تركيا العثمانية العلمانية وشرف صندوق الانتخابات (الحلقة الخامسة والأخيرة )

عربي و دولي

سلسلة تحقيقات عن التحولات في الجمهورية التركية تنشرها ((الآن)) على حلقات

داهم القحطاني 2575 مشاهدات 0


 

انتهت مطلع شهر يونيو الجاري الانتخابات التركية بفوز كبير لحزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أوردغان لفترة ثالثة ليتولي هذا الحزب حكم تركيا للمرة الثالثة على التوالي في إنجاز لم يسبقه إليه حزب تركي آخر.

 

 

وتزامنا مع هذا الحدث المهم، ومع المرحلة المقبلة والتي يتوقع فيها أن تكون للسياسة التركية في منطقة الشرق الأوسط تأثيرات أكبر، تنشر جريدة الآن الإلكترونية  وعلى حلقات سلسلة من التحقيقات قام بها الكاتب والمدون داهم القحطاني خلال رحلة سياسية شارك فيها مؤخرا في الجمهورية التركية، وضمت الرحلة سياسيين وبرلمانيين وأكاديميين من عدد من الدول العربية.

 

 

منع الحجاب في تركيا ... آخر معارك العلمانية

حين حكم حزب العدالة والتنمية تركيا عام 2002 أثيرت قضايا مختلفة تتعلق بطبيعة الحزب الإسلامية، إما من أجل إحراجه أمام مناصريه، أو من أجل التعجيل في إثبات أنه حزب يعمل على هدم مقومات النظام العلماني، ومن هذه القضايا المنع التقليدي لارتداء الحجاب في الدوائر الحكومية وفي الجامعات التركية،  ومسألة منع ارتداء الحجاب في البرلمان التركي وما ترتب على ذلك في عام 1999 حين تم  طرد النائبة المحجبة مروة قاوقجي من القاعة البرلمانية في لقطة شهيرة تمثلت في قيام نواب حزب الشعب الجمهوري بالضرب على طاولات القاعة البرلمانية،  قبل أن يصدر قرار بسحب جنسيتها التركية لاحقا على اعتبار أن لديها جنسية أجنبية.

 

هذا التطرف العلماني في تركيا تجاه قضية تتعلق بالحريات الشخصية جعل بعض المتابعين للشأن التركي يصف هذا التطرف العلماني بالتوحش.

 

قضية منع الحجاب في الجامعات والوظائف العامة في تركيا بدأت منذ العام 1925 في خلال فترة حكم مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك ضمن إجراءات عدة تهدف إلى قطع صلة تركيا  بجذورها الإسلامية تمهيدا للظهور كدولة عصرية تنتمي لأوربا، وهي الإجراءات التي تضمنت قرار منع لبس الطربوش الذي اشتهر به الأتراك، وكذلك حظر أنواع من الأزياء المحتشمة.

 

 الحجاب في تركيا لم يكن قبل عام 1980 قضية سياسية  بالمعنى الدقيق ، ولكنه أصبح كذلك حين قرر القائد العسكري كنعان أيفرين والذي تولى رئاسة الجمهورية التركية منع المحجبات من دخول كل مؤسسات الدولة التركية بما فيها المؤسسات التعليمية كالمدارس والمعاهد والمدارس إضافة لما هو معمول به سابقا من منع للمحجبات من الدراسة في الجامعات  .

 وزادت المعاناة في هذا الجانب حين أصدرت الحكومة الائتلافية برئاسة مسعود يلماظ عام  1997 قانونا سمي بالتعليم المستمر لثماني سنوات في المرحلة الإعدادية أدى لاحقا إلى عدم تدريس المرحلة الإعدادية في مدارس الخطباء والأئمة وهي المدارس التي كانت الفتيات يرتدين فيها الحجاب.

 

 كما أن المحكمة الدستورية أصدرت حكما قاسيا ضد ارتداء الطالبات للحجاب يقضي بطرد الطالبة المحجبة على الفور.

