ثورات الربيع العربي مع 'سعد السعيدي' بين السكون والاستكانة ؟!

زاوية الكتاب

كتب 882 مشاهدات 0


 


سعد السعيدي

«ربما يعذبون جسدي، ويحطمون عظامي، ولكن سيكون لديهم جسدي الميت، لا طاعتي وخنوعي». غاندي.
ما يسمى بالربيع العربي، أو تلك الثورات... ثورات الكرامة، التي أسقطت أنظمة اعتقدت في البدء أن ما يجري ليس سوى تظاهرات ترتفع فيها الحناجر بالصرخات الاحتجاجية مع شعارات جوفاء تكتب على يافطات، ثم ما يلبث أن يعود الأمر لسابق عهده، هكذا كانت القراءة لمستشاري السلطة ومسؤوليها، بعد أن ابتعدوا عن الشعوب وهمومها، فزادت الفجوة واتسعت الهوة بينهما، حتى أن كليهما لم يعد يسمع الآخر، فالسلطة ارتفعت كثيرا عن شعوبها وحلقت تدور في سماوات الفساد، والشعوب قابعة في أسفل درجات الفقر وممرات البحث عن الكرامة ودهاليز القيم والحرية.

الربيع العربي كانت نسائمه صفعاتٍ على وجوه الأنظمة لتعيدهم إلى الواقع، ورياحاً على بعضها زلزلت عروشهم، لتذكرهم بأن من يشاركهم على الأرض أناس آخرون لهم الحق في العيش والتمتع كما غيرهم بخيرات بلادهم التي استأثرت بها مجموعة، صنفت نفسها ملاّكاً، بعد أن أحالوا أو حولوا الدولة إلى عِزبة كل من عليها عبيد عليهم السمع والطاعة، هكذا كانت النظرة، وهكذا كان الرد.

في ليبيا واليمن وسوريا رفضت أنظمتها أو هي لم تستوعب أن يكون للعبيد كلمة، وغير مدركين أن نسيم الربيع سيتحول في لحظة ما إلى ريح صرصر تحيلهم إلى رماد بعد أن تقتلعهم من جذورهم الفاسدة حتى تتطهر الأرض من فسادهم الذي دام لسنوات طويلة، ولتتفجر كروشهم المنتفخة بأموال الشعب ومقدراته التي سرقوها بعد أن استباحوا البلاد والعباد.

ثورة ليبيا تقترب من نهايتها بعد أن أسال نظامها دماءً كثيرة، لم تكن لها قيمة أمام وجود السيد (راعي الخيمة)، وكذلك سوريا التي اختارت القنبلة بديلا حتى عن الرصاصة لتقابل الكلمة، فانتهجت أو سنت سنة جديدة ألا وهي استخدام المدفع والدبابة والحصار والتوغل وهي أدوات حرب، وجهتها ضد شعبها من أطفال وشيوخ وشباب، بل وأكثر من ذلك فالقتل لا يستثنى منه حتى الأطفال، ولم يكلف نفسه الطبيب تشخيص العلة، والبحث عن علاج لها، بل اتبع الكي وسيلةً للعلاج، أما اليمن ورئيسه فهذه حكاية تحتاج أن نتوقف عندها، فالرئيس الصالح حقق أرقاما قياسية في كل شيء، فقد سجل نفسه كذابا على الهواء عبر شاشات التلفاز، وعلى الملأ، كما أنه سجل نفسه رئيسا يسلم جزءا من بلاده لمرتزقة، وسجل نفسه أيضاً رئيسا لعصابة تستخدم محرمات الأسلحة، وسجل نفسه أيضاً ببغاءً يتحدث كل يوم لشعب لم يعد يطيق رؤيته، وسجل نفسه أيضا مفتيا له.. وبالطبع صالح لم يحقق لشعبه على مدى سنوات حكمه سوى الدمار وزيادة الفقر، وتردي التعليم فارتفعت الأمية وزادت نسبة الجهل... صالح كان عبئا على بلده، ومحصلة حكمه هي صفر كبير وهو رقم قياسي آخر يسجل له ولا يمكن أن يصل إليه أحد كما يبدو بعده.

