فرق بين الشيعة والتشيع يكتب عنه خليل حيدر

زاوية الكتاب

أتباع 'ولاية الفقيه' يحاولون ضرب أي شكل من الاجتهادات داخل المذهب الشيعي

كتب 4141 مشاهدات 0


مصالح الشيعة.. ومسار التشيع

 
خليل علي حيدر
 

 
 
 هل الشيعة والتشيع.. شيء واحد؟ والى اي حد يدرك الشيعة انفسهم الفرق بينهما؟ وهل رؤية الثورة الاسلامية الايرانية صحيحة في هذا المجال؟ وهل هي «رؤية ايرانية»، لمصلحة التشيع والشيعة، أم «رؤية شيعية» لمصلحة إيران ؟ علينا في الكويت في اعتقادي، ان نميز بين «مصالح الشيعة» و «مسار التشيع»، فهما شيئان مختلفان. ونحن نؤثر في الاول ويؤثر فينا بشكل مباشر، بينما الثاني، اي «مسار التشيع» عملية تاريخية مذهبية سياسية مشتركة ولاتتبع اي جيل من الاجيال، وليس بأيدينا دائماً التأثير فيه!
«مصالح الشيعة» لها علاقة بواقعهم في أوطانهم وطبيعة علاقاتهم بالآخر . واقع مرتبط برباط وثيق بالمجتمعات التي نعيش فيها سنّة وشيعة. فعندما كانت الكويت تعتمد على موارد محدودة واقتصاد بحري بسيط كان السنة والشيعة كذلك فقراء او شبه فقراء. وعندما تحسنت الاحوال المعيشية وتغير الاقتصاد، تحسنت احوال الجميع، وعندما بدأت الدولة الحديثة تتشكل والخدمات التعليمية والصحية والاسكانية والبعثات التعليمية تتسع استفاد منها الجميع. وعندما تعرضت البلاد للغزو والعدوان عانى من الكارثة كل الاطراف.
وهكذا، فمصير ومصالح الشيعة في الكويت، وكل دولة اخرى، جزء لايتجزأ من واقع ومصير كل دولة يعيشون فيها، إلى جانب أخوتهم من أهل السنة، مهما كانت النسبة العددية لهؤلاء أو هؤلاء.
هذا عن مصالح الشيعة، أما «مسار التشيع» فشيء آخر، مثل مسار «التسنن» أو مصير أي دين أو مذهب آخر، فالمذهب الشيعي كفكر وممارسة وفقه، بدأ في القرن الهجري الأول بشكله البسيط كولاء سياسي للإمام علي بن أبي طالب وأهل البيت، ثم أخذ يتشعب ويتطور حتى وصل إلى ما نراه عليه اليوم، كذا مذهب أهل السنة والجماعة، فقد بدأ بالقرآن والحديث والاختلاف بين أهل النص وأهل الرأي، ثم تطورت المذاهب التي لا حصر لها ثم سادت المذاهب الأربعة، لتتحول اليوم في بلدان العالم الإسلامي، إلى ما يشبه المذهب الواحد بعد ثورة الاتصالات وانتشار التعليم.
ليس في العالم الإسلامي لأهل السنة «بابا» معصوم، ولا مفتٍ عام ليس بعد قوله قول، ولا توجد فتوى تسود وتلغي بقية الفتاوى، فهناك الأزهر الشريف، وهناك الهيئة الدينية في المملكة العربية السعودية، وهناك مراكز دينية في شمال أفريقيا والشام وبلدان آسيا، ومن مصلحة المسلمين أن يبقى هذا التنوع والاختلاف والتعدد سائدا، ولولا كل هذا لجمد الفكر وانتشر التعصب، وعمّت «ثقافة طالبان» كل الديار.
