بعد نجاح ثورات عربية، وأخرى على الطريق، خليل علي حيدر يناقش طبيعة الوضع في دول الخليج، خاصة مسارات الإصلاح في السعودية

زاوية الكتاب

كتب 1117 مشاهدات 0



الوطن

مسارات الإصلاح.. في السعودية

خليل علي حيدر



يبقى التساؤل قائماً حول قدرة الرياض على لعب دورها كقوة محافظة على الصعيدين القومي والإقليمي مهما كانت طبيعة الأنظمة القادمة في الدول العربية المنافسة

أظهرت الاقتراحات المعلنة بشأن توسيع عضوية مجلس التعاون جسامة التحديات التي تجابه دول المجلس


ما الذي ستفعله الدول الخليجية ازاء التطورات السياسية الزاحفة على العالم العربي منذ نجاح الثورة في تونس ومصر؟
وما الاقطاب الجديدة التي ستتشكل في هذه البلدان من المحيط الى الخليج، ان نجحت ثورات ليبيا وسورية واليمن؟ وهل ستستطيع المملكة العربية السعودية بالذات ان تبقى «قوة محافظة» وان تلعب هذا الدور على الصعيد القومي والاقليمي مهما كانت طبيعة الانظمة القادمة في الدول العربية المنافسة؟ وهل ستستطيع دول مجلس التعاون الخليجي بكل هذا الثراء ونقط الضعف الحالية، ان تصمد في وجه الضغوط الايرانية ان فقدت السعودية اوراق قوتها، وان جرى مثلا تقارب مصري، تركي، ايراني؟
كتاب د.احمد منيسي «حركات التغيير الجديدة في الوطن العربي»، مركز الامارات للدراسات، أبو ظبي، 2010، الذي عرضنا جانبا منه، يتناول بعض ما يفيد في فهم واقع المملكة والحراك السياسي فيها، مما قد يعيننا على فهم توجهاتها القادمة.
فقد شهدت السعودية حراكا سياسيا واضحا، يقول الباحث منذ مطلع العقد الحالي، أي منذ عام 2001، وكان لهذا الحراك دوره «في دفع النظام الحاكم الى تبني خطوات اصلاحية عدة».
ما اسباب هذا الحراك، الذي جاء خاصة بعد احداث 11 سبتمبر وتحت تأثير منها؟ هناك ثلاثة دوافع دولية واقليمية وداخلية. فقد تركزت الانظار على المملكة بعد تلك الاحداث المروعة التي شكلت نقطة تحول سياسية بارزة في الحياة الامريكية نفسها، وفي العلاقات الامريكية – الخليجية في الوقت نفسه، وقد اعتبرت بعض الدوائر الامريكية السعودية «نظاما منغلقا، تستند شرعيته الى قيم دينية ربطت بالوهابية، واعتبرت مسؤولة عن تفريخ عناصر ارهابية تحمل الكراهية للغرب كله، وكان ذلك بفعل اتهام 15 سعوديا من بين 19 متهما بتنفيذ هجمات 11 سبتمبر». وطالبت مجلة «نيوزويك» القيادة السعودية «ان تأمر بإجراء مراجعة شاملة لمساعداتها المالية للاسلام المتطرف.. وان تسيطر على زعمائها الدينيين وتجبرهم على وقف الغزل للتعصب». ونشرت مجلة «تايم» استطلاعا للرأي يشير الى ان %72 ممن اخذت آراؤهم «قالوا ان المملكة العربية السعودية لم تعد بلدا يمكن الثقة به كحليف، وقال %80 انها بلد لا يتعاون مع الولايات المتحدة في الحرب ضد الارهاب».
على الصعيد الاقليمي، شكلت تطورات الازمة العراقية ضغوطا قوية بعد حرب الخليج عام 1991، حيث اثيرت تساؤلات في المملكة العربية السعودية بعد احداث 2001 في نيويورك، حول دور القواعد الامريكية في التحرك ضد النظام العراقي والتي ادت الى سقوطه عام 2003، وكان الواقع العراقي الجديد، يقول د.منيسي، من حوافز التحرك الجديد في السعودية باتجاه المزيد من الانفتاح، فقد «اتاح سقوط نظام صدام حسين الفرصة لتنامي دور الشيعة في العراق، وكان لذلك تداعياته لجهة حفز الاقليات الشيعية في دول مجلس التعاون، ومن بينها المملكة العربية السعودية، على المطالبة بدور اكبر في العملية السياسية».
