يقارن بن طفلة بين الربيع العربي والصفري الانجليزي وبين مارك دجن ومحمد بوعزيزي
زاوية الكتابكتب أغسطس 13, 2011, 9:30 ص 2591 مشاهدات 0
أثار الربط بين الثورات العربية والشغب الإنجليزي فكرة هذه المقالة. وقد انتشر الربط بينهما بوسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. غير خافٍ على المتابع الفرق بين الثورات والمظاهرات وبين الشغب والنهب والسلب. ما يجري في لندن ومدن بريطانية أخرى هذه الأيام، هو شغب ونهب وسرقة، هو 'الفرهود'-كما يسميه العراقيون- بأوضح صوره وبلا تردد.
الصْفِري بلهجة بادية الخليج هو الخريف، ولعل اسمه مشتق من إصفرار العشب والأشجار في موسم الجفاف.
في الربيع العربي، سالت الدماء ومات الآلاف واعتقل وعذب عشرات الآلاف، ولازال الربيع العربي يزهر قبوراً لضحايا المطالبات بالحرية والتخلص من الديكتاتورية. أما في الصفري الإنجليزي، فقد هب آلاف المراهقين والشباب لنهب المحال والمجمعات والأسواق التجارية، ومهاجمة الشرطة وراح ضحية الصفري الإنجليزي خمسة قتلى وجرح عشرات الشرطة. هجمات المراهقين وسرقاتهم تركزت على محال ألعاب الفيديو، ومحال الملابس الرياضية، ولم تتركز الهجمات على مخازن الأغذية والجمعيات التعاونية، مما يدل على أن المشاغبين ليسوا من الجياع، كما أن المشاغبين هاجموا مخفرين للشرطة فقط، على الرغم من أن الشرارة أشعلها قتل الشرطة لشاب بريطاني أسود -مارك دجن- لكن عدم الهجوم على مراكز الشرطة والسجون، يعبر عن نوع العلاقة مع هذه المخافر والسجون، على خلاف الربيع العربي الذي استهدف ثواره أجهزة المخابرات ومقراتها، ومخافر الشرطة ومعتقلاتها.
يختلف المشاغبون عن الثوار اختلاف الليل عن النهار، فالمشاغبون لم تكن لهم مطالب، ولم يكن لهم ممثلون ولا لجان شبابية ولا شعارات 'مشاغبة' سوى: لِمَ أشتر غرضاً أريده إن كنت سأحصل عليه بنهبه دون مقابل؟
لكن الثورات العربية اشتركت بشعارات موحدة، كانت قومية ووحدة عربية في شعاراتها: حرية وديمقراطية وكرامة وحقوق إنسان ومحاربة الفساد.
حاول بعض المغردين على 'التويتر' مقارنة البوعزيزي التونسي بـ'دجن' البريطاني، ولكن شتان بينهما: فالبوعزيزي أحرق نفسه احتجاجاً على القهر والظلم، و'دجن' أطلقت الشرطة النار عليه في عملية لا تزال تحقيقاتها جارية. أقارب الضحية 'دجن' يرون أنه لا مبرر لقتله سوى لونه، بينما تدعي الشرطة أن الضحية كان يحمل مسدساً فدافع الشرطيون عن أنفسهم وأردوه قتيلاً.
لكن فارق الحادثتين كبير، فبوعزيزي أشعل ثورة رفعت شعار 'الشعب يريد إسقاط النظام'، وهو ما كان، و'دجن' أشعل أعمالاً للنهب والسرقة والشغب دون شعار أو هدف يجمع المشاغبين سوى 'الغنيمة' المجرّمة.
بعض المحللين لاموا الشرطة البريطانية على تراخيها في التصدي للشغب منذ اندلاعه، وبعضهم لاموا الظروف المعيشية التي يعاني منها هؤلاء الفتية، وثقافة الاستهلاك التي تعبئهم للحلم بأشياء لا يستطيعون اقتناءها وشراءها.
التعامل الحكومي مع الشغب في بريطانيا يعكس فروقاً في هيكلية الدولة بين الديمقراطيات والديكتاتوريات العربية. الديكتاتور العربي نعت الثائرين ضده بأوصاف غريبة عجيبة: هم عملاء ومندسون ومهلوسون ومخربون وقاعدة ومتطرفون وإرهابيون وجراثيم.. إلخ الأسطوانة التي رددها الديكتاتور في خطبه قبل سقوطه أو أثناءه، وتوعد بسحقهم وبالقضاء على المؤامرة وبالدفاع عن سجله في الإصلاح والديمقراطية.
أما الحكومة البريطانية، فقد قطع رئيس وزرائها إجازته، ودعا البرلمان لجلسة طارئة ليشرك الشعب في قراراته، وليرص الصفوف لإجراءاته، وليحمل الجميع مسؤولياته، وهو ما كان. ففي مجلس العموم البريطاني أظهرت الأحزاب البريطانية قدراً من المسؤولية في جماعية التصدي للشغب، رغم النقد الشديد للحكومة وإجراءاتها، ولكن الشعور بالمسؤولية دفع الجميع للتسامي فوق الخلافات الحزبية، وتجنب التكسب السياسي والمزايدة الانتخابية وانتهاز الشغب لتحقيق نقاط ضد الحكومة.
ما جمع الصفري الإنجليزي بالربيع العربي عامل واحد مهم جدّاً: التكنولوجيا والإعلام الاجتماعي، ولهذا العامل مقال آخر...
تعليقات