ليس هذا للأسف الحال مع «التشيّع» منذ عام 1979 وانتصار الثورة الإسلامية في إيران، وظهور دعوة «ولاية الفقيه» ومحاولة فرض مفاهيم ورؤى معينة تشمل المذهب الشيعي وفلسفة الزعامة والاجتهاد ودور الفقيه، بل ورسم مستقبل التشيع برمته.. الى ظهور «الإمام المهدي»!
ولو كان الجهد المبذول في تعميم هذه الرؤية والزعامة منصرفا الى الجانب الفقهي والفكري في قضايا المرجعية والتقليد وغير ذلك لبقي الخلاف مع أصحابها محصورا محدودا. ولكن الدعوة خلطت، ربما منذ اليوم الأول، بين مصالح الشيعة ومسار التشيع. ولم تفرق القيادة الثورية في ايران، على مدى كل هذه العقود، بين «الشيعة» و«التشيع»، بين شعوب واناس يتبعون هذا المذهب في اكثر من مكان، واكثر من وطن، ترتبط مصالحهم الحيوية وقضاياهم الاجتماعية والسياسية بذلك المكان، من جانب وبين رؤية فقهية زعامية في ايران تحاول، من جانب آخر، ان تجعل مدينة «قم» مثلا، عاصمة التشيع، او رؤية قادة ثورة 1979، المحدد لمسار ومصير الشيعة والتشيع، يلخصونها في مبدأ «ولاية الفقيه».
وهكذا، كانت للقيادة الايرانية رؤية مسيسة الى مستقبل وتحرك الشيعة في مختلف الدول، مع حرص القيادة على دمج هذا كله باجتهادات هذه القيادة ونظرتها إلى مسار التشيع.
ولم تكتف هذه القيادة بالطرح النظري البحت داخل الأوساط الشيعية الإيرانية، بل شجعت انتشار تيار «ولاية الفقيه»، وما يتبعها من اجتهادات خاصة بالتجربة الفقهية الإيرانية، إلى كل شيعة الخليج والعالم العربي وخارجهما، مسببة انقسامات وصراعات لا حصر لها، وآثاراً سلبية على مصالح الشيعة ومسار المذهب معاً.. في الكويت والعراق والبحرين ولبنان.
لقد كان مثلا أقوى وأدوم ما في المذهب الشيعي خلال القرن العشرين خاصة وحتى اليوم، تعدد المرجعية وحرية الاجتهاد فأين كل هذا اليوم؟
من يجرؤ اليوم في «قم» أو «النجف الأشرف» أو بيروت وجنوب لبنان على الترويج لفكر مخالف للولي الفقيه أو رؤية معارضة ناقدة؟ وكان لرجال المرجعية الشيعية مكانتهم واستقلالهم وجرأتهم، وكان بعضهم يقف للشاه الاب والابن بالمرصاد، كما فعل آية الله الخميني نفسه عام 1963، ويعارض ثورته البيضاء وكل برنامجه السياسي، قبل نصف قرن، ولكن من يجرؤ اليوم على مناقشة آراء واجتهادات الولي الفقيه، أو نشر الكتب والدراسات المخالفة دون ان يصبح نسياً منسياً؟ وكان التشيع في مجتمعات عديدة وعاء الثقافة والشعر والأدب وكان في دول مثل العراق ولبنان والبحرين منبع الاحزاب التحررية والآراء التجديدية فما مصير الفكر والثقافة والحريات في ظل هذا التسييس الخانق والتسلط في سائر الأوساط الشيعية؟ لقد ظهر الكثير من فقهاء الشيعة ورجال الفكر والثقافة في ظل الملكية ونظام الشاه، و«الانظمة السنية» بل حتى في ظل طاغية العراق المقبور، فكم أفرز النظام الثوري الجديد منذ 1979 من مجتهدين مستقلين، ومفكرين مبدعين، ومثقفين أحرار، وساسة بارزين؟
خليل علي حيدر 

الوطن-مقال اليوم

تعليقات

اكتب تعليقك