وكان الداخل السعودي قد شهد منذ تسعينيات القرن الماضي تصاعد المطالب الاصلاحية والتحديث المجتمعي، على شكل عرائض تم رفعها الى ملك البلاد، ومنها عريضة رجال الاعمال في نوفمبر 1990، والتي طالب فيها 43 من الموقعين بتأسيس مجلس للشورى وتحرير وسائل الاعلام واعطاء المرأة دورا اكبر في الحياة العامة وتحديث النظام القضائي واصلاح نظام التعليم.
وفي «مذكرة النصيحة» عام 1991، طالب 50 من الفقهاء بتأسيس مجلس تشريعي وبمكافحة الفساد وتوزيع موارد البلاد بالتساوي بين المواطنين.
وقد استجابت السلطات في بعض الخطوات الاصلاحية منذ مارس 1992، فأصدرت انظمة تتعلق بهيكل الحكم وتحديد مناطق الدولة واقامة مجلس الشورى، كما تم تقسيم السلطات الثلاث في الدولة، وحددت الدولة بـ 13 منطقة لكل منها مجلس، وقد تشكل مجلس الشورى من 60 عضوا بالتعيين لديهم مهام استشارية، وفي عام 2001 تمت زيادة عدد الاعضاء ليبلغ 120 عضوا، وهكذا انتقلت المملكة في نظامها السياسي الى واقع جديد، حيث يعد «النظام الاساسي» اول دستور مكتوب للدولة منذ تأسيسها، وقد حمل الكثير من ملامح الدساتير المعاصرة.
وشهدت الحياة السياسية في المملكة منذ عام 2003 المزيد من العرائض والمطالب الاصلاحية اهمها «بيان الاصلاح»، الذي رفعه 100 مثقف سعودي الى ولي العهد آنذاك، الامير عبدالله بن عبدالعزيز، طالبوا فيه بوضع دستور للبلاد والفصل بين السلطات واجراء اصلاحات جذرية في القضاء، وقدمت 450 شخصية شيعية عريضة «شركاء في الوطن»، تضمنت دعوة الى البحث في اوضاع الطائفة، و«الاعتراف بالمذهب الشيعي وزيادة تمثيل الشيعة في الاجهزة التنفيذية للدولة وفي مجلس الشورى وفي المؤسسات الدينية، والغاء القيود والمضايقات على ممارسة الشعائر الدينية، وضمان حرية التعبير والتعليم الديني». ودعت عريضة اخرى باسم «رؤية لحاضر الوطن ومستقبله» الى بناء دولة المؤسسات الدستورية واعلان عفو عام عن المعتقلين بتهم سياسية أو محاكمتهم محاكمة علنية عادلة، ورفع القيود المفروضة على العمل الشعبي. «ودعت هذه العريضة الى مؤتمر وطني عام للحوار، تناقش فيه المشكلات الاساسية التي تواجه المجتمع السعودي، وتمثل فيه جميع المناطق والفعاليات وجميع الاطياف الثقافية». ومن ابرز هذه العرائض «عريضة الملكية الدستورية»، التي قدمها 116 اصلاحيا في ديسمبر 2003، وتضمنت مطالب اكثر جرأة، «ابرزها اصلاح دستوري شامل، وتعزيز المشاركة السياسية».
