'ناصر' و 'أحمد' ومشروع الحاكم
زاوية الكتابفكرة انضمام الأردن والمغرب كشفت القلق المستور بالأنظمة الوراثية!
كتب مايو 16, 2011, 4:35 ص 7870 مشاهدات 0
القلق المستور!
هل يمكن لذرية مبارك الصباح الحاكمة، على ضوء الوضع المحلي بكل تفاصيله وعلى ضوء المتغيرات التي تحدث في بعض الدول العربية، أن تواصل سيطرتها على إدارة الدولة، كما هو الوضع الراهن، في العهد القادم وما يليه من عقود؟
في مقالات سابقة أوضحت أن الذرية الحاكمة في الكويت تتمتع بسلطات جوهرية خارج نطاق الدستور. ومن خلال تلك السلطات تهيمن الذرية الحاكمة، إلى أبعد حد، على مفاصل الحركة في المجتمع. فالحركة التجارية (أو ما يسمى تجاوزا الاقتصاد الكويتي) هو مجرد أداة سياسية تُستخدم لتوفير الدعم والإسناد السياسي لمواقف وقرارات وتحالفات الذرية الحاكمة، أي تُستخدم لمكافأة 'الأنصار'، وتُستخدم أيضا للتحييد السياسي.
أما مؤسسات الدولة، مثل مجلس الوزراء ومجلس الأمة، فقد أصبحت مجرد 'واجهات سياسية' خاضعة لسيطرة الذرية الحاكمة ولا تعمل باستقلالية ولا تقوم بمهماتها وفق أحكام الدستور. فمجلس الوزراء مجرد واجهة تنفيذية للذرية الحاكمة، وهو ليس المكان الذي تتخذ فيه القرارات المهمة، والوزراء من غير الشيوخ لا يشاركون في رسم السياسات العامة للدولة، بل لا توجد سياسات عامة من الأساس بقدر ما هنالك توجهات تمليها الذرية الحاكمة. كما أن سلطات الوزراء من غير الشيوخ منقوصة، إذ يتوجب عليهم الحصول على موافقة الشيوخ قبل إصدار القرارات المهمة في وزاراتهم. أما مجلس الأمة فقد تم 'شراء' قرار الأغلبية فيه عن طريق اتباع سياسة الإفساد علنا، وهي السياسة التي ترمز إليها قضية 'الشيكات'. وهو يستخدم هذه الفترة كأداة لإضفاء 'الشرعية والمشروعية' على التجاوزات والتصرفات غير المشروعة.
وعلى صعيد السلطة القضائية، فمع الأسف الشديد، تم تحقيق 'نجاحات' مهمة في محاولات اختراقها والهيمنة عليها، فالقضاء اليوم يمر في ظروف سيئة جدا من جهة حجم ونوع ومدى تدخلات بعض كبار الشيوخ، وهناك مشكلة تتفاقم يوميا في موضوع 'التعيين' في المناصب العليا، وهي مشكلة باتت تؤثر فعلا على أداء القضاء لمهمته الأساسية وهي الفصل في القضايا. ولا يخفى أن حسم أمر تلك التعيينات، بل ومستقبل القضاء، هو الآن في مرحلة تفاوض يبرز فيها رأي الذرية الحاكمة لا رأي وزير العدل ولا مجلس الوزراء ولا مجلس القضاء. وفي تقديري الشخصي يمكن القول أن ما تبقى من سمعة ومكانة وهيبة واستقلالية السلطة القضائية هو على المحك الآن بسبب تداعيات تعيين الرئيس الجديد لمجلس القضاء وتعيين النائب العام الجديد، حيث أصبحت ميول ومصالح 'الذرية الحاكمة'، وليس الدستور والقانون' هي مرجعية الاختيار، والخطر كل الخطر أن تنتقل إلى السلطة القضائية الأمراض التي يعاني منها مجلس الأمة حاليا والتي نجحت السلطة في زرعها في خلايا العمل البرلماني الرقابي والتشريعي أيضا.
