على وقع الربيع العربي..القبس ترى أن لاخيار أمامنا سوى بدء حوار وطني جاد ، يضم كل الأطياف، لرسم خطة طريق تقود عملية الاصلاح السياسي
زاوية الكتابكتب يوليو 4, 2011, 12:53 ص 816 مشاهدات 0
القبس
قضية القبس اليوم
ربيع الكويت بحوار أبنائها لا بالحل الأمني
الثورات العربية، أو ربيع العرب الديموقراطي، فرض علينا نقاشاً كان يفترض أن يكون صريحاً وشاملاً، فإذا به جزئي وموارب، فجاء تحت عنوان مقتضب «هل تؤثر هذه الثورات علينا في الكويت أم لا»؟.. لذا جاءت الاجابات، كما هو متوقع، جزئية ومتناقضة أيضا.
ونقول اليوم إنه آن الأوان لإعادة النقاش إلى إطاره الحقيقي، والثورات اسقطت نظامين في بلدين عربيين، وتستمر في ذروتها وقمة احتدامها في ثلاثة بلدان عربية، لكي يأتي صريحاً ومباشراً وشاملاً، حتى لا نفاجأ بالتطورات إذا داهمتنا أي احداث – لا سمح الله – ولكي نحمل سلفاً ردوداً صحيحة عليها تغنينا عن امتحان عصيب يعصف الآن بعالمنا العربي، فهناك من ثار وهناك من سيثور، وكانوا ليبدلوا تبديلاً سلساً لو توافرت لهم اجواء حياة سياسية طبيعية، أساسها تداول السلطة وعمادها حوار ديموقراطي صحيح وصحي.
أولاً وقبل الدخول في التفاصيل، لا بد من تأكيد حقيقة، وهي بديهية بقدر ما هي منطقية، بأن أحداً لن ينجو من تداعيات الزلزال العربي، خصوصا حصول المواطن العربي على مزيد من الحريات، ومن الديموقراطية وحكم المؤسسات، وفصل السلطات، ولدينا، في الكويت، الكثير منها ولكن ينقصنا الكثير ايضا، وان كان ذلك ــ من حسن حظنا ومن بعد نظر الآباء المؤسسين ــ سيجعلنا ندفع اقل ثمن ممكن، ويكفي في المرحلة الاولى اسقاط بعض الأوهام الأمنية من رؤوس البعض عندنا، والتي تصر على تجريب المجرب، حتى تسير الأمور في الاتجاه الصحيح.
إن الأنظمة العربية التي سقطت، أو التي في طريقها إلى السقوط، بنت سياساتها على أولوية حماية نفسها بالحلول الأمنية على حساب أي شيء آخر، وبالتالي مقاومة أي مطالبة بالإصلاح والمشاركة الشعبية، فأسست الاجهزة الأمنية على أنواعها، وخصوصا الحرس الجمهوري والأمن الخاص والعام وكل أشكال أجهزة المخابرات وأنواعها، ومن مهامها أيضا التجسس بعضها على بعض منعا للمفاجآت غير السارة، فإذا بهذه المفاجآت تأتيها من الشارع، ومن التحرك السلمي للناس، فأعملت بهم تنكيلا، لأنها أدركت أن الخطر عليها يأتي من هنا، حيث لا يفل القمع إلا الحرية، ولا ينقض سياسة الاذلال إلا الكرامة الإنسانية.
طبعا، هذه الأنظمة لم تشعر بالتغيرات العظيمة التي حصلت داخل بلدانها وخارجها، بعد أن أغرقت نفسها في الاطمئنان الأمني الزائف، فانقلب سحر القوة على ساحر الاستبداد، فسقطت شرعية الانظمة بالقمع الذي استخدمته والعنف الذي مارسته بإسراف منقطع النظير، بعد تغييبها كل البدائل الديموقراطية.
لم تحسب هذه الأنظمة حسابا لأجيال الشباب الجديدة، ولم تدرك حجم رغبتها بالتغيير بحكم انفتاحها على العالم، وهو انفتاح لم يتوافر للأجيال التي سبقت، خصوصا أن أكثر من نصف شعوبنا من الشباب.
لم تحسب هذه الأنظمة حسابا لثورة الاتصالات والعالم الافتراضي الهائل للانترنت، وعالم التواصل الاجتماعي للفيسبوك والتويتر اللذين بات مفعولهما التنظيمي يفوق أكبر الأحزاب قدرة على التنظيم وبعلانية كاملة، لأنه لم تعد هناك ضرورة للسرية، كما لم تعد هناك امكانية لكي ينفرد نظام بشعبه قمعاً وتنكيلاً وتقتيلاً، فأصبحت الصورة منقولة إلى العالم بلحظات، وبالتالي أصبح بطشها مدانا من العالم أجمع.
لم تحسب هذه الأنظمة حسابا للزمن، مع أنه أصبح متسارعا أكثر من أي وقت مضى، فتوهّمت أن الناس استسلموا لاستبدادها، فاعتقدت أنها تستطيع توريث جمهورياتها لأبنائها، بعد أن سرقتها من شعوبها بانقلابات عسكرية في غفلة من الزمن. وقد فوجئت كل منها رغم ما جرى في الجمهورية التي قبلها، وفي كل مرة بتبرير مختلف أقنعت نفسها به، متناسية أن الحرية واحدة والكرامة الإنسانية.. لا تتجزأ.