 

 مفارقات الحجاب كثيرة في تركيا، فالآلاف من الطالبات المحجبات اضطررن للدراسة خارج تركيا، لهذا تشهد الجامعات في أذربيجان وسوريا ولبنان ومصر والولايات المتحدة وكندا وغيرها من الدول إقبالا من الفتيات التركيات، وحتى ابنة رئيس الوزراء رجب طيب أوردوغان نفسه درست في الخارج كونها محجبة، أما الطالبات التركيات اللاتي رفعن قضايا ضد هذا المنع في محاكم تركية وأوربية  فبلغ عددهن نحو 10 آلاف طالبة وجدن أنفسهن محرومات من التعليم الجامعي كما الحال بأول طالبة محجبة تعرضت لذلك في الستينات من القرن الماضي وهي نسيبة بولايجي  والتي دخلت قاعة جامعية في كلية الإلهيات في أنقرة  بحجابها قبل أن تضطر لنزعه بعد ذلك نتيجة لضغط شديد من الإدارة الجامعية.

 

 ومن المفارقات أيضا أن زوجة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان السيدة أمينة منعت ذات مرة من دخول مركز صحي تابع للقوات المسلحة لزيارة مريض، بسبب حجابها.

 

 والغريب أن هذا المنع يتم في حين أن الإحصائيات تشير إلى أن 67 بالمئة من التركيات يرتدين الحجاب، وإن كان البعض يرى أن النسبة أقل من ذلك وأنها قد تصل إلى 52 في المئة، كون الحجاب الإسلامي يختلف عماا يسمى بغطاء الرأس التركي التقليدي التي ترتديه معظم النساء القرويات.

 

 ثلثا الشعب التركي وفق الاستطلاعات بما فيهم  منتمون لتيارات قومية وعلمانية، يقفون ضد حظر الحجاب، ولهذا تمكن حزب العدالة والتنمية عام 2008 -وبمشروع قانون مشترك مع حزب الحركة القومية- من إصدار قانون يسمح بارتداء الحجاب في الجامعات التركية، إلا أن المحكمة الدستورية ووفق تحرك من قوى علمانية قامت بإلغاء القانون.

 

 المسألة لم تتوقف عند هذا الحد، فقد تحركت القضية مرة أخرى عبر تعميم أصدره  رئيس مجلس التعليم العالي الدكتور يوسف ضياء منع فيه الأساتذة في الجامعات من طرد الطالبات المحجبات، وأن يقوموا بدلا من ذلك وفي حال حصول مشكلة التنسيق مع مدير الجامعة.

 

 هذا التعميم، ونتيجة لمتغيرات في الساحة السياسية وربما لحسابات انتخابية، لم يجد موقفا مضادا من حزب الشعب الجمهوري والذي كان دائما ما يتصدى لمثل هذه القضايا، فقد أعلن رئيسه أن الحزب لن يعمل على إبطال تعميم رئيس مجلس التعليم العالي عبر المحكمة الدستورية، إضافة إلى أن هذا الحزب العلماني الذي يعتبر نفسه وريثًا لمبادئ كمال مصطفي أتاتورك كان له موقف لافت أعلن فيه أنه وإذا شكل الحجاب عقبة أمام الحق بتحصيل التعليم فالحزب سيكون ضد حظر ارتداء الحجاب.

 

 أما رئيس حزب الحركة القومية دولت باهجلي فاعتبر أن التعميم لا يكفي،  وطالب بحسم قضية الحجاب نحو السماح به من خلال الأطر التشريعية.

 

 


أعضاء في الوفد العربي خلال زيارة لمبنى البرلمان التركي ويبدو في خلف أحد حرس البرلمان بهندامه المميز 


الحجاب في البرلمان التركي

 قضية حظر الحجاب في تركيا -والذي يبدو أنها شارفت على الانتهاء- حضرت بقوة في لقاء الوفد العربي برئيس لجنة المساواة بين الجنسين في البرلمان التركي والوزيرة السابقة لحالة الجمهورية في الحكومة التركية من العام 2002 إلى 2007  جولدال أكست وهي عضوة في البرلمان فازت على لوائح حزب العدالة والتنمية.