أما ديوان المحاسبة فقد تحول إلى تابع للذرية الحاكمة، وتخلى عن كونه جهة محايدة مستقلة. حتى أن رئيس الحكومة بات يُكثر من استخدام الديوان 'لتطهير' بعض تصرفاته كما حدث في موضوع 'مصروفات الرئيس'، ويُستخدم أيضا لدعم الرئيس في الاستجوابات الموجهة إليه كما يحدث الآن في شأن شركة 'زين للاتصالات'.
أما وسائل الإعلام الخاص من صحف وتلفزيونات، فقد نجحت الذرية الحاكمة في تخفيض سقف الحرية في بعضها بطرق عدة، كما نجحت في التحكم كليا في مواقف البعض الآخر. ومؤخرا، دخل بعض شيوخ الذرية الحاكمة في الإعلام مباشرة من خلال تملك أو المشاركة في تملك وسائل إعلامية (صحف وتلفزيونات).
باختصار شديد، لابد من الإقرار بأن كافة 'مفاتيح الحركة' في المجتمع الكويتي اليوم هي بيد شيوخ من الذرية الحاكمة، مع اختلاف مصالحهم الشخصية، يتصدرهم رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد ويليه الوزير الشيخ أحمد الفهد.
وفي مقابل تنامي سلطة شيوخ الذرية الحاكمة، نلاحظ ولأسباب عدة، ضعف تأثير القوى السياسية التي يخضع بعضها لسلطة شيوخ من الذرية الحاكمة، إما بسبب تداخل العمل السياسي مع العمل التجاري الذي هو 'الصنعة' الرئيسية لقادة بعض تلك القوى الخاضعة، أو بسبب سيطرة الطموح الشخصي وغياب المشروع الموضوعي لدى البعض الآخر. أما جمعيات النفع العام المهنية وغير المهنية، فإنها بلا فاعلية سياسية، بل أن بعضها أيضا يدور في فلك شيوخ الذرية الحاكمة. كما أن الساحة السياسية تعيش منذ فترة في فراغ كبير جدا موضوعي وشخصي، إذ لا يوجد في البلاد (عمل سياسي) منظم يقوم على برامج وأهداف، بل هناك (عمل برلماني) يخضع لقواعد اللعبة الانتخابية و'لتكتيك' سياسي متغير من خلال الاستجوابات وتصريحات بعض النواب وندواتهم. كما أن الفراغ قائم أيضا من جهة عدم وجود شخصيات (سياسية) قادرة على تغطية الفراغ (الموضوعي) وتوفير نموذج للرمزية السياسية التيالذي تلتف 'المعارضة' حوله. إضافة إلى ذلك كله، فقد نجحت السلطة إلى حد كبير في تحقيق الانقسام (السياسي) بين فئات المجتمع (بدو، حضر، سنة، شيعة) من خلال اتباع منهج التشتيت الفئوي والطائفي.
وفي أجواء كهذه، لابد من الاعتراف بأن الذرية الحاكمة نجحت، في السنوات الخمس الأخيرة، في تحقيق مشروعها القديم الرامي إلى تعزيز قبضتها. ويلاحظ أن هذا النجاح تحقق بعد أن تخلت عن أسلوب العمل المباشر في محاولات تعديل الدستور أو إلغاء مجلس الأمة واستخدمت أسلوب 'التفريغ من الداخل' للمؤسسات الدستورية. لقد أصبحت مؤسساتنا الدستورية اليوم خاضعة للذرية الحاكمة التي تتمتع بسلطات فعلية أقوى بكثير من سلطاتها الدستورية.
وأعود إلى السؤال الذي تصدر المقال: هل يمكن للذرية الحاكمة مواصلة سيطرتها؟
إذا انطلقنا من تقييم نشاط القوى السياسية أو 'نواب المعارضة'، يمكن استنتاج أن الذرية الحاكمة سوف تواصل الاحتفاظ بسلطاتها غير الدستورية لفترات قادمة. إلا أن الإجابة تتطلب التدقيق في واقع الذرية الحاكمة أيضا.
