خليل حيدر في مقالة مطولة يشرح لنا ماذا فعل أسامة بن لادن بالمسلمين ؟!
زاوية الكتابكتب مايو 11, 2011, 12:55 ص 1277 مشاهدات 0
أفكار .. وأضواء
ماذا فعل أسامة بن لادن .. بالمسلمين!
خليل علي حيدر
نشر هذا المقال عام 2002، بعد احداث سبتمبر 2001 واسقاط نظام طالبان، جواباً على الشريط الذي بثته قناة «الجزيرة» في 2001/12/27، لأسامة بن لادن .. نعيد نشره اليوم، بعد ان فعل بن لادن ما فعل بالمسلمين.
خطبة اسامة بن لادن العصماء من محطة تلفزيون الجزيرة يوم الخميس 2001/12/27، بحاجة الى ردود مطولة لا مجال لها الان، ويكفي ان نتوقف مع القارئ عند بعض النقاط، وبخاصة تلك التي قد يصدقها البعض، فيرى فيما قام به بن لادن عملاً بطولياً صادقاً خدم العرب والمسلمين.
-1 اولى النقاط التي تستحق الرد هو ان بن لادن ملأ خطبته بالتهجم على استخدام القوة من قبل الولايات المتحدة ضد القاعدة ونظام طالبان، فوصف هذا اللجوء للاعمال الحربية بالحقد الصليبي.ولكنه لم يشر من قريب او بعيد الى الجرائم النكراء التي ارتكبت في نيروبي ونيويورك والسعودية وربما اماكن اخرى.فهل كان يتوقع ان يستمر مثلاً في تصعيد تفجيراته «الجهادية» هذه عبر اقطار المعمورة، وفي ديار الاسلام وخارجها دون ان يتصدى له احد؟.
-2 ثم أما كان الاجدر بالمجاهد اسامة بن لادن ان يجيب على سؤال بسيط يسأله اليوم كل افغاني وكل عربي وكل مسلم: بأي حق تحصن هو ومن معه من انصاره واعضاء حزبه بالارض الافغانية، وعرض تلك الدولة الفقيرة وذلك الشعب المسكين لهذه الحرب الطاحنة؟
ولقد ابدى بن لادن تعاطفاً باكياً مع الذين قتلوا وخربت بيوتهم وتهدمت المساجد فوق رؤوسهم اثناء الصلاة، ولم يقل للمشاهد من كان السبب الاول في اشعال هذه الحرب، ووقوع هذا الدمار في مدن وأرياف افغانستان .بل على كل عربي او مسلم يؤيد بن لادن ان يسأل نفسه في الكويت او السعودية او مصر عن حق هذا المجاهد او ذاك في ان يتحصن في مكان ما من هذه الدول العربية، ويعرض شعوبها لغضب العالم وحربه باسم الدفاع عن الاسلام، او الانتقام من السياسة الامريكية في الشرق الاوسط!.
-3 تباكى المجاهد بن لادن في خطابه على انعدام الرحمة في القصف الامريكي، وخص بالذكر ناحية تثير الاستغراب فعلاً الا وهي قتل الاطفال.
ويعترف الجميع، واولهم الامريكان، بوقوع ضحايا كثر في صفوف المدنيين لاسباب معروفة اثناء الحرب، ولكن لماذا لم تفكر قيادة تنظيم القاعدة بمصير النساء والاطفال والمدنيين عندما اختطفت طائرات مدنية مليئة بالوقود السريع الاشتعال، وهاجمت بها دون رحمة أناساً لا ذنب لهم، وقتلت فوق ذلك ركاب الطائرات بل وبعض الخاطفين ممن كانوا يجهلون الهدف الحقيقي لعمليات الاختطاف!.
ونراه يقول: «ما يجري اليوم من قتل متعمد للاطفال امر في غاية القبح وفي غاية الظلم والعدوان وهو يهدد البشرية جمعاء».
أليس في اختطاف الطائرات وتفجير المباني بها وقتل المئات والآلاف من الناس بلا مبالاة «تهديد للبشرية جمعاء» كذلك؟.
ثم ان القوات الامريكية في عملياتها العسكرية، سواء في العراق او البوسنة او في افغانستان لم تقتل عمداً اي طفل او امرأة، ومن أجل حماية المدنيين، انفقت الولايات المتحدة المليارات من الدولارات، تحملها دافع الضرائب من رجال ونساء امريكا، فظهرت اسلحة يمكن التحكم بها عن بعد... ولو كانت هذه الحرب، وحرب تحرير الكويت وقصف العراق، قد وقعت قبل خمسين عاماً، كما جرى في الحرب العالمية الثانية، لكان مقدار الدمار وعدد الضحايا بين المدنيين اضعاف اضعاف ذلك.