 

 وكان لافتا خلال اللقاء الذي تم في مقر اللجنة في البرلمان التركي ذي المبنى المهيب الذي يتواجد فيه الحرس التركي ذو الهندام العسكري الرفيع،  أن السيدة جولدال نفسها غير محجبة، ولكنها تولت شرح هذه القضية في خطاب شهير ألقته في الأمم المتحدة حينما كانت وزيرة، حيث ردت على أسئلة بهذا الخصوص، فكانت إجاباتها -رغم اعتدالها- بداية للقضية التي رفعها حزب الشعب الجمهوري عام 2008 ضد قانون السماح بارتداء الحجاب في الجامعات ونجح في إلغائه.

 

 السيدة جولدال قالت ردا على سؤال في هذا الشأن خلال اللقاء بالوفد العربي 'هناك ترقب لكل ما يصدر في شأن قضية الحجاب كي يستغل سلبا، فإجاباتي عن الأسئلة في الأمم المتحدة كانت عامة، ومع ذلك رفعوا القضية اعتمادا على ما نشرته الصحف التركية هنا عن اللقاء الذي جرى في الأمم المتحدة وليس اعتمادا على ما قلت'.

 

 


الوزيرة السابقة ورئيس لجنة المساواة بين الجنسين في البرلمان التركي السيدة جولدال أكست تتحدث للوفد العربي 

 

وحين حاول بعض أعضاء الوفد أن ينتقدوا ما أسموه تخلي حزب العدالة والتنمية الذي تنتمي له السيدة جولدال عن قضية الحجاب رغم جذور الحزب الإسلامية ورغم أن الحزب يتقلد السلطة منذ نحو تسع سنوات، اعترضت على هذا التشكيك وقالت 'نحن نتحرك في هذه القضية كونها قضية تتعلق بحقوق الإنسان، وقد تم بالفعل إصدار قانون يسمح للطالبات بارتداء الحجاب بالتنسيق مع أحزاب أخرى، لكنه ألغي من قبل المحكمة الدستورية'.

 وماذا عن موقف الحزب من هذه القضية الآن ؟ , أجابت السيدة جولدال ' تكونت لدى الحزب قناعة بأن هذه القضية ستحل عبر الزمن وعبر التوافق المجتمعي ولهذا نجد الأمور تسير في صالح إنهاء هذه القضية ' .

 

 



متابعة من أعضاء في الوفد العربي  لحديث السيدة جولدال عن منع الحجاب في تركيا

ماذا عن الرأي المعارض تقليديا لإرتداء الحجاب في تركيا ؟

ليس هناك أفضل من القيام بزيارة لمقر حزب الشعب الجمهوري الذي يعتبر نفسه كما أسلفنا حاميا لمبادئ مصطفى كمال أتاتورك العلمانية للإجابة على هذا السؤال.

 الوفد العربي وخلال اللقاءات التي عقدت في مقر الحزب اطلع على رأي آخر حول تقييم عمل حكومات حزب العدالة والتنمية كما اهتم بمعرفة رأي الحزب العلماني في قضية منع ارتداء الحجاب.

 

 جدول اللقاءات تضمن زيارة لمقر وقيادات حزب الشعب الجمهوري والذي كان لسنوات قليلة هو الحزب الحاكم في تركيا، وهو الحزب الذي يكتسب أهمية تاريخية كونه الحزب المؤسس لتركيا العلمانية.

 

 مقر الحزب زين بأشرطة ضخمة كجزء من الحملة الانتخابية للحزب، وهو مقر فخم يتضمن عددا كبيرا من المكاتب والقاعات إلا أن المكان كان هادئا نسبيا، والسبب انشغال الأحزاب السياسية في الحملات الانتخابية، وانتشار مرشحي الحزب في المراكز الانتخابية التي يأملون أن تساهم في زيادة حصة عدد مقاعد حزبهم.

