دعوة التجار لحوار وطني، يراها محمد الدوسري محاولة جديدة لتضليل الرأي العام
زاوية الكتابكتب يوليو 6, 2011, 1:19 ص 848 مشاهدات 0
عالم اليوم
غربال
حوار وطني للتضليل
كتب محمد مساعد الدوسري
“رأس المال جبان” عبارة طالما ترددت على مسامعنا كلما دار الحديث في الشأن الاقتصادي، ويروج لها الاقتصاديون في كل مكان عند
الحديث عن الاستثمار والمال، إلا أن الحقيقة مغيبة في هذه العبارة، فالمال جماد، مثله في ذلك مثل الحجر والمعدن، وعلى ذلك فلا يمكن أن
يكون هناك حجر جبان، مثلما لا يمكن أن يكون هناك مال جبان، والجبان في هذه الحالة هو التاجر المالك لهذا المال، والذي يخفي جبنه خلف
هذه العبارة المخادعة.
المقدمة أعلاه لا علاقة لها بالموضوع إلا لتوضيح علاقة المال بصفة الجبن، أما موضوع المقال فيتناول الدعوات لعقد حوار وطني موسع
للإصلاح السياسي، والتي تروج لها بعض الفعاليات الاقتصادية المسيطرة على رأس المال في الكويت، إذ إن هذه الدعوة تستوجب البحث
والتمحيص لنعرف أسباب هذه الدعوة الحقيقية، وما إذا كانت صادقة أم لا؟، فكل مواطن مشمول في هذه الدعوة، لعلاقته بها بشكل مباشر لما
تشكله من أهمية تتعلق بمستقبل الوطن.
بجردة سريعة لمواقف التجار من الفساد المستشري في جهاز الدولة الإداري والمالي، نجد أنهم لم يساعدوا في كشف حالات فساد، بل كانوا
شركاء أساسيين في كل قضية فساد معلنة، وتفرغوا في الفترة الماضية للدفاع عن الحكومة ووزرائها، لدرجة هجومهم على كل استجواب تم
تقديمه في السنوات الثلاث الأخيرة، متذرعين في ذلك بعدد كبير من الأعذار، جاء جلها تحت عنوان الحفاظ على الاستقرار والبدء في
التنمية، بينما لم يرى المواطن البسيط في التنمية إلا سرقات مليارية تذهب إلى جيوب هؤلاء التجار، فهل هذا الحوار جزء من حملة الأعذار
الجديدة لتستمر تنمية الفساد الذي يستفيد منه التجار؟.
أسباب هذه الدعوة كثيرة، ويأتي على رأسها محاولة استرداد عباءة الوطنية التي تخلوا عنها، وتقديم أنفسهم على أنهم ورثة التجار الوطنيين
المؤسسين الساعين لحماية الوطن من التصدع والانهيار، بعد أن سقطوا في امتحانات محاربة الفساد المتعددة التي تعرضوا لها في الآونة
الأخيرة، ومنها الاستجوابات المقدمة لرئيس الوزراء وبعض من وزرائه، إذ كانوا خط الدفاع الأول لهذه الحكومة، متجاوزين في ذلك كل ما
ثبت عليها من مخالفات جسيمة وخروقات كبيرة للدستور وللقوانين.
من الأسباب الأخرى التي لا تخفى على أحد، تخوف التجار من فقدان السيطرة على دفة الصراع السياسي، فالساحة لم تعد حكرا عليهم،
والشعب أصبح أكثر قدرة على تنظيم نفسه وتحديد أولوياته، وما المظاهرات والاعتصامات والتجمعات التي حصلت خلال هذا العام، إلا دليل
على فقدانهم لهذه السيطرة التي استمرت طويلاً، وعلى ذلك فإن أي حراك شعبي مهيأ لإحداث تغيير كبير في الساحة السياسية هو أمر
مرفوض من قبل التجار، بل وقد يرونه خطرا يتهدد مصالحهم التي تجبرهم على أن يكونوا أصحاب القرار الوحيدين في مثل هذه التغييرات
الكبيرة، ليحافظوا على قوتهم التي مكنتهم من السيطرة على موارد الدولة لردح من الزمن.
هذا الحوار الذي يدعو له التجار هو محاولة جديدة لتضليل الرأي العام، فالفرص الكثيرة التي لاحت لإحداث تغيير كبير في شكل الدولة قد
ولت، بعد أن تخاذل التجار عن ممارسة دورهم الإصلاحي إن وجد، وما محاولاتهم الجديدة لإعادة إنتاج أنفسهم إلا فرصة لهم لالتقاط الأنفاس
بعد أن كُشفت الكثير من أوراقهم، وآخرها صفقتهم الشهيرة التي جاءت على حساب الشعب، والتي استفادوا منها مرحليا، وما هذه الدعوات
إلا مناورة لإبقاء الأمور على ما هي عليه، فهم على رأس المستفيدين من الأوضاع الحالية، ولنا في المشاريع المليارية التي أصبحت توزع
بحسب أسماء العوائل دليل لا يقبل الشك.
نعم البلاد بحاجة ماسة إلى حوار وطني شامل، إلا أن هذا الحوار لا يمكن أن يعقد أو أن يكون فعالا بوجود مثل هذه الحكومة، وعلى من
يطالب بهذا الحوار أن يقدم قربانا واضحا حتى يقتنع الشعب بصدق نواياه، أما التأرجح بين حبال الوطنية والمصالح، فهي حالة لا يمكن أن
يثق بها أحد، فهناك طريق منفصل لكل منهما، بيد أن رأس المال جبان، ولا يجرؤ على المخاطرة، حتى لو كانت تصب في مصلحة الشعب.
تعليقات