عثمان الخميس يشيد بمواقف أبيه الزمانان صاحب بصيرة نافذة
زاوية الكتابكتب مايو 10, 2011, 4:48 م 3930 مشاهدات 0
ودعت أبي
ان يكون لك اكثر من أخ فهذا امر طبيعي وكذا ان يكون لك اكثر من ابن ولكن هل يمكن ان يكون لك اكثر من اب فهذا امر عجيب، وقد وقع لي.
اما ابي الذي جئت من ظهره واحمل اسمه فهو محمد الحمد الخميس رحمه الله رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته، واما ابي الآخر فهو من سأتكلم عنه اليوم بانه ابو سالم غصاب محمد غصاب الزمانان.
وحقيقة لا ادري من اين أبدأ فأرجو المعذرة لأن ما اريد ان اقوله كثير مترامي الاطراف في امر ابي غصاب، والعجيب في ابي غصاب انه كان كفيف البصر، ولكنه صاحب بصيرة نافذة، كان قليل الكلام كثير الصمت ولكنه اذا تكلم اعطاك فائدة، حياته كلها تجارب، وكلماته بشكل عام نافعة حكم وامثال وقصص لها عبر، كنت اذا جلست معه يذكرني بالله، ويخوفني منه احيانا بكلمات مباشرة واحيانا غير مباشرة لو اردت ان اسطر في مقالي هذا اماستفدته منه فاني سأظلم نفسي لاني ساكون مقصراً مهما اكثرت، كنت احب الجلوس معه خاصة اذا كان وحده، ففي تلك اللحظات آخذ منه الفوائد والدرر من خلال تجاربه في هذه الدنيا، وكنت كثيرا ما استشيره في المسائل الاجتماعية التي يسألني الناس عنها، وكثيرا ما كنت اجد اجابات وافية عنده.
درس لن أنساه: سافرت معه مرة الى العمرة في السيارة ومعنا اخته أم سالم وولده سامي حفظهما الله فاعطاني درساً لم انسه ولن أنساه، سألني موظف الجوازات: هل هذا أبوك؟ فقلت: لا، عندها قال أبو سالم (أبي) هذا سائقنا، وتضايقت من كلامه ولم اكن املك اكثر من ذلك، ولما ركبنا السيارة قال لي: اذا كنت لاترضى ان اكون ابا لك فاقبل ان تكون سائقا لي، فكان درساً.
وبعد فترة تذكر حديث العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه لما سئل: ايهما اكبر انت ام رسول الله؟ فقال هو اكبر مني وانا ولدت قبله، فليتني كنت في مثل بديهته فاقول مثل مقولته.
كان ابي صواماً قواماً ذكاراً، كان كثير الصوم، ولا يترك قيام الليل حتى في مرضه كان يصلي جالساً.
حدثني الثقة أخي سعود الزمانان أنه سافر مع أبيه مرة إلى العمرة في السيارة قال، ووصلنا إلى مكة متأخرين ولما دخلنا إلى الفندق قال لي أبي: دلني على الحمام وإلى جهة القبلة ففعلت ثم نمنا، واستيقظت من النوم في الساعة الثالثة ليلاً فإذا بأبي قائم يصلي ولما قضى صلاته قلت له: لماذا لم تترك القيام وأنت متعب وقادم من سفر؟ فقال: الأمر سهل وما في تعب. وحدثني بمثلها أخي جاسم الفهيد حفظه الله قال أبو فهد: ذهبنا إلى الحج أنا وأبو سالم وبدر ومحمد وسعود أبناؤه وفي طريق العودة في السيارة توقفنا في المجمعة لنرتاح من طول الطريق وذلك قريب من منتصف الليل فنمنا وقدر الله أن استيقظ في آخر الليل الساعة الثالثة والنصف تقريبا فإذا هو قائم يصلي ونظرت إلى أولاده بدر ومحمد وسعود فإذا هم نيام فقلت في نفسي نحن الشباب نيام وهذا الشايب قائم يصلي فدعوت له وعدت إلى نومي.
كان أبي كثير الذكر يصلي من الليل ركعتين ثم يسبح ويهلل ويكبر مئة مرة ويصلي على النبي صلي الله عليه وسلم مئة مرة ثم يصلي ركعتين ثم يعود إلى الذكر وهكذا حتى يطلع الفجر.
كان أبي غصاب بارا بوالديه ففي كل سنة يرسل من يحج ويجعل ثواب ذلك لهما، ويتصدق عنهما وبنى لكل واحد منهما مسجداً وهذا عدا الصدقات وما يهدي لهما من الطاعات ومن ذكر أو قراءة قرآن وغيرها، وأشهد أنه وجد هذا في ذريته وهم مشهود لهم ببرهم بوالدهم وهو أمر متواتر عند من يعرفهم.
قال لي: والنعم، كانت كلمة والنعم لها وزنها عند أبي فما كان يقولها إلا نادراً وكان ينكر على من يرسلها لكل أحد كما هو حال كثير من الناس اليوم.
وكان يسعدني سماعي هذه الكلمة منه، أو تنقل لي إنه قالها عني في غيبتي وكم كان لها رنين عجيب في أذني منه خاصة، فلهذه الكلمة منه أثر عجيب في نفسي.
أحببته كثيرا وكان يحبني كثيرا يصرح به أحيانا ويقوله في غيبتي أكثر الأحيان.
كريم وأي كرم: كان كريم النفس كريم اليد وديوانه يشهد له بذلك فهو ديوان عامر ولم يكن يرد سائلا خاصة إن كان من أقاربه، فكم أرسل أناساً يحجون على حسابه الخاص وكم تصدق وأعطى الكثير الكثير أحيانا عن طريقي وفي أكثر الأحيان عن طريق ابنه سعود.
النظرة الأخيرة: كانت النظرة الاخيرة قبيل دفنه وبعد تغسيله وتكفينه، لم اصبر لأني لم احضر تغسيله فذهبت الى المقبرة مبكرا في الظهيرة فوجدت ولده سالما حفظه الله وكان مثلي لم يره لأنه كان مسافرا، فطلبت من مسؤول المغيسل في المقبرة ان ارى ابي قبل دفنه فأذن لي فدخلت انا وسالم وفتحنا الكفن فماذا رأيت؟ لقد رأيت وجهه منيرا ففرحت كثيرا وزال عني كثير من حزني لاني جاءتني رسالة من رؤيتي له انه على خير، فقبلت جبينه ثم سجيته.
لقد أبكيتني يا أبي: أنا قليل البكاء ولكني عند فقده بكيت نعم بكيت، ولا اقول هذا لأتباهى به ولكن لأقول لقد كان لفقده اثر عظيم في نفسي.
دخلت الديوان بعد وفاته فسرحت وانا انظر الى مكان جلوسه في الديوان ترى هل انتظر حتى يأتي ويجلس معنا كما كان يجلس دائما؟
هل سأراه مرة ثانية، اما في الدنيا فلا وأما في الآخرة فأسأل الله ان يجمعني معه في جنات النعيم آمين.
وأخيرا أسأل الله جل في علاه ان يبارك له في ذريته سالم وفواز ومشعل وبدر ومحمد وطلال وسعود وسامي والبنات وذرياتهم اجمعين واقول لأم سالم وام مشعل وذرية ابي سالم ومحبيه عظم الله اجركم واحسن عزاءكم وجمعكم معه في جنات النعيم.
اللهم آمين.
قالوا سَلَوْتَ فلا والله ما صَدَقوا
نورٌ تَبَدَّى لعيني من مُحَيَّاه
قالوا فإنا نراكَ لست تَذْكرُه
فكيفَ يذكرُه مَن ليس ينساه
غصابُ حازَ المعالي في تَواضُعِه
هذا وربي بعضٌ من سَجاياه
عينايَ تَبْكيه ليلا ثم تُتْبِعُه
صُبحاً فيسِّر لنا يا رب لقياه
في جنةِ الخُلْدِ في خيرٍ وفي دعةٍ
قد كان ذلك أقصى ما تَمَنَّاه
عثمان الخميس
تعليقات