-4 ويصف بن لادن السياسة الدولية المتبعة مع النظام العراقي بأنها من قبيل «الارهاب المذموم» ومن المؤسف ان بعض المتأثرين بمدرسته الجهادية في دول الخليج والعالم العربي يصدقون ما يروجه اعلام النظام العراقي دون اي نقاش او تحليل.فما يطلبه المجتمع الدولي من النظام العراقي المتسلط هو السماح باخضاعه للتفتيش المنتظم لئلا يحاول هذا النظام، بسمعته المعروفة وتجارب جيرانه معه، ان يطور اسلحة الدمار الشامل.
وحتى لو افترضنا صدق مزاعمه حول وفاة المليون طفل في العراق، وما ابعد ذلك عن الحقيقة بسبب عدم تأكيد اي طرف مستقل لها، فان الغذاء والدواء غير ممنوعين في العراق، ولكن النظام يتبع سياسة حرمان الشعب، وبخاصة الفئات المغضوب عليها، ويصدق الشباب في الخليج ومصر هذه المزاعم.
ثم أما كان الاجدر بالمجاهد بن لادن ان يتحدث عن حقيقة النظام والقيادة والحزب والجرائم في العراق منذ ثلاثين سنة، والتصفيات التي قام بها النظام، وملايين العراقيين في المنفى، والقمع والتعذيب والقاء الاحياء في اقفاص الكلاب المتوحشة، بدلاً من صب جام غضبه، في هذه الخطبة التلفزيونية، على الرئيس بوش؟.
-5 ومما جاء في خطبة بن لادن ان احداث سبتمبر ما هي الا رد فعل وانتقام للسياسة الامريكية في العراق والصومال وفلسطين وجنوب السودان وغيرها. ولا نريد الآن ان نغوص في نقاش سياسي مع انصار مثل هذا الفكر الانتقامي المغامر، الذي يريد ان يوجه ضربة او ضربات للولايات المتحدة مهما كانت نتائج ذلك وعواقبه الوخيمة على العرب والمسلمين بل وعلى الاسلام نفسه فمثل هذا النقاش قد لا يجدي في هذا المقام.
ولكن من قال ان مثل هذه الاعمال والتفجيرات، مهما كان حجمها ودقة تخطيطها، تغير سياسة الولايات المتحدة في اي مكان؟ واذا تغيرت مثل هذه السياسة فالى كم من الزمن، والى اي بديل؟
-6 ويتفاخر صاحب الخطبة في محطة الجزيرة بأن الذين قاموا بالعملية الارهابية في نيويورك مجرد «طلاب ثانويات» وهم بلا شك «ليسوا تسع عشرة دولة عربية ولم تتحرك الجيوش».
ثم يترحم على الشباب الذين قاموا بهذه العملية وغيرها، راجياً الله سبحانه ان يتقبلهم شهداء ولا نناقش بن لادن في كهفه، ولكننا نخاطب العقل والمنطق في شبابنا داخل الكويت والدول العربية وشباب العالم الاسلامي: هل فكر بن لادن وهل فكرتم في الثمن الذي سيدفعه طلابنا وشبابنا ممن سيتقدمون للدراسة الجامعية في اوروبا والولايات المتحدة؟ هل فكر احد بالدمار العظيم الذي اصاب صورة وسمعة العرب والمسلمين، ومقدار الشكوك والعزلة التي سيعانون منها في تلك البلاد لفترة طويلة قادمة؟
الا ينبغي لكل ام كويتية وسعودية ومصرية، ولكل اب في الامارات والاردن والمغرب ولكل صاحب عائلة في تركيا وباكستان وماليزيا ان يتساءل: بأي حق دمر بن لادن وتنظيمه مستقبل اولادي وسمعة شعبي وديني؟ وكم ستصرف الدول العربية والاسلامية في سبيل اعادة الامور الى ما كانت عليه قبل الحادي عشر من سبتمبر، عندما وقعت «هذه الضربات المباركة الموفقة» كما يقول بن لادن في خطبته؟
من خوّل بن لادن وتنظيم القاعدة، جرجرة سمعة الاسلام ومصير شبابه وعلاقات العرب الدولية في مغامرات متصلة بين اليمن والسودان وافريقيا وتركستان وباكستان وافغانستان؟ ومن خوله حق تجنيد هذا الشاب الساذج وحق اعلان الجهاد؟.
-7 خصص المجاهد بن لادن جانباً من خطبته لشرح خطته في تحطيم الاقتصاد الامريكي.ولا تتجاوز الخطوات التي شرحها عن مجموعة من النشاطات التفجيرية والتخريبية المربكة، التي ستحقق في نهاية الامر، كما يقول «ضرب القاعدة الاقتصادية التي هي اساس للقاعدة العسكرية».
ومرة اخرى لا نناقش بن لادن بل نناقش «بن لكن» من العرب والمسلمين ممن يستسهلون الامور، ويتشوقون الى الاطروحات المغامرة والحلول السهلة السريعة، بدلاً من ان يتعلموا اسس التقدم والتنمية.
ان حجم الاقتصاد الامريكي يا اخوتي ليس بالمليارات بل بالترليونات، و«الترليون الف مليار».والاقتصاد الامريكي له رافد لا يقل عنه ضخامة في اوروبا وكندا واستراليا واليابان، تشكل كلها جسماً متماسكاً اليوم في عصر العولمة.ثم ان هذا الاقتصاد «الامريكي» يشكل العمود الفقري لاقتصاديات معظم دول العالم بما في ذلك العالم العربي والاسلامي.
ولو انهار هذا الاقتصاد وفقد الدولار مكانته فسيكون العالم الاسلامي اول واكبر واعظم الخاسرين..يا بن لادن ويا كل معجب بمثل هذه الافكار! فلنكف يا اخوتي عن هذه السذاجة الاقتصادية ولنحاول ما نستطيع مداواة سذاجتنا السياسية!.
لقد حاولت المانيا النازية على امتداد عشر سنوات واكثر، وحاول الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الاشتراكي على امتداد نصف قرن وزيادة تحطيم الولايات المتحدة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، فكان نصيبها في الحرب العالمية الثانية، وفي الحرب الباردة...الفشل ولو كانت خطة تنظيم القاعدة ستنجح لما انهار نظام طالبان بهذه السرعة بدلاً من النظام الامريكي.
بل لو تأمل بن لادن نفسه خطبه وصورته ونفسيته ووضعه بين سبتمبر وديسمبر 2001، لرأى ان تنظيم القاعدة ابعد ما يكون عن تحطيم الاقتصاد الامريكي!.
-8 يقول بن لادن في خطبته ان هذه الحرب في افغانستان بين من اسماهم بالمجاهدين العرب المدعومين بنظام طالبان من جانب، والقوات الامريكية «اظهرت بوضوح مدى عجز الحكومة الامريكية ومدى الضعف الامريكي ومدى هشاشة الجندي الامريكي» ولأمريكا ان تدافع عن سمعتها العسكرية وسمعة جنودها، ولكن ما هو واضح ان نظام طالبان انهار بشكل مذهل، وانصرف الافغان عن القتال، وانكشفت المعارك عن جموع من العرب والباكستانيين والشياشان وغيرهم ممن تحصنوا بالجبال والكهوف دون اي امل بتحقيق النصر.
ثم رأينا الافغان يجتمعون بمختلف فصائلهم في المانيا، ويتفقون على الحكومة القادمة ورأينا البهجة تعم ارجاء افغانستان والفرحة تعلو وجوه رجال ونساء كابل وهرات وقندهار ومزار شريف بعد رحيل نظام طالبان.فكيف نقول ان امريكا فشلت وعجزت في هذه الحرب؟.
-9 ثم لنفترض ان خطة تنظيم القاعدة كانت قد نجحت.فأمسك برقاب الافغان، ثم هيمن على باكستان وهدد غيرها بالسلاح الذري، ثم خضعت لحزب بن لادن دول اخرى قريبة وبعيدة، فماذا كان برنامجه؟
وما كان سيضع من خطط لتنمية هذه الدول وتحسين احوال شعوبها؟ وكيف سيعمل على تطويرها وهو في حالة حرب مع امريكا واوروبا؟ فالارجح اذن، انه كان يهدف الى حرب شاملة اساسها الارهاب الذري ونتائجها وخيمة على العالم الاسلامي كله!.
ان خطب بن لادن كلها خالية من اي فكر ينقذ العالم العربي والاسلامي او يرفع من شأنه.ولا تعكس آراؤه واجتهاداته سوى اليأس والاحباط وشهوة الانتقام.
وما بهذا تقوم الامم وتنهض! وشتان بين فكر جمال الدين الافغاني الذي بدأ به المسلمون سعيهم للنهوض، وما انتهى اليه اسامة بن لادن...في افغانستان!
بل وفي اللحظات الاخيرة، تخلى عنه وعن تنظيمه حتى نظام طالبان وصمتت الاحزاب الاسلامية في باكستان ومصر ودول الخليج، فيما وقعت محنة كبرى في صفوف الاسلاميين والمسلمين في اوروبا والولايات المتحدة واستراليا.
-10على اسامة بن لادن اذن، ان كان يتحدث عن الشجاعة والبطولة والجهاد ان يعترف بفشله، وان ينتقد نفسه بعد كل هذه التجارب في السودان واليمن وافريقيا وافغانستان، وبعد ان سبب للمسلمين كل هذه الآلام والسمعة المدمرة والضحايا، وبعد ان أثار في العالم كل هذه الزوابع والحروب.
وعلى العالم الاسلامي، مفكرين واحزاباً، ان يستعيد وعيه، ويرجع الى عقله، ويحاسب من اساء اليه حساباً عسيراً.
وعلى الجميع اليوم محاسبة كل الذين وجهوا شباب الخليج ومصر للالتحاق بمثل هذه التنظيمات التي استلمت شباباً في عمر الزهور واعادتهم جثثاً تدفن في مقابر الكويت ومصر، او تتناثر اجسادهم فوق تلال وكهوف افغانستان او يبقون منبوذين ملاحقين ردحاً طويلاً من الزمن.
هذا هو الجانب الذي لا تجده «محطة الجزيرة» للاسف، جديراً بالبث وتسليط الأضواء!.
خليل علي حيدر
تعليقات