مجلس التعاون: 30 عاما من الإدارة بالغموض
عربي و دوليمايو 26, 2011, 12:08 ص 1576 مشاهدات 0
في 25 مايو مرت الذكرى الثلاثون لقيام مجلس التعاون ، ومن حسنات أن تكون مواطن خليجي ، الشعور بالتوتر الممتع في متابعة 'مسيرة العمل المشترك' . فطول فترة إنجاز المشاريع يجعلك تنسى أنك جزء من أنجح وأغنى منظمة إقليمية ، ثم تفاجأ بقدرتك على دخول دبي بهويتك الشخصية فقط و شراء منزل في صلاله ، وأسهم في قطر بنفس اليسر .
التوتر الممتع بإنتظار المفاجآت جاء نتاج ما يحتوية التعاون الخليجي من كم هائل من العقد مما دفع القادة الى تبني أسلوب الادارة بالغموض لمسيرة العمل المشترك. وفي هذا السياق يقول أستاذ علم النفس السياسي د. قدري حفني:
'إن الادارة بالغموض تأتي من حرص السلطة على تجنب شفافية تكشف من الحقائق ما تراه السلطة محرجا , أو تمسك بضرورة احتفاظ السلطة بالمرونة التي تكفل لها التعديل السريع لقراراتها دون التزام بتعليل مسبق لها يفقدها فعاليتها,, أو حتي بدافع من الاشفاق علي الأتباع من آلام مواجهة أزمات يبدو للسلطة أنها القادرة وحدها علي مواجهتها دون إزعاجهم بمعاناة التفكير فيها.'
ورغم مرور فترة طويلة على نضج تجربة المجلس إلا أن المشهد الخليجي الراهن يجعل من السهل متابعة استمرار نهج الادارة بالغموض في ثلاثة جوانب هي إدارة الازمات والتضامن وحتى القرارات المصيرية كما في الامثلة التالية :
-
بين استراتيجية المبادرة واستراتيجية المسايرة أدارت دول المجلس تحركاتها في الأزمة اليمنية بستار من الغموض. فهللنا لقرب رحيل الرئيس صالح في البداية ، لأنه ابتزنا بسوء إدارته لأزمات الحوثيين والجنوبيين والقاعدة . ثم تغير الموقف الى النقيض مع تصاعد اتهامات بأننا أعدنا صالح للوقوف على قدمية خوفا على مستقبل اليمن من انتهازية المعارضة ، وضعف عود حركة الشباب. ثم انقلب علينا صالح حتى وصل الأمر لقوله ' المبادرة الخليجية عملية انقلابية بحتة'، حيث أضاف مستدركاً أنه 'سيتم التعامل معها لمصلحة اليمن' وكان التعامل حصار الامين العام د.الزياني في سفارة الامارات لحين إجلائه بطائرة هليوكبتر وفي جيبه مبادرتنا . وإن غياب القدرة على وضع الرهان على الجواد الرابح في الوقت المناسب ، هو الذي خلق الغموض في الموقف الخليجي المتقلب في إدارة الازمة.
-
رغم ان الصراع السياسي جزء أصيل من الحياة الديمقراطية إلا أن الاستجواب المقدم من أعضاء في البرلمان الكويتي ضد رئيس الحكومة يتعدى الشأن المحلي ، ويفتح الباب على مصراعيه حول تراتبية العلاقات بين دول الخليج نفسها والدول الاخرى . لقد جاء في البند الثاني 'إن من أسس الأخوة الخليجية أن تكون الدول الشقيقة محل النفس في الاعتبار حكومات وشعوبا ، فما يمس أي من شقيقاتنا الخليجيات مادياً أو معنوياً هو مساس بنا' فهل لكل حكومة خليجية أجندة علاقات خاصة بها غير ما يقر الاجتماع الخليجي ؟ وهل يدار التضامن الخليجي والوحدة في الموقف السياسي ، بدواعي السيادة تحت مظلة الغموض الحكومي ليهدم ركن أساسي من اركان مجلس التعاون ؟
-
لم يشعر المراقب الخليجي طوال الثلاث عشرة عاما الماضية بالارتياح للقمم التشاورية نصف السنوية لقادة دول المجلس ، لآنها تحرم المراقب من متابعة قضايا أمن الخليج ، حيث تعقد لبضع ساعات في يوم واحد وبدون جدول أعمال و دون بيان ختامي، مكرسة مبدأ الادارة بالغموض. حيث تضع المواطن الخليجي أمام قرارات لم يتهيأ لتقبلها بالاستئناس برأي المحللين ومراكز الأبحاث والدراسات المستقبلية عبر وسائل الاعلام . وكان من مخرجات هذا النهج الترحيب في آخر قمة تشاورية بانضمام الأردن والمغرب لمجلس التعاون مما ولد ردة فعل شعبية تهكمية أحيانا ورافضة احيانا اخرى حيث صوت 60% من القطريون ضدها، وهي نسبة تتعدى الانضمام وتظهر رفض أسلوب الادارة بالغموض .
في 25 مايو 1981م حدد النظام الأساسي لمجلس التعاون أهداف المجلس في جميع الميادين وصولا إلى وحدة دوله . وبعد مرور 30 عاما على ما بناه الآاباء المؤسسون يجدر بدول المجلس أن تنتهج الإدارة بالشفافية لا الادارة بالغموض من خلال 4 عناصر :
-
تحديد مجالات التعاون ودور كل دولة فيه ، حيث تقود دولة أو دولتين العمل الاقتصادي أو السياسي أو العسكري بشكل تكاملي ، لا تنافسي .
-
تحديد المجالات الاكثر أهمية للمواطن الخليجي، وترك هوامش الامور فالهيئة الاستشارية و براءات الاختراع ،التعاون القضائي، ليس بدرجة أهمية اتفاقية الدفاع المشتركة ، والاتحاد الجمركي و السوق الخليجية المشتركة ، والتي يجب خلق مؤشرات للاداء يتم تقييم الانجاز بها.
-
لقياس الأداء الفعلي علينا تحديد معدلاته بصفة دورية، وليس كما هو في موقع مجلس التعاون الذي يعود تحديث بعض اجزائه الى سنوات مضت.
-
صياغة الأهداف الخليجية بصورة استراتيجية ودائمة بناء على المتغيرات حولنا حتى توضع الاليات القادرة على تحقيق الاستراتيجية .
في اليوبيل اللؤلؤي احتفلنا بمرور 30 عاما على قيام المجلس، واحتفلنا بمخرجات الادارة بالغموض كالتردد الغامض في اليمن وسوء التقدير الاستراتيجي في الكويت ، وإنعزال صانع القرار الخليجي عن عمقه الشعبي في قرار القمة التشاورية بالرياض ، وكلها مؤشرات على فشل هذا النوع من الادارة . فالمسألة ليست مفاضلة بين الشفافية والغموض بقدر ماهي خيار بين الخطأ والصواب.
تعليقات