على صعيد الواقع، كان من المؤشرات التي شهدتها السعودية خلال عقد التسعينيات، الى جانب العرائض، تأسيس «الحركة الاسلامية للاصلاح»، كأول قوة سياسية معارضة في الظروف الجديدة، فقد عرفت المملكة العديد من الحركات السرية والتنظيمات العقائدية، وقد اسست «الحركة الاسلامية للاصلاح» في عام 1996 بعد خلاف داخل «لجنة الدفاع عن حقوق الانسان»، التي اسسها بعض اساتذة الجامعة ورجال الدين المعارضين في مايو 1993، وتم حظر الجمعية بعيد تشكيلها، مما اضطر المتحدث باسمها «محمد المسعري» للجوء الى بريطانيا، وقد اصبحت هذه الحركة بقيادة د.سعد الفقيه، حاملة راية المعارضة، ومستفيدة من مختلف اجهزة الاعلام، وبخاصة اذاعة «صوت الاصلاح» والقناة التلفزيونية على القمر الاوروبي.
ونتج عن هذا التحرك تأسيس مركز متخصص في الحوارات الفكرية والوطنية تحت اسم «مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني»، يوفر قناة شرعية للتعبير السياسي، كما قرر مجلس الوزراء السعودي في اكتوبر 2003 تنظيم انتخابات جزئية للمجالس البلدية. «وفي توقيت متزامن اعلنت مصادر سياسية سعودية انه يجري التخطيط لانتخاب جزء من اعضاء مجلس الشورى السعودي المعين، وواكب هذا الاعلان عقد مؤتمر عن حقوق الانسان في المملكة، واستضافة وفود اجانب للرد على الاتهامات الغربية لسجل حقوق الانسان فيها».
وفي اكتوبر 2003 اعلنت الحركة الاسلامية عن تنظيم تظاهرة يوم 2003/10/14 في شوارع الرياض، مقر اجتماع اول منتدى لحقوق الانسان يعقد في المملكة، «وتجمع حوالي 100 سعودي بالفعل في الشارع وهتفوا الله اكبر، داعين الى الاصلاح قبل ان تطلق الشرطة السعودية اعيرة تحذيرية في الهواء وتعتقل نحو 50 شخصا من المحتجين كان معظمهم من الشباب».
وقامت السعودية بتعديل بعض مواد مجلس الشورى، وسمحت في مارس 2004 بتأسيس الجمعية الوطنية لحقوق الانسان، وتكونت الجمعية من 40 عضوا، كان من بينهم عشر سيدات، كما اسست السلطات هيئة الادعاء والتحقيق، أي النيابة العامة، لتقوم بمهمات التحقيق مع المتهمين بدلا من الشرطة، كما تأسست جمعية للصحافيين وانتخبت الهيئة السعودية للمهندسين مجلس ادارتها، وفي خطوة غير مسبوقة قُبلت مشاركة النساء ترشيحا وتصويتا في العملية الانتخابية.
واتخذت الدولة اجراءات اصلاحية عدة في مجال تنقية المناهج المدرسية من الافكار المتطرفة، وفي مجال التوازن بين المواضيع الدينية وغير الدينية، وحذفت الاشارات التمييزية الى المسلمين الشيعة والى غير المسلمين، واستبدلت بها مواد تدعو الى احترام الديانات، وتنامت بين شباب السعودية «حركة التدوين» الالكتروني، وقد قدر عدد المدونين في المملكة عام 2006 بما بين 500 – 600 مدون ومدونة، يكتبون بالعربية والانجليزية، كان اشهرهم «داود الفرحان»، حيث سُجن عام 2007 لمدة اربعة شهور.
وفي اكتوبر 2006 تم اصدار «نظام هيئة البيعة»، الذي حسم مشكلة ولاية العهد ونظم انتقال الحكم ضمن اسرة الحكم، حيث يمكن للهيئة المشرفة ان ترفض الاسماء التي يرشحها الملك، وان تعين مرشحا لم يقترحه الملك، «كما توكل الهيئة الى لجنة طبية مهمة التأكد من اهلية الملك وولي عهده لادارة الحكم». وقد اصدر الملك عبدالله في ديسمبر 2007 مرسوما ملكيا بتعيين 35 ابنا وحفيدا لمؤسس المملكة، الملك عبدالعزيز آل سعود، اعضاء في مجلس هيئة البيعة، تحت رئاسة مشعل بن عبدالعزيز.