وقبل هذا كله، نسيت في ذروة اطمئنانها الى مظالم الاستبداد، ووحشية التعسف، وجور الاجهزة، حقيقة ابدية ساطعة، وهي أن الشعوب تعشق الحياة دائماً، وإن تراخت أو اهملت لحظة أو حتى لحظات.
إن حركة الشعوب الأوروبية عندما بدأت في أوائل القرن التاسع عشر بالمطالبة بالحريات والمشاركة، لم يصمد من الملكيات الأوروبية الا التي تأقلمت مع هذه المطالب. واليوم فإن رياح التغيير تهب على منطقتنا، لهذا علينا ان نقرأ التاريخ جيداً، ونستخلص منه الدروس لنحفظ نظامنا.
ونحن نقول للذين يملكون القرار في بلادنا الحبيبة: يجب المبادرة إلى العلاج واصلاح المعوج، قبل ان يدركنا الوقت. فكل الأنظمة التي سقطت، أو ستسقط، هي أنظمة بُنيت على سياسة غض الطرف عن الفساد والمفسدين، حتى جرفها الطوفان الذي بدأ في المنطقة، وسيعمها ولن يسلم منه الا من تسلح بعملية اصلاح بكل جوانبها واشكالها السياسية وغير السياسية. والمرحلة المقبلة، أردنا أم لم نرد، هي مرحلة حكم الشعوب. وبقدر ما نكيّف أنفسنا مع هذه الحقيقة تسلم الكويت من هذا الطوفان القادم.
فهل سنقرأ الأمور التي تحدث في المنطقة بتجرد وذكاء، وهل نحكّم العقل والعقلاء، أم نسمع للمتملقين وللذين مازالوا يعيشون في أحلام الماضي وسباته، حيث يعتقدون أنه بالقوة والحل الأمني تعالج كل الأمور؟
إن الشباب، وهم يطالبون بالاصلاح السياسي والاداري، وتحسين الأداء الحكومي، وتطهير البلد من الفساد بكل أشكاله، انما يسعون الى المطالبة بأمر مستحق منذ مدة طويلة، وهو أمر مشروع ملح باستمرار، وهم لم يتبعوا أسلوب التظاهر السلمي، الا بعد أن فشلت جميع الوسائل في تحقيق مرادهم، والحكومة ملزمة، لا بل مطالبة اليوم، ان تتحرك حتى لا تتطور الأمور إلى الأسوأ.
إن من المفارقات القريبة منا، ان النظم الملكية العربية في المغرب والاردن، تعاملت مع مطالب الناس بإصلاح سياسي، ولم تستعمل الخيار الأمني أو أسلوب القتل، بينما الجمهوريات مثل اليمن وسوريا وليبيا ومصر وتونس واجهت مطالب الشعب بالخيار الأمني والقتل، ولم يشذ من الممالك الا البحرين التي استعملت الأسلوب الأمني، وأخيرا تأكدت من عدم جدواه، وعادت للحوار الوطني.
إن الكويت دولة صغيرة ومحاطة بدول كبيرة متربصة، ولا تتحمل أي اضطراب ولا أي قطرة دم تراق. والحكمة وصوت العقل مطلوبان.
إن جيل الشيوخ جابر الأحمد وسعد العبدالله وصباح السالم وصباح الأحمد وغيرهم من عائلة الحكم، وبمشاركة رجالات الكويت من الشعب، وبقيادة الشيخ عبدالله السالم، قدموا لنا دستور 1962 فحفظَنا 50 سنة، أما جيل الصباح الجديد وجيلنا من أهل الكويت، فلم يضيفا لهذه الخطوة المتطورة مزيداً من المشاركة والحريات، حتى غدونا متخلفين عما يحدث حولنا، وقد نصبح في مجرى الطوفان القادم إذا لم نتحرك إلى الأفضل.
لذا، لا بد من تشكيل لقاء للحوار الوطني، يضم كل أطياف المجتمع، وهو ضروري بمقدار ما هو مستعجل، ولطالما نادينا به، كونه المخرج الوحيد الذي يجنبنا النزول إلى الشارع، حيث إن نوابنا عجزوا عن تقديم البديل لنا ولشبابنا، فهم لم يعودوا قادرين على أن يفكروا في عملية الاصلاح، بحجمها الكبير وبعدها العام.
وكذلك حكومتنا لم تعد تملك القدرة ولا الرغبة، وكذلك لم تعد تملك الثقة الشعبية، لتتولى هذه المهمة وحدها، ومن هنا بات من الضروري أن يكون هناك حوار وطني بالمعنى الواسع للكلمة، ليرسم خطة طريق تقود عملية الاصلاح السياسي، ومن أين يبدأ وإلى أين ينتهي. وان يكون حوارنا صريحا وجادا، وليس حوار طرشان، حوارا نضع فيه النقاط على الحروف، والاصابع على موضع الألم.
إن العلاج الصحيح، مهما كان مرّا ومؤلما، فهو يهون في سبيل أن تسلم الكويت ونظامها، وليس هناك خيار لنا إلا أن نبدأ، فكل الأنظمة التي سقطت في هذا الطوفان، إنما سقطت لأنها تأخرت في العلاج، على أن يكون اطار هذا الحوار دستورنا، وقاعدته ثوابتنا، وروحه نحو مزيد من الحريات والمشاركة التي ارتضيناها وتعاهدنا عليها.
تعليقات