د. مبارك الذروة يكتب عن الدور المطلوب من الإعلام بعد الثورات العربية الأخيرة
زاوية الكتابكتب يونيو 4, 2011, 3:20 ص 1165 مشاهدات 0
الإعلام الذي نريد
لن أتكلف في الحديث عن قطاع الإعلام الفضائي المهم، فالبساطة التي يتلقى المشاهد على ضوئها كثيرا من الدراما العربية الفنية تنعكس تداعياتها السياسية والثقافية والاجتماعية على تكوينه كفرد في مجتمع يتواصل شبكياً وتقنياً بشكل لايعرف الانقطاع ولم يسبق أن عرفته البشرية من قبل فوق هذه البسيطة.
لكنني أعرج على نتائج ما يمكن أن تلعبه الدراما العربية اليوم لصالح قضايا الوطن والأمة...
فهل يتمكن الإعلام المرئي الفضائي أن يقتنص فرصة الاستعداد الشعبي اليوم، بأكثر من أي وقت مضى، لقبول كل ما يبثه وليساهم الإعلام في تغيير أو تعديل أو تحسين كثير من مفاهيم عقود الاستبداد وحقب كتم الحريات، هل ما تقدمه فضائياتنا العربية اليوم تخدم تطلعات الشباب العربي الباحث عن هويته المعقدة وربما المشوهة؟
إن أي خطة تنموية في أي بلد عربي اليوم تحتاج إلى تعديل اتجاهات وميول وآراء الشباب العربي لصالح أولويات المرحلة واحتياجات المستقبل القريب، لا يجوز للإعلام العربي القومي والنزيه أن يقف على الحياد تجاه ما يلم بالأمة من انشقاقات وجيوب. ترى ما هي اتجاهات الشباب نحو الصناعة والتعليم والفن المتحضر، وهل هو قادر على التمييز بين الإعلام الهادف والهابط؟
وإذا كان على السياسيين والتربويين والقادة مسؤوليات جسام تجاه ذلك، فإن الإعلام والإعلاميين هم ناقلوا الحدث بصورتيه البيضاء والقاتمة وهو الأقرب الى الناس... المرأة والطفل والشاب. فإذا كان الطالب يمكث في الفصول الدراسية حوالي 10000 ساعة فإنه يقف أمام الشاشة الساحرة أكثر من 18000 حسب ما أوردته إحدى الدراسات!
انظر إلى اتجاهات وآراء الشعوب العربية اليوم تجاه الثورات الضاربة أطنابها من المحيط إلى الخليج وتأمل المشاكسات الحادة أحياناً، وبعد الثورات العربية الأخيرة، بين أبناء الوطن الواحد، الأقباط والمسلمين أو بين السنة والشيعة، وبين الحوثيين والسنة أو السلفيين والصوفية، وبين القوى السياسية المتنافسة على مقاعد البرلمانات أو حقائب الوزارات الحكومية، والصراع الحكومي - الحكومي!
هنا يأتي الإعلام بإمكانياته الفائقة ليلعب دور الاطفائي الماهر وتوجيه الصراع بين الفرقاء إلى تحديات التنمية ولفت أنظار المواطنين في كل بقعة عربية إلى أولويات الصراع الثقافي والعلمي وتوفير الجهود والأوقات لعمليات البناء المنشودة.
لقد قدم لنا الاستاذ المخرج مصطفى العقاد رحمه الله رائعة «الرسالة» ليبرهن على إمكانية التعايش بين الأديان فرسم لنا مشاهد مؤثرة ذات دلالات تاريخية لا تحتاج إلى إقناع من خلال المصالحة بين المسيحيين والمسلمين وإدماج الرموز السياسية العسكرية في السياق ذاته... مثل رمزية صلاح الدين من المسلمين كفرد وقائد وحاكم ورمزية ريتشارد قلب الاسد من النصارى، فكانت رسالة تسامح واضحة تساندها الأدلة النقلية والعقلية وتستدعيها لوازم الواقع العالمي العام وقوانين المنظمات الحقوقية في العالم، كانت رسالة توجه أبناء الوطن الواحد إلى أهمية المشتركات والاجتماع حولها، وعدم استحالة الالتقاء بين دينين سماويين أو مذهبين مختلفين سواء في الأصول أو الفروع، والسعي نحو البناء والعمل بدلاً من هدم الآخر أو الغائه.
وما قدمه الإسلام كدين من رحمة وتسامح في علاج الرئيس النصراني يدل على أن الإسلام كما هو معروف من نصوصه وسيرة نبيه الكريم رسالة حضارة ورحمة وخير للعالمين.
ان المستثمر العربي في الإعلام الفضائي عليه مسؤولية باهظة التكاليف تتجاوز كسبه المادي وربحه السريع وعليه تحديد قيمه ونواياه ويختار بين هدم النسيج العربي والإسلامي بثقافته وقيمه أو المساهمة في النهوض به ليحتل مكانا متقدما بين الأمم. ان التنازع والشقاق والانفلات الفكري والديني والسياسي الذي تبثه كثير من فضائيات العالم العربي لا يقدم علاجاً أو دواءً، واليوم تعيش الأمة بأسرها عصبيات دينية وقومية وقبلية، وهي عصبيات لاحظناها جيدا في اتجاهات وميول وآراء كثير من الشباب العربي. فما هو دور الاعلام الهادف تجاهها؟
ان مناقشة الأفكار المتطرفة والعصبيات المقيتة والغوص في أعماق الخلفيات المجتمعية والثقافية التي أفرزت هذا التطرف وسبر أغوارها للوصول إلى الأسباب والعلل، والتعرف على مدى علاقة ذلك بالسلوك العام والاتجاه العام لطبائع الحياة السياسية والمعيشية هو ما يجب أن تناقشه وسائل الإعلام وفضائياته من خلال الدراما الهادفة الصالحة للنشر!
استغلال المنتجين والمستثمرين الغرائز الكامنة وتفجير الألغام النائمة في نفوس الشباب لارواء عطشه الجنسي ونهمه العاطفي واشغاله بجوائز الاوسكار ومهرجانات النجوم عن قضايا وطنه وهموم امته هو أمر يصطدم مع برامج التنمية البشرية وشروط النهضة.
وتأمل ما قدمه ميل جبسون الممثل الأميركي في رائعة «القلب الشجاع» والذي لا يزال يحرك الاسكتلنديين إلى اليوم للمطالبة بالمساواة مع من يقف أمام حقوقهم المغصوبة من قبل الانكليز!
كثير منا يتذكر مسلسل «باب الحارة» وما قدمه للدراما السورية من قيم التعاون والتضحية واحترام الكبير والآخر، وما ناقشه من قضايا الأمن الوطني بحس حضاري وحوار هادف.
وما قدمته الدراما المصرية لمسلسل «طه حسين» في الثمانينات وكفاح الشاب الضرير في بحثه ودراساته حتى عاد ليصبح عميداً للأدب العربي. ان الدراما الحية والواقعية يمكن أن تمنح الأمة رصيداً من مخزونها الثقافي والعلمي لمواجهة ما عجزت عنه قطاعات التعليم ومخازن السلاح!
وهي دعوة صادقة لكل المهتمين بالفن والإعلام ليساهموا بانتشال أمتنا من واقعها المرير، وهي بعد ذلك تجارة رابحة واستثمار مضمون لأنه يخاطب ضمير الأمة ويحاكي تاريخها العظيم.
د. مبارك الذروة
تعليقات