انطلقت الحركة الاصلاحية السعودية من المنظور المعرفي والفكري السلفي العام، ولكنها سرعان ما طورت افكارها ومفاهيمها لتتحول «من خطاب غارق في التراث والتاريخ، الى خطاب واقعي يناقش القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية بشكل مقنع، ويستخدم لغة معاصرة تستوعب المتغيرات.. وبمرور الوقت زاد عدد المتعاطفين معهم، وخاصة في صفوف الليبراليين والشيعة، واصبحت مواقفهم اكثر جرأة، وخاصة فيما يتعلق بالفكر الوهابي المهيمن على المملكة، وشكل هؤلاء تيارا اصلاحيا جديدا اطلق عليه «الليبرواسلاميون»، وقد استوعب الوضع الجديد في المملكة بعض رموز المعارضة الاسلامية السابقين، مثل سلمان العودة وعائض القرني، فيما اختار آخرون الدعوة السلفية الجهادية العالمية، كمناصرين ومنظرين ومتحدثين باسم هذه النزعة المتطرفة الجديدة، فيما اتجه انصار تيار «الليبرواسلامية» منذ عام 1998، نحو اعادة صياغة دعوتهم «الهادفة الى الاصلاح السياسي بنمط اسلامي ديموقراطي، موجهين في الوقت نفسه انتقادات غير مسبوقة للمفاهيم الوهابية، ومشددين على ضرورة التلازم بين الاصلاح السياسي والديني، وعلى هذا الاساس تمكنوا من اقامة تحالف مع عناصر من غير الاسلاميين السنة في الساحة الفكرية السعودية وهم الليبراليون والشيعة، وخلق منبر سياسي وطني ديموقراطي مناهض للوهابية».
وهكذا، فالتيار الاصلاحي السعودي يضم اتجاهين رئيسيين، اولهما يتمثل في «الاسلاميين المعتدلين»، وثانيهما في «الاصلاحيين الليبراليين»، وكلاهما يتفق على «الحاجة الى الضغط من اجل الاصلاح، لكن مجال تركيز كل منهما مختلف، فالاسلاميون المعتدلون من السنة ينتقدون التفسير الوهابي الاصولي للاسلام، ويركزون بشكل اكبر على ضرورة اصلاح المؤسسة الدينية، اما الاصلاحيون الليبراليون، فيركزون على تثبيت الافكار الحديثة الخاصة بالاصلاح السياسي، مثل تفعيل انماط المشاركة السياسية، وتدعيم المجتمع المدني، ويتخذ الاسلاميون المعتدلون الشيعة مواقف شبيهة بموقف الليبراليين».
وفي تحليله النقدي للمشروع الاصلاحي السعودي، يلاحظ د.منيسي ان المشروع لم يتمكن من تجاوز نخبويته ليزداد تفاعلا مع قاع المجتمع، كما لم تجر اطراف المشروع الاصلاحي انفسهم حوارات بينهم في لقاءات مفتوحة، لذا بقيت لديهم هواجس ومخاوف متبادلة، وعجزت الحركة عن ان تؤسس مشاريع عمل مشتركة، بل لايزال المشروع مفتقدا لبرنامج هادف لتجذير ثقافة الاصلاح، حيث اقتصر نشاط الاصلاحيين على البيانات والعرائض المكتوبة، دون تأسيس الاطر والآليات المناسبة.
ان كتاب د.احمد منيسي، الصادر عن مركز الامارات للدراسات، قد نشر عام 2010، قبل ثورات العالم العربي كما ذكرنا، مما يجعله كتابا فريدا في بابه، وكذلك بالطبع قبل احداث البحرين والمسار المؤسف للمحاولة الاصلاحية فيها وتدخل قوات درع الجزيرة وغير ذلك.
كما اظهرت الاقتراحات المعلنة بشأن توسيع عضوية مجلس التعاون الخليجي لتشمل المملكة الاردنية الهاشمية والمملكة المغربية، من جانب، وتفاقم ازمة دول المجلس وبخاصة الكويت والبحرين والسعودية مع جمهورية ايران من جانب آخر، جسامة التحديات التي تجابه دول المجلس والسعودية بما في ذلك الحركة الاصلاحية فيها.


خليل علي حيدر

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك