عن تاريخ 'الصفويون والنصيريون' يكتب عبدالله الهدلق، ويعتبرهم 'أعداؤنا' ؟!
زاوية الكتابكتب مايو 15, 2011, 12:47 ص 2150 مشاهدات 0
كلمة حق
الصفويون والنصيريون أعداؤنا
عبدالله الهدلق
يمثل تاريخ الدولة الصفوية في بلاد فارس «إيران» منعطفا مهما في تاريخها فبقيامها على يد مؤسسها اسماعيل الصفوي «1524م-1501م»، اتخذت ايران المذهب الشيعي الاثني عشري مذهبا رسميا، وكان لهذا التحول آثاره البعيدة في تاريخ ايران خاصة وتاريخ العالم الاسلامي عامة، وكانت الاجواء التي عاشتها ايران في اواخر القرن التاسع الهجري من التمزق السياسي وشيوع الفوضى افضل مناخ استغله الصفويون لجذب المزيد من الانصار والتطلع الى قيام دولة تدين بالمذهب الشيعي بعد تعرضها لتدمير المغول ثم لتدمير تيمور لنك.
كانت ايران تدين بمذهب اهل السنة والجماعة ولم يكن فيها سوى اربع مدن شيعية هي «آوه، قاشان، سبزوان، قم»، وعقب تتويج اسماعيل الصفوي ملكا على ايران، اعلن المذهب الشيعي مذهبا رسميا للدولة وتوجهت انظاره الى منطقة «جبل عامل» في لبنان – التي كانت آنذاك معقلا من معاقل الشيعة وفيها الكثير من «علمائهم!»، ولما رأى انه من العسير عليه ان يوفر للناس ما يرسخ مبادئ المعتقد في نفوسهم، وان الكتب غير متوفرة، عمد الى ملء الفراغ من خلال استحضار علماء الشيعة من «جبل عامل»، فأصبحت استمالة علماء «جبل عامل» للتوجه الى ايران من السياسات الاساسية للحكومة هناك ولم يستطع علماء الشيعة في «جبل عامل» مقاومة الاغراءات الصفوية للقدوم الى ايران، فنصرة المذهب ودعمه وترسيخ دعائمه في ايران احتل لديهم مكانة كبيرة، لكن اسبابا اخرى دفعتهم للهجرة الى ايران.
كان المهاجرون عموما يجدون في ايران ظروفا مواتية فالذين تجاوبوا مع الحكومة الصفوية وتضامنوا معها حصلوا على عطايا وهدايا على شكل املاك واموال نقدية وعينية ومكانة كبيرة، وقد وصل احترام ملوك الصفويين لعلماء «جبل عامل»، انهم اوكلوا اليهم كافة المهام القضائية في البلاد ومنحوهم السلطات والصلاحيات اللازمة، ويقدر مؤلف كتاب «هجرة علماء الشيعة» عدد «علماء!» «جبل عامل» الذين هاجروا الى ايران في العهد الصفوي بـ«97» عالماً، ومن ابرز العلماء المهاجرين الى «ايران» «علي بن عبدالعالي الكركي» هادفا لترويج المذهب الشيعي، وقد لقي من اسماعيل الصفوي كل احترام وتقدير وتكريم واجرى له مرتبا سنويا، كما ان من ابرز علماء الشيعة المهاجرين الى ايران «بهاء الدين العاملي» الذي بلغت مؤلفاته من الاهمية بمكان عند الشيعة الى حد اعتبروا فيه كتابه «جامع عباسي» احد اعظم الكتب تأثيرا في تاريخ الشعوب اما كتاباه «خلاصة الحساب» و«الفوائد الصمدية» فهما دائران حتى اليوم في الحوزات العلمية.
ان دراسة هجرة علماء «جبل عامل» من لبنان الى ايران منذ السنوات الاولى لقيام الدولة الصفوية حتى نهايتها وسقوطها في «جالديران» شرق الاناضول عام «1514م» وتقلدهم اعلى المناصب لتؤكد ان «علماء» الشيعة اللبنانيين كان لهم تأثير بالغ في التشيع الصفوي، كما ساهموا في تربية جيل من «الفقهاء» الايرانيين الذين مارسوا الشأن السياسي في الدولة الصفوية بعد ذلك.
كانت قبائل الاوزبك تعتنق المذهب السني تحت زعامة «محمد شيباني»، واصبحوا وجها لوجه امام اسماعيل الصفوي، وزاد الصراع بينهما والتراشق المذهبي واصبح لا مَفر من الحرب بينهما، وانهزمت قبائل الاوزبك في مرو عام «1510م»، وبعد ذلك ازداد التوتر بين الدولة الصفوية الناشئة والعثمانيين، وكان السلطان العثماني سليم الاول ينظر بعين الارتياب الى تحركات الصفويين ويخشى من تنامي قوتهم وتهديدهم لدولته فعزم على مهاجمة خصمه وتسديد ضربة قوية له قبل ان يستعد للنزال فجمع رجال الحرب والعلماء والوزراء وذكر لهم خطورة اسماعيل الصفوي وحكومته في ايران وانه اعتدى على حدود الدولة العثمانية وفصل بدولته الشيعية المسلمين السنيين في وسط آسيا والهند وافغانستان عن اخوانهم في تركيا والعراق ومصر ولم يجد السلطان العثماني صعوبة في اقناع قادته بضرورة محاربة الصفويين لأنهم صاروا خطرا داهما يهدد وجود العثمانيين فخرج على رأس جيش كبير متجها الى ايران واستعان بقائد الاوزبك «عبيد الله خان» بعد ان ذكره بمقتل عمه «شيباني» وكان هدف «سليم» من ذلك ان يجعل ايران بين شقي الرحى من الغرب بهجومه عليها ومن الشرق بهجوم عبيد الله خان على «خراسان».
التقى الفريقان في صحراء «جالديران» في شرق الأناضول في العام (1514م) وانتهت المعركة بهزيمة اسماعيل الصفوي هزيمة نكراء وفراره من ارض المعركة الى «اذربيجان» ودخل السلطان العثماني مدينة «تبريز» عاصمة الصفويين واستولى على اموال اسماعيل الصفوي وبعث بها الى اسطنبول وقفل راجعا الى بلاده بعد النصر العظيم وفداحة خسائر الصفويين، وترتب على هذا الانتصار ان نهض رؤساء كردستان الشافعية السُّنّة لمساندة العثمانيين ولم يمض وقت طويل حتى توسع العثمانيون على الرغم من الاستحكامات العسكرية التي اقامها الصفويون واصبح الجزء الاكبر من اراضي الاكراد في يد العثمانيين وبات من المستحيل على الصفويين التوسع على حساب العثمانيين.
المصادر:
< «هجرة علماء الشيعة» - عبدالعزيز سليمان – دار النهضة 1973.
< «تاريخ الصفويين وحضارتهم» - بديع الخولي – دار الرائد العربي - القاهرة 1976.
< «ايران ماضيها وحاضرها» - رونالد ولبر – ترجمة محمد عبدالمنعم – دار الكتاب المصري - القاهرة 1985.
< تاريخ الدولة العثمانية – محمد فريد بك – بيروت 1983.
٭٭٭
النصيرية «العلوية» فرقة باطنية عاش جزء من افرادها في منطقة جبل النصيريين في اللاذقية في سورية واسمهم التاريخي «النصيريون» نسبة الى «أبي شعيب محمد بن نصير بن بكر العبدي النميري التميمي البصري» الذي وضع اساس المذهب في بغداد في القرن الثاني الهجري، والنصيريون يغالون في تقديس علي بن أبي طالب – رضي الله عنه - الى حد تأليهه، وقد ظهرت النصيرية في القرن الثالث للهجرة ويشبه تقديس النصيريين لعلي بن أبي طالب الى حد كبير تقديس النصارى لنبي الله وعبده ورسوله عيسى بن مريم عليه السلام، حيث يعتبرونه «صورة الله!» في الارض، وعرفوا تاريخيا باسم النصيرية وهو اسمهم الاصلي، ولكن عندما شكل حزب سياسي في سورية باسم «الكتلة الوطنية» اراد ان يقرب النصيرية اليه ليكسبهم فأطلق عليهم اسم العلويين وصادف هذا هوى في نفوسهم، واقامت فرنسا لهم دولة اطلقت عليها اسم دولة العلويين، واستمرت تلك الدولة من سنة 1920م الى 1936م، ويتصف مذهب النصريين بالغموض والسرية، ولا توجد مؤسسة رسمية تعمل على نشر المذهب أو التبشير به، ومن اشهر النصيريين «العلويين» في سورية عائلة الاسد الحاكمة، وعدد من رواد الفكر والكتاب والمفكرين السوريين كالشاعر ادونيس، وبدوي الجبل، وسليمان العيسى، والمؤلف المسرحي سعد الله ونوس والمناضل ضد الفرنسيين لتحرير سورية الشيخ صالح العلي، والشاعر والمسرحي ممدوح عدوان وغيرهم.
وفي عام 1970م استولى حافظ الاسد على السلطة في سورية اثر انقلاب عسكري، وازداد بعد ذلك نفوذ ابناء الطائفة في الجيش والمؤسسات السورية، واصبحت لهم الاولوية في التوظيف في المؤسسة العسكرية والاجهزة الامنية، واصبح رؤساء اجهزة المخابرات الاربعة «العسكرية، السياسية، الجوية، المخابرات العامة» من ابناء الطائفة، واستمر تعيين ضباط كل القطع العسكرية وقادتها من الطائفة النصيرية «العلوية» التي لا تمثل الا (%11) فقط من سكان سورية.
المصدر: العلويون والشيعة وصراع السلطة في سورية – مصطفى الشكعة.
تعليقات