيد حتما الى مليار دينار.
هل تريدون ان نتكلم عن المدرج الثالث بالمطار (علماً أن مطار هيثرو يتكون من مدرجين فقط!!) ولماذا كان المدرج بهذا الطول؟!
هل تريدون ان نتكلم عن ميناء الشحن الجوي وهو اكبر من ميناء الشحن الجوي في فرانكفورت (اكبر مطارات الشحن في اوروبا) واكبر من اي مطار شحن في العالم.
اما توسعات المطار فحدث ولا حرج، ستجعل من مطار الكويت اكبر من مطار هيثرو!!.. ولكن كل ذلك يتم وسيتم بدون دراسة لاقتصادية المشروع، والدراسات ان وجدت فهي دراسات هندسية.
واخيرا وليس آخراً، قطار النقل العام داخل المدينة، اين الدراسة الاقتصادية له؟ نعم.. كلفت وزارتا الاشغال والمواصلات بإجراء الدراسة الهندسية له، ولكن أين الاقتصادية؟ أم أننا في الكويت «نفهمها وهي طايرة».. ولا نحتاج الى دراسات اقتصادية!! والخلاصة ان هناك دائماً ما يدعو الى الريبة والشك عندما يبرر مشروع ما على اساس استراتيجي ولا تقدم عنه دراسات اقتصادية.
هذه الأمثلة التي تم استعراضها هي قليل من نتائج «سوء الدبره»، ان لم نقل الفساد والتنفيع في اختيار مشاريع يريدون اقناع الناس بأنها تنموية، وهي مشاريع إن نفذت ستكون «صروحاً مشيدة» تثبت الجنوح في اختيار المشاريع الى سوء التدبير.. (تأدباً).. أو الفساد والسفه إن قلناها بصريح العبارة.
يزيد الأمر سوءاً على سوء حاله انعدام ثقة المستثمر في الاقتصاد الكويتي، علماً بأن المستثمر ليس معنياً بأي معلقات مديح تكيلها الحكومة لنفسها ولكنه معني بما هو موجود على أرض الواقع، ولا يختلف اثنان بأن التعيينات في الفترة الماضية كانت، ولا تزال تعتمد على اسباب سياسية لتوفير اكبر دعم سياسي للحكومة، وليست تعيينات قائمة على اساس الكفاءة، ولعل في تعيينات النفط والبورصة وهيئة سوق المال الأخيرة اكبر دليل على ذلك، بل حتى عندما وجدت وزيرة التجارة الجديدة ان تعيين ثلاثة من الاعضاء في هيئة سوق المال يتعارض مع القانون اتهمت بأنها تسعى لاختيار اشخاص محسوبين عليها، ثم دعوا إلى إعادة تعيينهم بعد تصحيح أوضاعهم، علماً بأن ذلك لو كان ممكنا قانونياً فليس فيه ملاءمة ادارية، ويفتح الباب للطعن في قرارات الهيئة مستقبلا.
ختاماً.. نقترح على اللجنة لكي تنجح في أعمالها ان تكوّن فريقاً لزيارة الشقيقة المملكة العربية السعودية ودراسة سوق المال هناك وطريقة طرح المشاريع في المؤسسات العريقة والناجحة ومنها شركة أرامكو، وليعلموا ان إصلاح الاقتصاد يحتاج الى «دبره وثقه»، لكن تصرفات الحكومة في الفترة السابقة لا توحي بالدبره في القرارات ولا بالثقة في اختيار القيادات الاقتصادية.


الوطن

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك