على أبواب عيد الأضحى: الفلسطينيون يكابدون الحصار والأسعار
عربي و دوليويقصدون 'أسواق البالة'
ديسمبر 18, 2007, منتصف الليل 352 مشاهدات 0
لم يعد غريبا على المتجول في سوق البالة وسط مدينة نابلس رؤية بعض 'المنعّمين' وميسوري الحال وهم يشترون من البسطات المنتشرة في السوق، ويفاصلون الباعة لنيل ارخص الأسعار، بعد أن كانت تلك الأسواق حكرا على الفقراء والمحتاجين وذوي الدخل المحدود.
فقد تسبب الحصار الخانق المضروب على كافة مدن الضفة الغربية وخاصة مدينة نابلس منذ ما يزيد عن سبع سنوات بالإضافة إلى الارتفاع الهائل في الأسعار لمختلف السلع الغذائية والملابس وغيرها، بازدياد نسبة الفقراء والمحتاجين في فلسطين، مما دفع الكثيرين إلى قصد الأسواق الشعبية نظرا لأسعارها المعتدلة والابتعاد عن المحلات والمواقع الراقية والتي لم يعد باستطاعة المعظم ارتيادها.
محمد مازن موظف حكومي ولديه 5 أبناء التقيناه خلال وقوفه أمام إحدى بسطات الملابس، أكد أن وضعه المادي تراجع كثيرا بسبب انقطاع الرواتب خلال السنتين الماضيتين، ورغم أنها انتظمت من فترة قصيرة إلا أن الديون التي تراكمت عليه كانت كبيرة، لذا فهو في حيرة من أمره خاصة مع اقتراب عيد الأضحى والمستلزمات المطلوبة منه تجاه أسرته بسبب هذه المناسبة.
يقول لمراسل 'الآن': 'الظروف التي مرت على الشعب الفلسطيني خلال الآونة الأخيرة تركت أثرا بالغا عليه، فبالإضافة إلى ممارسات الاحتلال اليومية، وتحديدا الحصار الخانق المفروض على نابلس حوّل حياة الناس إلى كابوس، حيث أن البطالة في ارتفاع مستمر، والفقر يدق أبواب الجميع دون استثناء'.
ويتابع وهو يقلب بعض الملابس بيديه 'ما زاد الطين بلة هو الارتفاع الجنوني في الأسعار، لم تعد هناك سلعة واحدة لم يرتفع سعرها إلى الضعف على الأقل، فماذا يفعل الموظف بحاله؟ عندي خمسة أطفال جميعهم يريدون ملابس جديدة أسوة بأقرانهم، كما أن البيت بحاجة إلى مواد غذائية وتحضيرات كثيرة للعيد.. فماذا افعل؟.. لذا لم أجد مكانا انسب من سوق البالة والمحلات الشعبية حتى اشتري منها لأنها تناسب وضعي ووضع الكثيرين أمثالي.
صورة مخادعة
وقد يظن المستطلع لحركة المواطنين على الأسواق والمحلات التجارية أن الوضع مثالي، لكنه لا يدرك أن غالبية هؤلاء مجرد متفرجين يمضون الساعات الطويلة في الانتقال من محل لأخر لكنهم في النهاية لا يشترون نظرا لعدم قدرتهم وامتلاكهم للمال أو لغلاء الأسعار وخاصة أسعار الملابس والمواد الغذائية.
وتشهد أسواق المدينة ركوداً نسبياً وحركة شرائية ضعيفة، سوى من قلة من زوارها الميسورين ومن التجار وأصحاب الشركات أو من هم على قائمة متعددي الدخل.
أبو أيمن سعد صاحب محل لبيع الملابس النسائية يؤكد أن ما نسبته 10% فقط من النساء اللواتي يدخلن محله يشترين، في حين أن البقية تدخله 'للفرجة' والمناكفة ولا تشتري، الأمر الذي لا يساعد في انتشال أسواق المدينة من حالة الركود الاقتصادي والتجاري التي تعصف بها منذ اندلاع انتفاضة الأقصى.
وتابع 'كغيري من التجار قمت بجلب المزيد من البضائع لمحلي على أمل أن أبيعها جميعها خلال هذه الأيام التي تسبق عيد الأضحى، ولكن لليوم الوضع غير مبشر وأخشى أن تكسد البضائع وتبقى في وجهي'.