 

 اللقاء كان مع نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري للعلاقات الخارجية عثمان عثمان كوروتورك، وهو سفير سابق ترك العمل الدبلوماسي للتو وسبق له العمل كسفير لتركيا في عواصم مهمة عده منها باريس وطهران، كما تولى مهام ممثل تركيا في العراق بين العامين 2003 و2005.

 

 


الأحزاب التركية لا تختلف حول أساسيات السياسة الخارجية

 

 

 

الوفد العربي الذي كان يتوقع طرحا حادا ومضادا لسياسات حزب العدالة والتنمية في الحكم من قبل نائب رئيس الحزب العلماني الأهم، تفاجأ حين علم بأن عثمان قد عاد للتو من رحلة إلى العاصمة الفرنسية باريس في وفد مشترك ضم نوابًا من أحزاب تركية مختلفة -من ضمنها حزب العدالة والتنمية- تمكن فيها هذا الوفد التركي المشترك من إقناع اللجنة الدستورية في البرلمان الفرنسي بتبني قرار يمنع إصدار البرلمان الفرنسي لقرارات تتعلق بالأحداث التاريخية ومنها أحداث العام 1915 بين الأتراك والأرمن، على أن تتم مناقشة مثل هذه المواضيع من قبل الأكاديميينن ما يعني عمليا عدم إصدار البرلمان الفرنسي لقرار يدين تركيا في هذا الشأن كما كان متوقعا.

 

 عثمان، الدبلوماسي السابق، لم يبتعد كثيرا عن دبلوماسيته حين خاطب الحضور وبصوت واثق قائلا 'سبب شرحي لهذا الموضوع التأكيد على أن السياسة الخارجية التركية سياسة وطنية، وإظهار أن الأحزاب السياسية في تركيا تظهر التوافق تجاه القضايا الوطنية.

ينظر حزب الشعب الجمهوري إلى الدول العربية على أنها مهد الحضارات، وأنها تحتضن مصادر طبيعية غنية للغاية، لهذا فالحزب وفي حالة توليه الحكم سيسعى لتحويل المنطقة برمتها إلى أن تكون مركزا للتبادل الاقتصادي في العالم، ولم يفوت عثمان، وهو يتحدث في هذا الجانب، فرصة انتقاد وزير الخارجية التركي أحمد أوغلو حين بين أن حزب الشعب الجمهوري سيحاول تقليل المشاكل في المنطقة، ولكن لن يقول أنه سيجعل عداد هذه المشاكل صفرا كما صرح ذات مرة أوغلو.

 حزب الشعب الجمهوري يقدمه عثمان كحزب ديمقراطي اجتماعي، ولهذا فهو يولي أهمية كبيرة للحريات العامة كحرية التعبير عن الرأي والتظاهر وحرية الجامعات، ولهذا لم يتردد عثمان في التأكيد على جدية الحزب في هذا الشأن حين كشف أن الحزب يفكر وبعد انتهاء الانتخابات البرلمانية في إعداد دستور جديد للبلاد.

 

 ولأن الأتراك لا يتركون شيئا للصدفة ولا يكتفون فقط بالأماني كما هو الحال في الوطن العربي، يبين عثمان أن اللجنة الدستورية في الحزب أوشكت على الانتهاء من تعديلات لا تستهدف تعديل الدستور فقط، بل وتثبيت مبادئ لإدخالها في الدستور كاستقلالية القضاء، والدمقرطة، والتوزيع العادل للرفاه.

 

 وكما هو الحال في حزب العدالة والتنمية الحاكم، والذي أكد متحدثوه مرارا على دور مؤسسات المجتمع المدني والأكاديمي في صنع القرارات، يوضح عثمان أن الدستور التركي الجديد يجب أن يتم إعداده عبر الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والأكاديميين من أجل التوصل إلى دستور عصري.