اليمن الذي يعتقد رئيسه أنه يدير ملف أزمته بشكل يقيه مصيره المحتوم الذي اقترب أيضا، سوف يرسل رسالة للقاصي قبل الداني بأن الشعوب لا تستكين ورغباتها ستتحقق مهما كلفها الأمر، والسيطرة على الأجساد عبر القتل لا يعني الخنوع أو الطاعة، وإن حاول أن يلعب بكل الأوراق والكروت بما فيها الورقة الخليجية ومبادرتها التي وضعتها في موضع وموقف لا يحسد الخليجيون عليه، باعتبارها قد راهنت على رئيس قد يقبل بحلول لا تنصر طرفا على آخر، لكنه وبشيطنة واضحة استغل تلك المبادرة ليتلاعب بالخليجيين، ويحرجهم أمام العالم، في محاولة أن يبين لشعبه وقوف العالم بجانبه، وهي بالطبع فكرة لم تنطلِ على شعبه، وفي النهاية يوجه صفعته للخليجيين وبطريقة تنم عن رئيس لا تعني له الأعراف الدبلوماسية والبرتوكولية شيئا أمام مصلحته ونظامه، فأرسل مرتزقته لتحاصر سفارة الإمارات التي يتواجد بداخلها الأمين العام لمجلس التعاون، بعد أن دخلها على رجليه وخرج منها بسبب صالح وزبانيته عبر هليكوبتر... وحمد الله أنه خرج، وليته هو اكتفى بذلك، وهم استفادوا من الدرس، بل أتبع الصفعة الأولى بأخرى حين وصف الأمين العام لمجلس التعاون بأنه لا يعرف اللباقة الدبلوماسية التي هو آخر من يحترمها.

اليمنيون لم يعد أمامهم شيء يخسرونه، فبعد الدماء لا شيء يستحق التفاوض، والمتسبب بإراقتها يجب أن يحاكم ويتحمل مسؤوليته، وعلى الخليجيين أن يرفعوا الغطاء عن رئيس حكم عليه شعبه بأنه مجرم، ولا داعي لأن يدثروه بمبادرتهم التي استغلها أسوأ استغلال، ويتبعوا الموقف القطري الذي قرأ أفكار الرئيس اليمني بشكل واضح، فانسحبوا من المبادرة، ليتركوا أهل اليمن يتصرفون مع رئيسهم بالطريقة التي يرونها صائبة.

وحتى لا يخرج علينا المتفلسفون وبائعو المواقف الذين كثروا في هذه الأيام باعتبارها موسما جيدا تزيد فيها أرصدتهم، ليتهمونا بالتعامي –نسبة إلى العمى– عن البحرين وما جرى بها، ولهؤلاء وغيرهم، ولأسمع كلماتي من به صمم على رأي المتنبي، نقول إن مطالب الشعب البحريني نحترمها ونؤيدها ونقف معها أيضا، والنظام في البحرين لم ينكر الطلبات والتغييرات المطلوبة، وهذا ما قاله الملك بنفسه، بل إنه ترك المعارضة والشعب ولمدة تزيد عن الشهر جالسين في دوار اللؤلؤة يمارسون كل طقوسهم، في خطوة قلّما تجدها في نظام عربي، وهو الأمر الذي لم يحتمله الآخرون في سوريا وليبيا واليمن وقبلها مصر وتونس، وهذا بالطبع لا يعني أن النظام لم يرتكب أخطاءً حين تعامله مع الأحداث، لكنها لا تقاس بما جرى ويجري في محيطنا، أما المعارضة والشعب البحريني أيضاً فلم يطالب بإسقاط النظام وهو ما جاء على لسان قيادات المعارضة ورجال الدين بل وكرراه كثيرا، ولكي لا نغوص كثيرا في الملف البحريني الذي سأخصص له مقالا آخر أفند فيه كل المجريات والأحداث التي عايشت وحضرت معظمها، وزرت دوارها والتقيت بمعارضتها وموالاتها، وبحرية تامة، نعتقد أن الشعوب إذا ما أرادت أن تسمع كلمتها، فإنها هي من يختار الوقت المناسب لإيصال الرسالة، ومن هنا نحذر الأنظمة من سكون الشعوب حتى لا تظنه أو تعتقد بأنه استكانة ووهن، فالفرق لعمري كبير بين سكون واستكانة.

غالبية إن لم يكن جل الأنظمة العربية ترهلت واهترأت، وشاخت وهرمت أيضا، ولم يعد لها حضور بين شعوبها الشابة والفتية، والباحثة عن كرامتها وحريتها التي تجثم عليها عقول لا تزال تفكر بعقلية العشيرة والقبيلة، باعتبار أن الشعوب لا تزال قاصرة ولا تعرف مصلحتها أو مصيرها، وأنها بحاجة إلى وصيّ يقودها ويهديها إلى سواء السبيل، ولذلك إن هي -الأنظمة- لم تنتفض وتعود جهة شعوبها لتعيد لهم ما استلبته منهم على مدى سنين طويلة، والذي لن تعوضهم إياه أموال تصرف هنا أو هناك، فإن الطوفان لن ينجو منه نظامٌ مهما بلغت قوته أو أوهمه أحد بها.

سعد السعيدي

العرب القطرية

العرب القطرية

تعليقات

اكتب تعليقك