وأكد حسام أبو علان عضو المجلس الأعلى لاتحاد عمال فلسطين في تصريحات صحفية أن الأزمة الاقتصادية التي تواجهها آلاف الأسر، انعكس سلباً على شراء مستلزمات العيد، واعتبر أن ذلك لم يعد على أجندة المتطلبات الأساسية منذ سنوات، بفعل الحصار الذي تفرضه سلطات الاحتلال، وحالة الفقر المدقع والعوز والحرمان التي تعصف بمختلف الشرائح الاجتماعية في الأراضي الفلسطينية.
في غزة الوضع أسوأ
والوضع في قطاع غزة المحاصر ليس بالمختلف إن لم يكن أسوء بدرجات، فتزاحم المواطنين على الأسواق الشعبية عشية عيد الأضحى يوحي للوهلة الأولى أن الحال على ما يرام، لكن من خلال الحديث للبعض يظهر لك مدى النفسية السيئة التي يعاني منها الأهالي هناك جراء ما يتعرضون له من ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد، سواء بسبب الحصار المحكم الذي تفرضه قوات الاحتلال وكذلك بسبب حالة الاقتتال والفرقة والاختلاف الفلسطيني الداخلي.
وأكثر ما يميز غزة في هذه الأيام عدم وجود بضائع جديدة في المحلات التجارية فغالبية البضائع المعروضة قديمة، جاء بها التجار من مخازنهم بسبب عدم قدرتهم على إدخال بضائع جديدة وخاصة مع إغلاق المعابر وتحديدا 'كارني' –المنطار- وبيت حانون و'ايرز' التجارية.
أم رائد قالت وهي تهم بالخروج من إحدى تلك المحلات 'أنا منذ الصباح أتجول في السوق، ولم أجد أي بضاعة جديدة على الإطلاق، جميعها قديمة ورأيناها العام الماضي.. ومع هذا فأسعارها مرتفعة جدا'.
وأما ابنتها هدى فأكدت أن كافة البضائع المعروضة في المحلات من الموديلات القديمة، وعندما كانت تستفسر عن السبب كان الجواب حاضرا من الجميع 'ما قدرنا ندخل شيء بسبب الحصار'.
وعن الوضع الاقتصادي المزري التي يمر به أهالي القطاع، فقد قال شاكر البنا من خانيونس إنه يعيل أسرة مكونة من ثمانية أنفار أكبرهم في الخامسة عشرة من عمره، وهو عاطل عن العمل منذ أكثر من ثلاث سنوات حيث لم تسمح له إسرائيل بالعودة للعمل داخلها منذ ذلك الحين.
ويضيف 'رغم أن العيد من أكثر الأيام التي يجب على المسلم أن يفرح بها إلا أنها تشكل لي حزنا وألما كبيرا.. فانا لا أجد المال الذي اشتري به لأطفال احتياجاتهم، واضطر وأنا أرى الدموع في عيونهم إلى الاستدانة من الأقارب والأصدقاء وقد يصل بي الأمر إلى أن أتسول حتى أطعمهم'.
وعن هذا العيد يشير إلى انه عمل منذ شهرين في مجال البناء واستطاع أن يجمع بعض المال لكنه صعق عندما نزل إلى السوق بالارتفاع المذهل في الأسعار، حيث يقول' استطعت أن اجمع نحو ألف شيكل (250 دولارا) دفعت نصفهم بالتمام والكمال ديونا لمستحقيها الذين يطالبونني بها منذ وقت طويل، واشتريت بنحو نصف المتبقي احتياجات أساسية فقدها بيتي منذ زمن، ولم يبق معي إلا 200 شيكل حتى اشتري لأطفالي ملابس، وعندما علمت بالأسعار الجديدة قدرت أنني احتاج إلى عشرة أضعاف ما معي لكسوتهم جميعا، فماذا أفعل؟'.
الصحفي محمد ياسين يشير في اتصال هاتفي إلى أن أصحاب المحلات التجارية معذورون، فهم لم يستطيعوا أن يدخلوا أية بضائع جديدة منذ أكثر من ستة أشهر، رغم أن بعضهم قد اشترى من الخارج بضائع جديدة لكنها ما زالت في الموانئ الإسرائيلية وقد تلف جزء كبير منها ومع هذا فهم مضطرون لدفع ما يسمى بـ'الأرضية' للتجار الإسرائيليين، الأمر الذي سيزيد ثمنها على الزبون إن دخلت مستقبلا للقطاع.
ويرجع اقتصاديون ما تشهده أسواق غزة من ركود اقتصادي إلى عدة أسباب، يقف في مقدمتها الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، وانتشار البطالة والفقر المدقع في صفوف المواطنين.
تعليقات