 

 

أرقام حزب العدالة والتنمية اقتصاديا جميلة لكن الفقر يزيد

 

 

عثمان بعد هذه المقدمة بدأ بانتقاد سياسات حزب العدالة والتنمية الحاكم، خصوصا فيما يتعلق بالشأن الاقتصادي الذي يعتبره الحزب الحاكم سر نجاحه، فالاقتصاد تحت حكم حزب العدالة والتنمية -وفق عثمان- يعاني من بعض المصاعب، فرغم أن التنمية تزيدن إلا أن البطالة لا تقل، كما أن عدد الفقراء في تركيا وصل إلى 12 مليون تركي، ما جعل حزب الشعب الجمهوري يتبنى مشروعًا لمعالجة ذلك عبر فكرة الضمان الاجتماعي أو العائلي، وتقوم فكرته على صرف راتب شهري لكل عائلة معدومة الدخل بحيث لا يقل الراتب عن 600 ليرة، ويتصاعد إلى 1200 ليرة حسب عدد أفراد العائلة، على ألا يكون هذا الراتب مستمرا وإنما مؤقتا إلى أن تؤمن الدولة العمل لهم، وكان لافتا في هذا المشروع أن راتب الدعم يصرف للمرأة لا للرجل من أجل تحقيق المساواة.

 

 وإذ يرى عثمان أن أرقام الاقتصاد التركي تظهر أنها جميلة، إلا أنها لم تؤد إلى زيادة الإنتاج، ومن ذلك أن تركيا استوردت مؤخرا -وللمرة الأولى في تاريخها- خراف الأضاحي من الخارج.

 

 

 ويواصل عثمان عرض مشاريع أخرى للحزب، ومنها إلغاء مؤسسة التعليم العالي التي تنظم عمل الجامعات في تركيا ومنح الجامعات التركية الاستقلالية التامة.

 

 

 الشأن الاقتصادي الذي نجح في تثبيت حزب العدالة والتنمية في الحكم لسنوات تسع يعول عليه حزب الشعب الجمهوري كثيرا، لهذا عقد الحزب مؤتمرا كبيرا حضره أكاديميون من داخل وخارج الحزب للوصول لمقترحات فعالة، وفيما يبدو أنها بعض من  نتائج هذا المؤتمر يوضح عثمان للوفد العربي أن الحزب يؤيد طلب تركيا الانضمام لعضوية الاتحاد الأوربي على أن تكون عضوية كاملة، مع رفض أن يطلب الاتحاد الأوربي من تركيا شروطًا لم تطلب من دول أخرى.

 

 

 داخليا يكشف عثمان عن تعديلات قانونية أعدها حزب الشعب الجمهوري تتعلق بالنزاهة السياسية، ومنها اقتراح اختيار المرشحين للانتخابات من دون اشتراط أن يكون ذلك عن طريق رئيس الحزب، واقتراح إزالة الحصانة عن النواب فيما يتعلق بالجرائم العادية وحصرها في الجرائم المتعلقة بمهامهم البرلمانية، واقتراح القيام  بكشف الذمة المالية للمرشحين عبر لجنة مختصة، واقتراح أن يرأس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان نائب من الحزب المعارض، واقتراح إبلاغ المجتمع التركي عن سياسات الدولة عبر مؤسسات المجتمع المدني، واقتراح تخفيف قيمة رسوم الترشيح عن المرأة.

 

 



نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري عثمان كوروتورك يتحدث للوفد العربي في مقر الحزب في أنقره


حزب العدالة والتنمية في الاقتصاد نفذ إصلاحات الحكومة التي سبقته

 

 

عثمان وبعد ملاحظته أن أسئلة الوفد العربي تشيد في ثناياها بإنجازات حزب العدالة والتنمية في موضوعي التحسن الاقتصادي, والانضمام إلى الاتحاد الأوربي، حاول أن يخفف من هذا الزخم حين قال أنه لا يرى أن حزب العدالة والتنمية هو من حقق الإصلاحيات الاقتصادية في تركيا، ويشرح الأمر 'أن حزب العدالة والتنمية وصل للحكم عام 2002، أي بعد سنة من أزمة مالية ضربت تركيا عام 2001 وذلك بسبب الأعمال المصرفية المخالفة، الأمر الذي تصدت له الحكومة آنذاك بقيادة بولينت أجاويد حينما استدعت الخبير الاقتصادي التركي كمال درويش -وكان حينها مسؤولا كبيرا في البنك الدولي- ليتولى منصب وزير الاقتصاد ويضع برنامجا للخروج من هذه الأزمة قامت حكومة العدالة والتنمية لاحقا بتطبيقه حرفيا'.

 كما يبين أن الحكومة السابقة لحكومة العدالة والتنمية كانت على وشك بدء المفاوضات مع الاتحاد الأوربين وقامت بالفعل بتثبيت المعايير والأسس للانضمام، كما أن مسألة الانضمام للاتحاد الأوربي تحظى بموافقة المجتمع التركي.

 

 وإذ يبين أن مسألة قبول تركيا للاتحاد الأوربي قد تغيرت بعد وصول المحافظين للحكم، أوضح أن حزب الشعب الجمهوري يؤيد الدخول في أوربا ليس فقط من أجل المنافع الاقتصادية بل أيضا من أجل ما أسماها بقيم التحول الكبير، الا أنه يرفض تحديد سياسات تركيا وفق ما تراه الدول الأخرى، ولهذا رأى أن التصريحات السلبية للمسؤولين الأوربيين خففت من حماس الأتراك للانضمام للاتحاد الأوربي.

 

 وعن تقييمه لحرية الصحافة في تركيا، قال عثمان أن بعض الصحف أخذت مؤخرا تطبق سياسة الرقابة الذاتية تجنبا للمشاكل.

 

 

إذا كنا أقوياء في الداخل سنكون كذلك في الخارج

 

نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري الذي كان يردد خلال اللقاء مقولات لمؤسس الحزب وتركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، بدا متأثرا بمقولة ذكر أنه قرأها مؤخرا لأتاتورك، مفادها أن قوة السياسة الخارجية لتركيا ترتبط بالبنية الداخلية، فكلما كنتم أقوياء في الداخل بإمكانكم أن تكونوا أقوياء في الخارج.

 لهذا يرى عثمان أن أتاتورك -ومن دون إدراك حينها- يقدم وصفة العلاج لتركيا اليوم،  فتطبيق سياسة خارجية قوية يتطلب أولا حل المشاكل الداخلية وعدم تعدي السياسة الخارجية على التنظيمات الداخلية.

 

 السؤال الأهم بالنسبة للبعض في الوفد العربي في ظل تواجدهم في مقر الحزب الذي يطرح نفسه حاميا للعلمانية في تركيا، كان موقف الحزب من مسألة منع ارتداء الحجاب في الجامعات والبرلمان، وهل يرى الحزب أن حزب العدالة والتنمية له أجندة خفية تتمثل في أسلمة المجتمع التركي تدريجيا؟

 

 لم يبد أن هذا السؤال العميق كان غريبا على عثمان، خصوصا في ظل فترة الحملات الانتخابية، فأجاب بهدوء 'من المهم أن نظهر الاحترام للأديان كافة، ونحن نعتقد أن العلمانية ستسهل القيام بالواجبات الدينية ولن تقلصها'.

 

عثمان تحول في نبرة صوته من الهدوء إلى الحزم 'تركيا ليست بحاجة للأسلمة، فهي مسلمة... أما النظام العلماني فلا يمكن تغييره وفق الدستور'.

 وقدم أرقاما ليدعم كلامه '99 في المئة من الشعب التركي مسلمون، والشعب التركي مخلص في إسلامهن وعدد المساجد في تركيا يفوق عدد المساجد في أي دولة أخرى، كما أنها تضم مذاهب متعددة تجد الحرية والمرونة داخل هيئة الشؤون الدينية'.

 

 

لا مشكلة لدينا مع الحجاب في الجامعات 

 

وعن مسألة الحجاب يقول عثمان 'الحجاب حرية شخصية، وأعتقد أن لدينا قضايا كثيرة، خصوصا في الجانب الاقتصادي، يجب أن نهتم بها قبل مناقشة مسألة الحجاب... لا مشكلة لنا مع الحجاب، ونحن مع حرية ارتدائه في الجامعات، أما عن ارتداء الحجاب في البرلمان فهذا أمر يخضع للنظام الداخلي للبرلمان، فمثلا زميلي الجالس إلى يميني لا يمكنه الدخول إلى البرلمان لأنه لا يرتدي ربطة عنق'  وكان يشير لحظتها إلى مسؤول في الحزب كان يجلس إلى جانبه ولا يرتدي ربطة عنق، والمغزى أن منع النائبات من ارتداء الحجاب يعادل منع النواب الذين لا يرتدون ربطة العنق ولم يكن المنع موجها للحجاب ذاته. 

 حزب العدالة والتنمية كما يراه عثمان حزب غير ديني، ولا يعتقد عثمان أن لدى حزب العدالة والتنمية أجندة خاصة لأسلمة المجتمع، فهو يعمل ضمن قانون محدد، ولكن هناك ملاحظات ليس على صعيد الحزب بل على صعيد بعض أعضاء الحزب والذين يرى عثمان أنهم يستخدمون الدين من أجل تحقيق مكاسب سياسية.

 

  وفي ختام اللقاء حرص عثمان على الـتأكيد على أن حزب الشعب الجمهوري يقف مع حزب العدالة والتنمية في قضايا السياسة الخارجية، وسيواصل في حالة وصوله إلى الحكم العمل على إيجاد سياسة خارجية  بصيغ أفضل لا تقوم على محاولات تفوق الإمكانات كما هو الحال في نهج العدالة والتنمية'.

 

 

انتهت الرحلة.... اكتمل النموذج

 

 

انتهت هنا الرحلة السياسية العربية في تركيا العثمانية العلمانية، لتجيب على أسئلة وتطرح تساؤلات، فالربيع العربي الغض الذي مثله بعض المشاركين في الوفد العربي لا يريد أن يضيع في متاهات السياسة الدولية، ولهذا كان لابد من التعرف على أنموذج واضح المعالم لدولة عاشت ربيعها الذاتي قبل ذلك.

 

البعض في الوفد العربي قرر أن تكون تركيا العثمانية العلمانية أنموذجا مناسبا لبلده، فنظام الحكم ديمقراطي يحميه الجيش ويقوده الإسلاميون، فتتمازج بذلك أطراف عاشت طويلا في حروب إقصائية مستعرة.

 في حين رأت قلة من المشاركين في الوفد العربي أن تركيا العثمانية العلمانية ليست في النهاية سوى أردوغانية الطابع، ولا تختلف كثيرا عن دول ما قبل الربيع العربي من تقديس للأشخاص، سوى أن الحاكم الشمولي في الحالة العربية ارتدى في تركيا حلة حيكت بمهارة لتخفي ما تشوه من الجسد وتظهر الديمقراطية بصورة براقة جميلة.

 

 في الحالتين، كان المشاركون في الوفد سعداء لأنهم يتساءلون ويفكرون ويقررون من دون أن يدس الرئيس الملك أنفه في شؤونهم الخاصة.

 

 

تركيا العثمانية العلمانية وشرف صندوق الانتخابات ( الحلقة الأولى)

تركيا العثمانية العلمانية وشرف صندوق الانتخابات (الحلقة الثانية)
تركيا العثمانية العلمانية وشرف صندوق الانتخابات (الحلقة الثالثة)
تركيا العثمانية العلمانية وشرف صندوق الانتخابات (الحلقة الرابعة)

أنقرة - من داهم القحطاني

تعليقات

اكتب تعليقك