لابد من تقرير ما إذا كانت الذرية الحاكمة اليوم تتحرك كوحدة واحدة ووفق أجندة محددة، أم أنها تعمل بشكل ارتجالي ووفق أجندات مختلفة أو متعارضة. بالطبع تبدو الإجابة سهلة. هناك أجندات متضاربة ومصالح متعارضة.. فالشيخ ناصر المحمد يعمل على أساس أنه 'مشروع حاكم'، كما أن الشيخ أحمد الفهد يعمل على أساس أنه 'مشروع حاكم' أيضا. وفي إطار مشروع 'ناصر' ومشروع 'أحمد'، تظهر أجندة الذرية الحاكمة. ومهما قيل عن تعارض المصالح بين 'ناصر' و'أحمد'، فإنهما يتفقان على على صعوبة تحقيق 'مشروعات الحكم' الشخصية من دون اتباع منهج تفريغ المؤسسات الدستورية وإخضاعها لنفوذهما الشخصي بهذه الوسيلة أو تلك. فناصر وأحمد يتنافسان الآن في كل شيء ويعملان وفق الأسلوب ذاته، وهذا الاتفاق غير المقصود هو ما يوحي بأن الذرية الحاكمة تتحرك كوحدة واحدة في حين أنها تعاني من الانقسام وتعدد مشروعات الحكم فيها. ومع ذلك لابد من الإقرار بأن ما يفعله كل من 'ناصر وأحمد' في مؤسسات الدولة والإعلام يحظى بدعم 'عائلي' في العهد الحالي في نتائجه النهائية ما دامت تلك النتائج تصب، في نهاية المطاف، في إطار تفريغ الحكم الدستوري من محتواه وتعزيز سيطرة 'النظام البديل'. ونتيجة لهذا الدعم العائلي، وأخذا في الاعتبار تعاظم قوة الشيخ ناصر المحمد وسط الذرية الحاكمة، فمن غير المتوقع أن نشهد قريبا بوادر ضعف لسلطة الذرية الحاكمة.
لكن.. الوضع حتما سوف يختلف في العهد القادم، وسوف تتقلص سلطة الذرية الحاكمة لأسباب عدة، سوف أكتفي الآن بتعدادها آملا أن أتوسع في مناقشتها في مقالات لاحقة، ومن أهمها أن التنافس بين شيوخ الذرية الحاكمة قد يخرج عن نطاق السيطرة ويصل إلى مراحل غير مسبوقة لحظة اختيار ولي العهد القادم، أي أن 'مشروعات الحكم' سوف تتصادم في تلك اللحظة. ومن بينها أيضا أن 'التماسك الظاهري' للذرية الحاكمة قد ينفرط عقده نتيجة زوال هاجس الخوف من السلطة المركزية، فتظهر 'مراكز قوى' جديدة داخل الذرية الحاكمة تفضل الصمت الآن. وبالطبع هناك سبب في غاية الأهمية وهو 'البصمة الشخصية' لسمو ولي العهد الحالي الشيخ نواف الأحمد التي لن تظهر إلا حين يتولى الإمارة، ويختار سموه أسلوب رئاسة الدولة.
وختاما، لا يمكن إطلاقا إغفال تأثير التطورات السياسية والنفسية التي تشهدها بعض الدول العربية وإمكانية تأثر القوى الشبابية في الكويت وانطلاقها في التعبير عن مواقفها وفرض تغيير ما في موازين القوى وإحياء قوة الرأي العام وتأثيره. ولعله من قبيل الخطأ الجسيم أن تراهن الذرية الحاكمة على استمرار الوضع الراهن وتجاهل المتغيرات.. إن فكرة انضمام الأردن والمغرب إلى مجلس التعاون الخليجي بذاتها كفيلة لكشف القلق المستور الذي ينتاب الأنظمة الوراثية هذه الأيام!
تعليقات