يا سامع الصوت !!

زاوية الكتاب

السلطة تمادت بالكويت برأي الجاسم متناولا 'الشيخة'

كتب 4180 مشاهدات 0

محمد الجاسم


يا سامع الصوت!

 
تعتبر 'الهيبة' من بين الأدوات التي يستعين بها الشيوخ لتوطيد سلطتهم، وهي مجموعة من القيم الاجتماعية يتداخل معها 'البشت' تُشعر الشيخ بأهميته وتوفر له درجة من الحماية النفسية. وهي قيم تحول دون توجيه الانتقادات للشيخ، من باب المجاملة، فيظن هذا الشيخ أن الدنيا 'سهود ومهود' وأن 'الشيخة' مازالت بخير. إلا أن الملاحظ مؤخرا أن الاعتبار الاجتماعي للشيوخ بدأ يتناقص، فلم تعد 'الشيخة' وحدها مدعاة لاحترام صاحبها و'توجيبه' اجتماعيا، بل حتى علو المنصب السياسي لم يعد كافيا للتقدير الاجتماعي للشيخ. ففي تعليق على صورة الشيخ ناصر المحمد التي نشرت الأسبوع الماضي وهو يغطي نصف وجهه في جلسة مجلس الأمة، كتب أحد 'المغردين' في تويتر أن الشيخ ناصر كان يرقص 'السامري' أمام النواب! إن تناقص القيمة الاجتماعية 'للشيخة' هو مؤشر مهم جدا على جملة من المتغيرات، فإذا ما قرر الرأي العام تخفيض الدرجة الاجتماعية للشيوخ، فإن هذا يعني أن التغيير السياسي قادم لا محالة. ففي الكويت تتداخل الاعتبارات الاجتماعية بالاعتبارات السياسية على نحو يعيق التطور السياسي، أما اليوم فقد هتف الجمهور في ساحة الصفاة وأمام قصر السيف وأمام مجلس الأمة وعلى الهواء مباشرة.. 'الشعب يريد إسقاط الرئيس'. إن الرئيس الذي يسعى الشعب لإسقاطه هو الذي تقدمه أسرة الصباح كحاكم للبلاد في المستقبل ويحمل الآن لقب 'سمو'!

في مقال الأسبوع الماضي، كتبت حول نشاط بعض الشيوخ في تفريغ مؤسسات الدولة من قيمتها وتحويلها إلى سلطات تابعة لهذا الشيخ أو ذاك في إطار مشروع تفريغ نظام الحكم الدستوري من محتواه وتعزيز سيطرة 'النظام البديل' الذي يخدم 'مشروعات حكم' قد تتصادم فيما بينها قريبا. وخلال الأسبوع الماضي تجلى 'النظام البديل' في أبهى صوره حين نجح الشيخ ناصر المحمد في استصدار قرار من مجلس الأمة بتأجيل مناقشة الاستجواب الموجه إليه مدة سنة. إن هذا القرار الاستفزازي هو مرحلة متقدمة جدا من مراحل خروج سلطة الشيوخ على نطاق الشرعية، وهو خروج له كلفة عالية جدا على أسرة الصباح. ولعل تظاهرة 'جمعة الدستور' والإصرار على انطلاقها من ساحة الصفاة، والهتافات التي أطلقت فيها خير شاهد على ارتفاع الكلفة.


إن الدساتير المتزنة هي ضمانة استقرار الدول، وتطبيق نصوص الدستور الكويتي والالتزام بروحه وجوهره ضمانة أساسية لاستقرار إمارة ذرية مبارك الصباح، وهي ضمانة يبدو أن التفريط بها يتسارع بلا أدنى إحساس بالمسؤولية وبلا تفكير في العواقب. إن تمرد السلطة، أي سلطة، على الشرعية سوف يقابله خروج الشعب عن تلك الشرعية أيضا ذات يوم مهما بعد. فحين تتمادى السلطة، يغيب التوازن.. وحين يغيب التوازن تسود الفوضى حتما.

نعم، لقد تمادت السلطة في الكويت كثيرا.. بدأ التمادي حين تبنت منهج الملاحقات السياسية وسجن أصحاب الرأي.. تمادت حين ضربت النواب.. تمادت حين شجعت سياسة تفتيت المجتمع إلى طوائف وفئات.. تمادت حين سعت إلى إقصاء أبناء القبائل.. تمادت حين اعتمدت منهج إفساد العمل السياسي عن طريق المال.. تمادت حين دعمت الإعلام الفاسد.. تمادت حين استخدمت الصراع الطائفي وسيلة للبقاء.. تمادت في سياستها الخارجية حين فضلت المعسكر الإيراني على معسكر دول مجلس التعاون.. تمادت بدعم الفساد الإداري والمالي.. ولولا النار التي أضرمها المرحوم محمد البوعزيزي في نفسه في تونس، ولولا الرقابة الدولية الخارجية، لتمادت السلطة في اتباع المنهج البوليسي الذي بدأته في شهر ديسمبر من العام الفائت، ولاستمر منهج الملاحقات السياسية.

إن السلطة تراهن، في تماديها، على سلبية الشعب وانقسامه، وعلى خلو الساحة من قيادة سياسية شعبية قادرة على توحيد الرأي العام وقيادته، وعلى قدرتها في توجيه الصحف والتحكم في عناوينها، وعلى قدرتها في 'شراء' قرار الأغلبية في مجلس الأمة.. إن هذا كله يعبر عن قصر نظر لا مثيل له. إنه تعبير صارخ عن أزمة انعدام الكفاءة.

لقد خرجت السلطة في السنوات القليلة الفائتة عن القيم، قيم الحد الأدنى، التي كانت تحكم أسس علاقتها بالشعب في العهود السابقة، وهي تسعى إلى حلول منظومة جديدة من القيم السلبية.. منظومة لا أصل لها في تاريخ الكويت ولا تنتمي إلى تراثنا السياسي.. منظومة يرفضها الشعب الكويتي همسا تارة، وعلنا تارة أخرى.

إنني، ومن دوافع محبة لبلادي، وانطلاقا من ولاء دائم لمضمون المادة الرابعة من الدستور وتوأمه مضمون المادة السادسة منه، أنبه شيوخنا الكرام إلى أنهم خرجوا عن الحد المقبول في نشاطهم السياسي.. فهل فات أوان تنبيهكم؟

 

الآن - ميزان -مقال اليوم

تعليقات

اكتب تعليقك